آدم هنية، الرأسمالية والتكوّن الطبقي في دول الخليج العربي، نيو يورك، پالغريف ماكميلان، ٢٠١١
Adam Hanieh, Capitalism and Class in the Gulf Arab States, Palgrave Macmillan, New York, 2011.
آدم هنية
استاذ الدراسات التنموية في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن.
كتاب آدم هنية «الرأسمالية والتكوّن الطبقي في دول الخليج العربي»، أوّل بحث من نوعه يعالج مسألة تشكّل الطبقات في الدول النفطية. انه عمل بحثي جدّي ولافت، يدرس دور دول الخليج في الاقتصاد العالمي كما في المنطقة العربية. ويحلل هذا العمل الرائد العمليات التي تدمج دول الخليج في الاقتصاد الرأسمالي العالمي عبر تدويل رأس المال ودور تلك الدول في النظام الاقتصادي العالمي. ويتابع ادوار رأس المال الخليجي المدوّل المتركّز حول المحور السعودي ــ الاماراتي ورأس المال المستتبع له. ويمثل هذا التدويل عملية تشكّل طبقيٍ وثيقة الارتباط بالتطور السريع لاقتصاديات الخليج والتحولات المادية التي تطرأ على المدن الخليجية.
يحتوي الكتاب على ستة فصول تنقسم الى ثلاثة أجزاء. في المقدمة المفصلة يقدّم آدم عرضًا شاملًا لتاريخ نشوء طبقة التجار في الخليج، والدور الذي أدّاه الاستعمار البريطاني في نشوء كياناته، حيث يشدد الكاتب على أنّ عائلات التجار الاوائل التي شجع الاستعمار البريطاني على نشوئها، فضلًا عن الكتل التجارية الجديدة التي ظهرت مع بدء الحقبة النفطية، كانت من قبيل «الطبقة قيد التكوين» التي تحوّلت لاحقًا الى رأس المال الخليجي المعاصر. وتضمنت المقدمة ايضًا مقاربةً منهجيةً مبتكرة لعملية تدوير رأس المال في المنطقة الخليجية.
ثلاثة منطلقات نظرية
في الجانب النظري، تجدر الإشارة الى ثلاث نقاط أساسية.
أولًا، يحاجج الكاتب في أنّه لم يعد من المناسب تحليل عملية تشكل الطبقات في الخليج استنادًا الى النظرية الكلاسيكية للدولة الريعية، فالأخيرة محدودة لأنها تعتبر الدولة جوهرًا موجودًا بحدّ ذاته، في حين انه يرى الى الدولة على أنّها تعبير محدد للتشكّل الطبقي بما هو مجموعة علاقات اجتماعية في صيرورة دائمة.
ثانيًا، يرى الباحث أنّ عملية تدويل رأس المال، عكس البداهة السائدة، لم تلغِ الدور الذي تؤديه الدولة في التكوّن الطبقي أو في اعادة انتاج الرأسمالية بحد ذاتها. صحيح أنّ تراكم رأس المال يجري في ظلّ نظام عالمي أحادي الطابع ويتميّز إجمالًا بفوارق جغرافية واجتماعية عميقة وبتراتبية حادة، الا انّ ذلك لا يعني أنّ الدول بحد ذاتها فقدت أهميتها. لا يزال التراكم يجري على الصعيد الكوني، الا ان حاجة التدويل الرأسمالي الى قوانين هدفها إدامة شروط التراكم ــ من مثل تعديل التشريعات، وضبط قوة العمل وغيرها ــ تزيد من أهمية دور الدولة لا العكس.
ثالثًا، قامت عملية التدويل في الدول الخليجية عبر عملية «أقلمة» مطلعها نشوء المحور السعودي ــ الإماراتي. وهذا ما يمكّننا من فهم نمو دور دول الخليج في عالم الأسواق العالمية، فخلف تدفق الأموال أو السلع، يقبع توسّع في العلاقات الاجتماعية التي تربط الطبقات الرأسمالية في دول الخليج بعضها ببعض.
