تحتل العدالة الاجتماعية مكانة رئيسية في شعارات الثورة: «عيش، حرية، كرامة، عدالة اجتماعية». هذه العناصر المترابطة في شعار الثورة لم تأت عفوا، وإنّما كانت تعبيرا عن معاناة وطموحات الأغلبية الساحقة من الطبقات الشعبية الكادحة التي صنعت الثورة، وأصبحت هذه الشعارات جميعا، تملك مشروعية الثورة نفسها. ومن ثم لم يعد بمقدور أي حزب سياسي أن يتجاهلها أو أن يتنصل منها مهما بلغت ميوله المحافظة أو الرجعية، وذلك بما فيها الحكومات المتعاقبة، ومجلسها العسكري.
ولكن هناك فرقا شاسعا بين الاعتراف الشكلي أو اللفظي بتلك الشعارات وبين التبني الحقيقي لها. فقد أصبح واضحا أن القوى المتصدرة المسرح السياسي، من المجلس العسكري وحكوماته الثلاث والأحزاب الدينية والليبرالية والديمقراطية الاجتماعية، عدا الأحزاب اليسارية، تسعى لحصر الثورة في إسقاط رأس النظام، مع الحفاظ على النظام القديم مع تحسينات جزئية إلى هذا الحد أو ذاك. عمل هؤلاء جميعا على مناهضة أو تجاهل المطالب الاجتماعية، وأطلقوا عليها تسمية «المطالب الفئوية»، في سياق التشهير بها، باعتبار أن الحركات الاجتماعية تعمل على تعطيل حركة الإنتاج، وأنها تسعى لتحقيق مصالح خاصة، أو جني المغانم والمنافع من الثورة، التي ينبغي في نظرهم أن تظل طاهرة بريئة معبرة عن مصالح عليا مجرّدة لشعب مجرد في وطن مجرد. وفي أحسن الأحوال يجري تجاهلها باعتبارها مطالب غير واقعية، أو تتجاوز الإمكانيات الاقتصادية. وفي الحقيقة أن كل ذلك ليس سوى دفاع عن مصالح وامتيازات القمم البيروقراطية العليا العسكرية والمدنية، ومصالح القوى الرأسمالية المتحالفة معها، ذلك أن تلك المطالب الاجتماعية لا يمكن تحقيقها إلا على حساب امتيازات كل هؤلاء. بل يمكن القول أن الاستجابة لتلك المطالب الاجتماعية، على الأقل بصورة جزئية، كان من شأنه تطهير جهاز الدولة ومؤسساته الإنتاجية والخدمية والمالية والصحفية والإعلامية، من القمم الفاسدة، عديمة الكفاءة في معظم الأحوال، وكان من شأنه أيضا أن يكون عاملا لتحسين شروط دوران عجلة الإنتاج. بعبارة أخرى، أن تجاهل ومناهضة المطالب الاجتماعية كان السبب الرئيسي في ضعف دوران عجلة، ومن ثم يشكل عنصرا رئيسيّا في الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي لم تهدأ منذ اندلاع الثورة حتى الآن.
العدالة الاجتماعية إبنة النضال
وشعار العدالة الاجتماعية الذي أطلقته الثورة، يتضمن بطبيعة الحال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي انتزت بنضال عمالي وشعبي استمر عشرات السنين في العالم الرأسمالي. فهي لم تتحقق كنتيجة عفوية لما حققته الرأسمالية من تقدم ونمو اقتصادي، وإنما تحققت بالنضال، لتشكل تحولا استراتيجيا ومكاسب إصلاحية عظيمة الشأن يمكن تحقيقها في ظل العلاقات الرأسمالية نفسها. بل لقد أصبحت حقوقا معترفا بها على نطاق عالمي عندما تضمنها العهد الدولي لحقوق الإنسان. ولكن تلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لا تستغرق شعار العدالة الاجتماعية، الذي يمكن أن يعني، على الأقل من جهة نظر الأحزاب الاشتراكية، الثورة الاجتماعية التي تؤدي بالضرورة إلى تغيير في علاقات الإنتاج وعلاقات الملكية التي تشكل بالضرورة أساسا أشد رسوخا وقوة لوضع تلك الحقوق محل التطبيق، لاسيما في ظل الشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها مصر والتي تدفع الرأسمالية المصرية بميولها الليبرالية الجديدة إلى التحلُّل من تلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أو الالتفاف عليها، لذا فإنها تتطلب نضالا شاملا حتى تشق طريقها إلى أرض الواقع. ولكن هذا النضال قد يشكل أيضا مقدّمة ومدخلا للثورة الاجتماعية.
