خصصنا ملف هذا العدد الخامس من «بدايات» لافتتاح مسارات التفكير النقدي في فلسطين الحاضر والمستقبل ومساءلة موقعها من الثورات العربية وموقع هذه منها. والمناسبة يصعب التغاضي عنها: مضي عشرين عاما على توقيع اتفاق اوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والدولة الصهيونية.
ما تجمّع لدينا من مواد يلقي الضوء على أوجه مختلفة من التجربة الفلسطينية في ظل «السلطة الوطنية». يفتتح بشارة دوماني الملف بنص خلاق عن تنصيب فلسطين في وجه الفلسطينيين. ويتتبع نوام تشومسكي مسار التخريب الاسرائيلي للاتفاق منذ توقيعه، ويضيء على الدور الخبيث للمفاوضين النورويجيين مؤكدا أن الولايات المتحدة لم تكن مرة «وسيطا نزيها» بين الفلسطينيين والاسرائيليين بل «شريكا» لاسرائيل. وقد أولينا أهمية خاصة للاقتصاد السياسي لأنه اول ما يجدر استحضاره عند البحث في القاعدة المادية للاستتباع الاسرائيلي للضفة الغربية. ننشر ثلاثة نصوص عن الاقتصاد السياسي لخليل نخلة وتوفيق حداد ونصا عن «خصخصة» الجيش الاسرائيلي. الى ذلك بحث نقدي لاصلاح جاد في ظاهرة المنظمات غير الحكومية ودراسة ميدانية لميسون سكّرية عن السياحة الاكاديمية في المخيمات الفلسطينية.
تلوّن فلسطين العدد كله. الى شهادة عن مخيم فلسطيني في سورية تحت القصف لرائد وحش، ورواية علاء حليحل لتجربة قرية «باب الشمس»، نلقى مراجعة نور أبو عرفة لكتاب عن طوابع البريد الفلسطينية وتصميمات نوال طرابلسي لطوابع بريد من اجل فلسطين حرة مستقلة، اضافة الى نقد غالية سعداوي لفيلم للمخرج الفرنسي جان لوك غودار عن فلسطين نقتطف منه حوارا لمحمود درويش عن الشعر وفلسطين. وهنا ايضا يكتشف روي ديب حياة الفلسطينيين البشر بعدما تشبّع من فلسطين-الصورة. ويكتب رياض بيدس عن جدّته. وننشر اخيرا ليس آخرا دراسة آيرين غندزير القيّمة عن النفط العربي وولادة دولة اسرائيل في السياسة الخارجية الاميركية العام ١٩٤٨.
يسرّنا ان نؤدي واجبا من الوفاء والتقدير في هذا العدد لاحد المع البحاثة العرب، الفلسطيني الاميركي حنا بطاطو. يقرأ له وضاح شرارة، ومن وحيه، عن الدولة العربية في قبضة جهاز الاستيلاء العصبي والريعي والبيروقراطي. ونواصل التعريف بالتراث اليساري الجديد باطروحات لفريدريك جايمسون، احد ابرز الماركسيين الجدد في الولايات المتحدة الاميركية. ويبسط سلامة كيلة رأيه في دور النظرية في الثورة.
وتشتمل «من باب اولى» على مقالات عن الاحوال الشخصية والتحرك النقابي في لبنان لسليمان تقي الدين ومحمد زبيب، وتتساءل ليلى داخلي عما اذا كانت الثورة التونسية باتت ثورة مغدورة، وينتقد عبدالاله بلقزيز القيادات الحزبية الجديدة في المغرب، وتكتب بشرى المقطري عن طرد العمال اليمنيين من العربية السعودية. وننشر مقابلة مطولة اجراها محمد العطار مع فواز طرابلسي عن الثورة السورية.
من كتابات الشباب اخترنا ياسين سويحة الذي يذكّر بالعوامل الاجتماعية في الثورة السورية. وفي «كتاب» مراجعة لكتاب للناقد الفني الالماني هانس بلتنغ عن مساهمة العالِم العربي ابن الهيثم في النهضة الاوروبية. وفي «نون والقلم» تحية للمسرحي اللبناني الكبير يعقوب الشدراوي من خلال نشر فصل من مسرحيته عن طانيوس شاهين، قائد الانتفاضة العامية والفلاحية في جبل لبنان في القرن التاسع عشر.