وإذ ينتقل الباحث الى تعيين مطلع التكون الطبقي في دول الخليج، يتكلّم عن خاصيتين مميّزتين: التمفصل المكاني والتراكم الأولي لرأس المال عبر دور الدولة في توجيه العوائد النفطية، ففي الفترة التكوينية سمحت الدولة بنشوء نواة متميّزة من الخليجيين تحلقت حولها لاحقًا طبقة رأسمالية نمت في قلب الدورتين السلعية والمالية في غياب دورة إنتاجية. وتشكّلت في الدورتين المذكورتين مجموعة من العلاقات الاجتماعية نشأ في طياتها رأس مال محلي ضخم، وثيق الارتباط بالدول ذاتها وبالطبقات التجارية الناشئة. وكانت الطريقة التي بها تطوّرت تلك الدورات منسجمة مع الاتجاهات السائدة في الاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية حتى أواخر السبعينيات، حيث ازدادت أهمية القطاع المالي على سائر القطاعات وكان للنفط دور متزايد الأهمية في التراكم الرأسمالي.
هيمنة المحور المالي السعودي ــ الإماراتي
يتوجه القسم الثاني من الكتاب نحو تشكّل الرأسمال الخليجي بعد انفراط عقد الاتحاد السوفياتي ودمج الصين في السوق الرأسمالي العالمي. يجري هنا فحص الدور الحاسم للتدويل الرأسمالي وتبعات ذلك بالنسبة إلى منطقة الخليج بأسرها من منظار الاقتصاد العالمي والتنافس بين القوى الرأسمالية العالمية. هنا المساهمة الأهمّ لآدم هنية حيث يعرض جداول مفصّلة تشرح عملية التراكم وتعيّن المسيطرين عليها وأماكن تمركزها في كلّ دولة من دول الخليج. وهنا ايضا يعاين المؤلف مختلف الدورات الرأسمالية والكيفية التي بها يجري التراكم في كلّ منها. ويحلّل هنية الاختراق المتبادل للعلاقات الاجتماعية الرأسمالية كما تعكسها مشاريع الملكية المشتركة (دولة ــ قطاع خاص) والتداخل بين الادارة الحكومية والشركات الرأسمالية في حالة أكثر من ٥٠٠ شركة ومؤسسة مالية ومشروع في مجلس التعاون الخليجي. ويخلص التحليل أعلاه الى نتيجتين. الاولى، ارتكاز رأس المال الخليجي على المحور السعودي ـ الاماراتي؛ والثانية، تركّز تراكم الرأسمال الخليجي حول مشاريع البناء وتصنيع السلع العالية الاستهلاك للطاقة كالألمينيوم. ويجد تدويل دورة الانتاج السلّعية تعبيره في الدور التخزيني –التوزيعي الذي تؤديه السعودية والامارات في المستوردات العالمية وفي تجارة الترانزيت عبر الفضاء الاقليمي ــ أي دول مجلس التعاون. ولنظام الوكالات وحقوق التوزيع دور أساسي في هذه الدورة السّلعية. هنا يتمثل الشكل المؤسسي للرأسمال الخليجي في توسّع المخازن الكبرى و«المولات» والاسواق الحرة.
ويسيطر التكتّل السعودي ــ الاماراتي في دائرة التوزيع السلعي تلك على معظم حقوق الوكالات لعدة دول في مجلس التعاون، مع توجّهه الواضح نحو قطاع البيع بالتجزئة على مستوى الخليج عامة. ويشرح هذا القسم من الكتاب كيف يهيمن المحور السعودي ــالاماراتي على الدورة المالية لرأس المال والعامل الأساسي فيها هو نمو الأسواق العالمية الرأسمالية والذي يدلّ على مزيد من الترابط بين الرأسمال الخليجي وبين هندسة الأسواق المالية العالمية.
تجمع الاسواق الرأسمالية كل الموارد المالية التي تحتويها منطقة مجلس التعاون الخليجي، وتؤدي البحرين دورًا اساسيًا في تدويل الدورة المالية بالتعاون مع أكثرية البنوك حيث الجزء الأكبر من الأسواق يملكها مستثمرو مجلس التعاون من غير البحرينيين. وأهم ما يبينه هذا الفصل من الكتاب هو الصلة الحميمة بين رأس المال الخليجي وبين الدولة والشركات التجارية في اقطار الخليج، حيث المعنيون بعملية التراكم على علاقة بالعائلات الحاكمة كما هي حال شركات Kingdom GroupوNBK Group وAl-Qassimi. ويتضح هنا ايضا أنّ لرأس المال الخليجي هذا تأثيرًا متزايدًا على السياسات الاقتصادية والمالية في كل دول مجلس التعاون الخليجي. غير أنّ الكاتب يحاجج أيضًا في أنّ الاندماج السياسي بين دول مجلس التعاون لم يصل بعد الى مستوى الاندماج الاقتصادي، لأن النخب السياسية لا تزال ذات مصلحة أساسية في الحفاظ على سياسات مستقلة وعلى الاستحواذ على الريع كلٌ في دولته.