إقتصاد السوق الإسلامي
وسوف تلعب الأحزاب الدينية، باعتبارها الأحزاب الحاكمة المقبلة، دورا رئيسيّا في الصراع الاجتماعي حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يستلزم تركيز هذه الورقة على دراسة برامج هذه الأحزاب من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وبطبيعة الحال لا ينبغي أن نقتصر على أية اعترافات لفظية ببعض أو حتى كل تلك الحقوق، ولكن لا بد أن نختبر مدى جديتها ومصداقيتها من خلال المعالجات التفصيلية، فالشيطان يكمن في التفاصيل، كما يقال هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى ينبغي ربط تلك المعالجات بسياساتهم الاقتصادية العامة، ومدى حظها من النجاح في علاج أزمة الاقتصاد المصري المزمنة، والتي تقف أصلا وراء تدهور تلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مثلما تكمن وراء تفجر الثورة. وفي النهاية فإن الممارسات العملية بعد استلام الحكم تشكل المحك العملي لمصداقية تلك الأحزاب. بعبارة أخرى، إننا إزاء الإشكالية التالية: كيف يمكن لتلك الأحزاب أن تلبي المطالب الاجتماعية للأغلبية الساحقة الكادحة من المصريين، في ظل تبنيها جميعا لسياسة الحرية الاقتصادية أو ما يسمى اقتصاد السوق التي سار عليها نظام مبارك والحزب الوطني الديمقراطي طيلة العقود الماضية، ولكن بعد أسلمته أو إضفاء طابع إسلامي عليه، فيما يسمى اقتصاد السوق الإسلامي؟ وهي عموما نفس الإشكالية التي تواجه الأحزاب الليبرالية أيضا والتي تتبنى نفس السياسة الليبرالية الجديدة. فالوهم المشترك يتمثل في أن اقتصاد السوق أو السياسة الاقتصادية الليبرالية الجديدة، يمكن أن تتكلل النجاح إذا ما جرى تخليصقه من الفساد وأسلمته.
وسوف نتعرض، فيما يلي إلى برنامج حزب الحرية والعدالة.
الحد الأقصى والحد الأدنى للأجور
ينص برنامج الحزب في الباب الخامس الخاص بالقضايا الاجتماعية على «ضمان حد أدنى، من الأجور يضمن الحياة الكريمة للمواطن المصري، بحيث ترتبط الزيادة في الأجر بمعدلات التضخم». وهكذا لا يقر فقط بوضع حد أدنى، للأجور وإنما أيضا تحريكه بشكل يتواكب مع التضخم. ويدعو الحزب أيضا إلى «وضع حدود قصوى لرواتب العاملين في الإدارات العليا بالمؤسسات والشركات». فمن الواضح أن الحزب لم يكن من الممكن أن يتجاهل الحركة الشعبية القوية المطالبة بحد أدنى وأقصى للأجور، وإن تكن سياساته الأخرى خاصة التنموية منها خاصة قد تجعل هذا التوجه غير مضمون النتائج.