في «ذاكرة» يدعو احمد الصياد الى اعادة الاعتبار النقدية لليسار اليمني. وفي «حضور الغياب»، نحيي الذكرى المائة لولادة الكاتب اللبناني الكبير رئيف خوري، بنص لاحمد علبي، وننشر قصيدة لشهيد اليسار التونسي شكري بلعيد يرثي فيها شهيدا يساريا آخر هو الناقد والباحث اللبناني حسين مروة، ونودع مع موسى البديري أكيفا أور، مؤسس «ماتسبن»، الثوري الشمولي، والمناضل الرائد ضد الصهيونية.
أخيرا، يقرأ محمد العطار عن ثورة اللغة في شعارات الثورة السورية. وتواصل سمر سلمان ابحاثها في الموسيقى العربية الحديثة بنص عن فريد الاطرش.
قلنا اننا اردنا من ملف هذا العدد افتتاح البحث في فلسطين الحاضر والمستقبل. فيما يلي نقدّم بعض العناوين لمواصلة البحث وتشجيعا على النقاش.
١. الثورات العربية/فلسطين. ماذا يتوقع الشعب الفلسطيني من الثورات العربية من نتائج على قضيته وعلى مجرى النزاع العربي الاسرائيلي؟ واية دروس تقدمها الثورات العربية للشعب الفلسطيني وحركة تحرره بعدما استوحت هي الكثير من الانتفاضات الفلسطينية؟
٢. النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي /النزاع العربي-الاسرائيلي. احدثت اتفاقية اوسلو شرخا بين هذين النزاعين وبين قضية فلسطين والجماهير العربية. والسؤال: هل يمكن ان تستعيد قضية فلسطين استدعاءاتها للجماهير العربية دون تجديد دورها بما هي حركة تحرر وطني وانخراطها في النضال العام من اجل العمل والحرية والعدالة الاجتماعية؟
٣. النزعة العسكرية الخلاصية/المفاوضات. تستطيع البؤرتان المسلّحتان لحركة حماس وحزب الله، في غزة وجنوب لبنان، الصمود في وجه محاولات تصفية، وردع العدوان، والمحافظة على مقدار من التعبئة الشعبية والمعنوية والرمزية. لكن المقاومة تبقى عاجزة، بمفردها، عن إحداث تغيير نوعي في توازن القوى مع الدولة العبرية. الا يستدعي ذلك اعادة ادخال الجيوش العربية في المعادلة ومعها كل وسائل القوة والضغط الاقتصادية والستراتيجية التي تمتلكها المنطقة؟ ومن جهة اخرى، هل من مكان ودور لآفاق نضال سياسي وشعبي خلاق جديد، بديلا عن المفاوضات المصدومة الافق، وعن مبادرة السلام العربية المرهونة للسيّد الاميركي ولأولوية «حماية امن اسرائيل»؟
٤. حل الدولة الفلسطينية المستقلة/الدولة الواحدة. يبدو كأنه لسان حال انصار «الدولة الواحدة»: لما كنا عاجزين عن تحقيق الحد الادنى فلنقفز للمطالبة بالحد الاقصى.
ولو افترضنا جدلا أن شعار الدولة الواحدة قابل للتطبيق، فهل يمكن تطبيقه بغير قرار اسرائيلي باستكمال احتلال فلسطين التاريخيَّة، ما يعني الاطاحة الطوعية بأساس المشروع الصهيوني القائم على الحفاظ على أكثرية يهودية كاسحة في فلسطين؟ اي ما يعادل دعوة الدولة الصهيونية الى الانتحار؟ ثم انه من أبرز الحجج المقدمة دفاعاً عن حل الدولة الواحدة هو انّ حل الدولتين سوف يعني التنازل نهائياً عن حق العودة، فهل حل الدولة الواحدة إطار صالح لتحقيق حق العودة؟
«بدايات» مستمرة. وقد بدأت تتوافد مواد العدد السادس وفيها ملف عن الثورة المصرية وعدة مساهمات في المسألة النسوية. فالى اللقاء.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.