رؤوس الاموال الخليجية في المدى العربي
إذا كان نمو الرأسمال الخليجي مؤشرًا على نزعات التدويل والتمويل الرأسمالية عبر فضاء مجلس التعاون الخليجي، فانّ تلك النزعات لا تقتصر على دول مجلس التعاون الخليجي بل تشمل العالم العربي الذي ترتبط اجزاؤه الاخرى بشكل لا فكاك منه بأنماط التراكم والتشكّل الطبقي لدول الخليج.
هذا هو موضوع الجزء الثالث والأخير من الكتاب حيث يبيّن الكاتب كيف أنّ رؤوس الأموال العامة والخاصة لمجلس التعاون تخترق الاقتصاديات الوطنية لمختلف الدول العربية، وكيف تعيد الرأسمالية الخليجية صوغ طبيعة التراكم نفسه في تلك البلدان من خلال استحواذها على ملكية الشركات المالية والانتاجية في مصر والاردن ولبنان وفلسطين خصوصا. فبحسب تقديرات البنك الدولي فانّ دول الخليج مسؤولة عن حوالي ٣٦٪ من إجمالي الاستثمارات الاجنبية في العالم العربي. وقد تلقت دول المشرق العربي أكثر من ٦٠٪ من استثمارات مجلس التعاون الخليجي. وبلغت قيمة اجمالي الاموال المستثمرة من دول مجلس التعاون في بلدان المشرق حوالي 66.2 مليار يورو خلال فترة ٢٠٠٣ ــ ٢٠٠٩ بالمقارنة مع 22.9 مليون قادمة من أوروبا و5.2 من أميركا الشمالية.
إنّ استثمارات رأس المال الخليجي متمركزة في دورتين رأسماليتين تتمحور حولهما عملية التراكم الرأسمالي في دول مجلس التعاون اصلا هما القطاع المصرفي من جهة وقطاعا البناء والبيع بالتجزئة من جهة اخرى. فقد جاءت الموجة الاستثمارية الاولى في العراق من الشركات الأميركية المستفيدة من العقود الممنوحة من الحكومة الاميركية. غير أنّه مع انشاء «سلطة الاحتلال المؤقتة» في حزيران ٢٠٠٤ تخطّت استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي كمية الاستثمارات الاميركية، فبين عامي ٢٠٠٣ و٢٠٠٩، كان مصدر أكثر من نصف الاستثمارات الاجنبية في العراق مجلس التعاون الخليجي. وبحلول عام ٢٠٠٩ كانت اربعة من أصل ستة بنوك في العراق مملوكة من بنوك تأخذ من دول مجلس التعاون الخليجي مقرا لها. أمّا في قطاعي العقارات والاسكان فهناك مشروعان هائلان هما «المعبر» و«الداماك» DAMAC properties وِAl-MAABAR مسجلان في دولة الامارات العربية المتحدة وقد عادل حجم استثماراتهما أكثر من 75.5٪ من مجموع الاستثمار العقاري في العراق بأكمله. كذلك تملك شركات وQatarQtel KuwaitiZein وAgility الحصة الاكبر في شركات للهواتف الخلوية.
وقد جُرّبت الانماط الاستثمارية الخليجية ذاتها في سائر دول المشرق العربي. ويحاول آدم هنيّة البرهنة على أنّ عملية التدفق الرأسمالي من بلدان مجلس التعاون الى بلدان المشرق ترتبط بدور أكبر للرأسمال في توجيه السياسات الاقتصادية للدول المعنية. والمثال المعروف على ذلك هو مؤتمر باريس، حيث لعبت دول الخليج دورًا أساسيًا وتحملت أكبر قدر من الالتزامات المالية تجاه لبنان، متخطية بذلك المبالغ التي وعد بها البنك الدولي والولايات المتحدة والمجموعة الارووبية مجتمعين. أما الفصل الذي يعالج فيه الكاتب موضوع فلسطين فيركّز على دور رجل الاعمال منيب المصري الذي جنى أمواله أساسًا من خلال الاستثمار في الخليج.