في قضية البطالة، لا يقدم الحزب جديدا عن سياسة الحزب الوطني [حزب مبارك]. فهو يرى حل مشكلة البطالة في «التسويق الخارجي، ولاسيما في الدول العربية للعمالة المصرية، مع الحفاظ على حقوقها عن طريق عقد اتفاقيات ثنائية لاستقدام العمالة ومنحها وضعا تفضيليّا». ربما يكون الجديد هو تلك الاتفاقيات الثنائية، التي قد لا ينجح فيها، فالعمالة المصرية في الخارج تمثِّل أصلا أحد مظاهر ضعف مكانة مصر في البلدان العربية، التي لن يحلها هيمنة التيار الديني على الحكم، وتقرُّبه بالتالي من الدول البترولية الخليجية التي تشجع حكم الأحزاب الدينية في مصر. أما في الداخل فلا يقدم الحزب سوى ما كان يردده نظام مبارك والبنك والصندوق الدوليين، مثل «تشجيع المنشآت كثيفة العمالة من خلال حوافز التمويل ووضع برامج لدعم تلك المنشآت». وكذلك الحل الأكثر شهرة المتمثل في الصناعات الصغيرة والمتوسطة، لكن مع أسلمتها حيث نقرأ «تسهيل الائتمان للصناعات الصغيرة والمتوسطة لأنها تؤدي دورين مهمين: توفير فرص العمل وتخفيف حدة الفقر»، ويأتي ذلك مقرونا بالتأكيد على أهمية استخدام صيغ التمويل الإسلامي لتمويل هذه المشروعات». حقيقة الأمر أن المشكلة لم تكن في غياب الطابع الإسلامي عن استراتيجية الصناعات الصغيرة والمتوسطة، حتى يمكن أن تقدِّم الأسلمة حلا. فمشكلة تلك الاستراتيجية أن الصناعات المتوسطة والصغيرة (وكذلك متناهية الصغر) لا يمكن أن تنجح إلا كجزء من استراتيجية أشمل لتطوير الصناعات الكبيرة في سياق تطوير الهيكل الصناعي بأسره، وتوطين التكنولوجيا في مصر، إلخ.
الزكاة والوقف والصدقات حَلا للبطالة والفقر
في مواجهة قضية الفقر التي وردت تحت عنوان «العدالة الاجتماعية» يشدِّد الحزب على أهمية توظيف التمويل المجتمعي من زكاة ووقف وصدقات وغيرها في معالجة الفقر، وتوفير التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة للفقراء من هذه الأموال لانتزاعهم من دائرة الفقر. ويقترح الحزب أن تضاف إلى مخصّصات الفقر بالموازنة، نسبة 20٪ مئوية من الإدارات البترولية تحت بند «زكاة الركاز» للعمل على تحسين أوضاعهم المعيشية». ونحن لسنا إلا إزاء إحياء مسميات من الموارد مستقاة من التراث (سوف تخصم بالضرورة من الضرائب) وهي بالتالي لا تضيف شيئا من الموارد في حقيقة الأمر، وإن كان ثمة ادعاء بأن طابعها الديني لن يدفع المموِّل إلى التهرب منها على خلاف الضريبة التي تنتشر فيها ظاهرة التهرُّب. أي أنها ستكون بمثابة وسيلة لمكافحة التهرُّب تحت مسمّى «الزكاة».
وفي هذا السياق يقترح الحزب إحياء نظام الوقف ويدعو إلى «تعديل قانون الوقف الحالي لكي يعمل على تشجيع الأثرياء لإنشاء أوقاف جديدة... وإطلاق مبادرات جديدة للنفع العام»، أي أن مسألة الفقر وضعت على محور العمل الخيري وليس النهوض بالاقتصاد، وبالمناسبة يقدِّم الحزب مسألة الوقف كعنصر في تمويل التعليم والصحة، بعبارة أخرى، يقدِّم هذه الأشكال التراثية باعتبارها الدواء الشافي لكل مشاكل مصر الاقتصادية.
وفي مواجهة الغلاء يتحدث الحزب عن «تفعيل قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية». أي أننا إزاء تبنٍّ لسياسة الحزب الوطني التي أصدرت قانون الذي يريد حزب العدالة تفعيله، وهو قانون يحمي الاحتكار في الحقيقة ولا يكافحه. ومن المعروف أن هذا القانون لا يجرِّم إطلاقا رفع الأسعار (طالما أنها لا تتم من خلال اتفاقات احتكارية)، وهو يجرِّم خفض الأسعار، أو ما يسمى «الأسعار الافتراسية»، لأنها تؤدي إلى تدمير المنافس الذي لا يقوى على القيام بخفض أسعار سلعه. وعلى الرغم من ذلك يقدم الحزب تعديلا صغيرا، يتمثل في ضبط مؤقت أو استثنائي للأسعار، حيث يقول «التزام الدولة بوضع تسعيرة للسلع والمنتجات الأساسية عند الضرورة ولفترات زمنية محدّدة». فمن الواضع أن الحزب ينطلق من حرية حركة الأسعار وأن «وضع تسعيرة للسلع» يكون فقط عند الضرورة وبصورة موقتة.