يتبيّن فيما بعد أنّ حفنة من الشركات المرتبطة برأس المال الخليجي ــ بشقّيه العام والخاص ــ تهيمن على هذه الدفوق داخل الاقليم. تتركّز هذه الاستثمارات في نشاطات عدة مثل البناء والانشطة العقارية والاطعمة والبيع بالتجزئة، والمرافئ والخدمات، والبنوك والقطاع المالي والاعلام. والواضح أنّ طبيعة التركيز القطاعي تختلف حسب بلدان، فعندما تكون الاستثمارات آتية من الولايات المتحدة والمجموعة الاوروبية تجدها تتركّز في قطاعي الصناعة والنفط.
خلاصات وأسئلة
يسمح الكتاب بالتبصّر في كيفية التشكّل الطبقي في الخليج وفي الدور الذي تقوم به دول مجلس التعاون في المشرق عبر الاستثمارات المباشرة او عبر تكوّن رأسماليين بدأوا مسيرتهم في الخليج وعادوا الى بلدانهم ليحتلوا مناصب مؤثّرة فيه امثال رفيق الحريري في لبنان ومنيب المصري في فلسطين. لكن الكتاب يبدو بحاجة إلى المزيد من التعمق في عدة مفاصل. وأهم النواقص فيه هي أنّه يعتبر رأس المال المحور الأوحد لتحليلاته. ذلك ان الكمية الهائلة من المعلومات التي يقدمها وإبرازه أهمية تدفق الرأسمال في تشكّل الرأسمال الخليجي، يثيران عددا من الأسئلة:
+ ما علاقة الطبقة الرأسمالية التي تكونت في السنوات التي تلت تدويل المال بالطبقات الأخرى في دول الخليج؟ وكيف تم تكوين تلك الطبقات الأخرى؟ كيف يمكن لكتاب عن تكوين الطبقات التركيز على الطبقة الرأسمالية فقط وإغفال أي تطرق للطبقات الأخرى؟
+ لماذا يتركّز الرأسمال الخليجي في دورات التوزيع السّلعية والوكالات الحصرية للشركات العابرة للجنسيات وفي القطاع المالي والبيع بالتجزئة فقط؟ ولماذا في منطقة يقوم اقتصادها على النفط بشكل اساسي يتركز الرأسمال الخليجي في دورات لرأس المال لا وجود للنفط فيها؟
+ من يقرّر على الصعيد العالمي ما الدورات التي يحقق فيها رأس المال الخليجي عملية تراكمه؟ وما دور الولايات المتحدة الأميركية في هذا القرار، على وجه التحديد؟
+ ماذا عن عملية اتخاذ القرار في الخليج ذاته؟ هل يملك مجلس التعاون الخليجي والمتحكمون فيه بالسلطة والمال القدرة على توجيه السياسات الاقتصادية في دول المشرق؟ وهل ان الامر هنا للقرارات الخليجية حصرًا؟ أم انه يحدث بالتعاون مع اللاعب الأكبر في المنطقة أي الولايات المتحدة الأميركية؟ وما تأثير تمركز عملية تراكم رأس المال حول قطاعي التجزئة والمال على سيادة تلك الدول؟
لعل سبب عدم تقديم أجوبة عن مثل هذه الاسئلة هو التزام المؤلف بمنهج نظري أوحد هو منهج «تدويل رأس المال» حيث يشدّد على أنّ غزو المكان عبر رأس المال او التدويل المالي «امر يتأصّل في طبيعة عملية التراكم بالذات، أي انه ليس خيارًا سياسيًا او قرارًا تتخذه القوى المحرّكة لبعض الدول. إن عملية تدويل رأس المال عملية تنافسية بين القوى الرأسمالية ذاتها». (ص ١٢١).
إنّ اقتصار الكاتب على هذا المنهج لشرح التكوين الطبقي في الخليج وعلى تأثير الرأسمال الخليجي على تكوين الطبقات في المشرق العربي، يفقد القارئ الكثير من حيث التفصيل ومتعة القراءة ويحرمه من فهم دور رأس المال هذا في ضبط الطبقات الوسطى والدنيا إن من خلال نشر ثقافة تتوافق مع اقتصاد السوق عبر الإعلان والإعلام أو من خلال تمويل مؤسسات المجتمع المدني التي تروّج لهذا الاقتصاد أو حتى من خلال المؤسسات الخيرية وجمعيات البر والإحسان التي تعمل في حقل محاربة الفقر.
بالرغم من هذه الملاحظات يبقى الكتاب بحثًا رائدًا في مجاله، وفيه أيما إفادة من أجل فهم التحولات الطبقية في الخليج العربي.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.