يتحفظ الحزب على شعار الحرية النقابية. لذلك يورد في برنامجه الانتخابي مطلبا لتعديل القانون الخاص بالنقابات العمالية (القانون 35 لسنة 1976 والقانون 12 لسنة 1995) بما يزيد من مساحة الحريات النقابية ويحول دون تفتيت التنظيم النقابي. ويؤدي ذلك بالضرورة إلى إعادة إنتاج معدلة لسياسة الحزب الوطني المعادية للحرية النقابية، مع تعديل صغير يوسّع هامش الحريات النقابية، ومن الواضع أن هذا التنازل يستهدف الالتفاف على الحركات العمالية التي بدون حرية نقابية كاملة ستكون مجردة من أهم أسلحة النضال من أجل حقوقها الاقتصادية والاجتماعية من تحسينات في الأجور وشروط العمل، إلخ.
لا يقدّم الحزب جديدا في مجال الحق في التعليم، سوى الدعوة إلى توسيع التعليم نوعا وكيفا (هكذا وردت) وجغرافيّا، وزيادة اعتمادات التعليم، ويقدم إضافته الإسلامية من خلال مشاركة المجتمع ومن خلال إحياء نظام الوقف لسدّ فجوة التمويل. ويقر حزب الحرية والعدالة سياسة الحزب الوطني في إنشاء الجامعات الخاصة، حيث ورد في البرنامج الانتخابي «التوسع الأفقي في إنشاء الجامعات الحكومية والأهلية لتصبح النسبة جامعة لكل 2 ــ 3 مليون مواطن». ولا يوضّح الحزب موقفه بشكل واضح من إتاحة التعليم المجاني في جميع المراحل حتى المرحلة الجامعية، خاصة أن البنك الدولي يطرح مشروعا لقَصْر مجانية التعليم على مرحلة التعليم الأساسي قبل الجامعية. وتمثِّل الجامعاتُ الأهلية خطوةً على طريق الخصخصة الكاملة للتعليم الجامعي.
إعادة النظر في سياسة الدعم
وكذلك الحال في الصحة حيث يدعو البرنامج إلى توفير الرعاية الصحية لكافة المواطنين بغض النظر عن قدراتهم المالية أو محل إقامتهم بما يضمن حرية المواطن في اختيار مكان تلقي الخدمة العلاجية، و«زيادة المخصصات المالية لقطاع الصحة بشكل تدريجي لتصل إلى المعدلات العالمية». ويدعو أيضا إلى «مدّ مظلة التأمين الصحي لتغطي كافة طبقات الشعب، وفيها يدفع الفرد ما يستطيع ويحصل على ما يحتاج». وهذه الصياغات مجرّدة وعامة ويكتنفها بعض الغموض، حيث لم يحدِّد الحزب موقفه صراحة من الجدل الدائر حول مشروع القانون الجديد للتأمين الصحي المقدَّم من الحزب الوطني وحاتم الجبلي [وزير الصحة المصري 2005 ــ 2011]، والذي لا تزال تقدم صياغات معدلة منه، وأكتفي البرنامج الانتخابي بتبنّي «التقدم بمشروع قانون للتأمين الصحي بما يمنع خصخصة التأمين الصحي». ولكن ذلك لا يكفي إطلاقا، حيث أنه قد تبلور في مواجهة مشروع حكومات الحزب الوطني، مشروعٌ متكاملٌ للتأمين الصحي الاجتماعي المعمول به في أوروبا الغربية وكندا وبعض بلدان العالم الثالث مثل الهند (وهو نظام مناقض للتأمين الصحي التجاري المعمول به في الولايات المتحدة والذي يستوحي منه مشروع القانون الجديد المقدم من حاتم الجبلي). ونظام التأمين الصحي الاجتماعي الشامل الذي يجب أن يغطّي كل المجتمع يتميز بميزات ثلاث: حزمة علامة واحدة لكل المؤمّن عليهم، وأن تكون مؤسسات تقديم الخدمة هي مؤسسات لا تستهدف الربح، وأن لا يدفع المشتركون سوى الاشتراكات المقررة في القانون، ولا يضطرون لدفع أية مدفوعات إضافية مقابل تلقي علاجات معينة.
في مجال الإسكان، يدعو الحزب إلى إعادة توزيع التنمية والسكان على معظم المسطح القومي، ولكنه بدلا من أن يعيد للدولة دورها في توفير الإسكان الشعبي بأسعار رخيصة يرى «إعادة النظر في سياسات الدعم للتحول من دعم السلعة والمنتج الإسكاني ــ والذي غالبا لا يصل لمستحقيّه ــ إلى الدعم المباشر للمواطن لتمويل مسكنه. وهذا يفتح المجال واسعا لعمل قطاع المقاولات الخاص، الذي سيعاظم أرباحه على حساب السكان. ويتجاهل البرنامجُ التحولَ الاستراتيجي الذي جرى في ظل حكومة [أحمد] نظيف، والمتمثل في تخلي الدولة عن بناء الإسكان الشعبي في إطار ما يسمى مشروع مبارك القومي للإسكان، وإيكاله إلى القطاع الخاص، الذي عاظم التكلفة أضعافا مضاعفة، بحيث تجاوزت إمكانيات منخفضي الدخل المستهدفين، وذهبت إلى القادرين على الدفع، وليس إلى ذوي الحاجة للسكن.
ومن الملفت للنظر أن حزب الحرية والعدالة يسعى للتخلص من الدعم السلعي، ويضعه بين مصادر زيادة إيرادات الموازنة العامة، فقد ورد بالنص «إعادة النظر في سياسات الدعم السلعي، للتحول من دعم السلعة، والذي غالبا لا يصل إلى مستحقيه، إلى «دعم مباشر للمواطن». أي أننا إزاء إعادة إنتاج محاولات الحزب الوطني لإحلال الدعم النقدي محل الدعم العيني.
ومن الملفت للنظر أيضا أن فرض ضريبة تصاعدية ليست مطروحة كمصدر لزيادة إيرادات الدولة، ولكنها وردت فقط في البند المتعلق بمكافحة الفقر في البرنامج الانتخابي، وفي سياق الحديث عن رفع حد الإعفاء فقط، لكن دون اقتراح شرائح جديدة بخلاف ما هو موجود في القانون الذي ينتهي عند شريحة 20٪ للأشخاص الذين يبلغ دخلهم آلاف جنيه فأكثر (والذي قد يصل إلى عشرات الملايين، فقد أضاف سمير رضوان [وزير المالية في الوزارة الأولى بعد الثورة برئاسة عصام شرف] شريحة 25٪ على 10 مليون فأكثر). فمن الواضح أن حزب الحرية والعدالة لا يتبنى سياسة الضرائب التصاعدية، إلا في شكلها الهزيل الموجود في قانون بطرس غالي [وزير مالية أسبق]. وعلى خلاف البرنامج الانتخابي، يلاحظ أن برنامج الحزب يخلو تماما من الحديث عن الضرائب التصاعدية.
الدولة في خدمة القطاع الخاص
وبصورة عامة يدعو الحزب إلى زيادة المخصّصات المقدمة لمختلف نواحي الإنفاق الاجتماعي: الصحة والتعليم، والبحث العلمي، وزيادة الأجور والمعاشات، ناهيك عن الإنفاق الاستثماري على المشاريع القومية الكبرى (يحددها البرنامج بالاسم: مشروع تنمية سيناء، ومنطقة قناة السويس، والساحل الشمالي، ومنخفض القطارة، وتنمية الصعيد وجنوب أسوان) ولكن الزيادات المقترحة في الإنفاق لن تجري مرة واحدة وللأبد، وإنما تحتاج لزيادات جديدة كل سنة، وهذا يتطلب نموا سنويّا متصاعدا لموارد الدولة السيادية، وهو ما لن يتأتى إلا من خلال اتساع الوعاء الضريبي، أي من خلال تنمية الاقتصاد، وإلّا فكيف ستتحقق هذه التنمية؟
يتبنى الحزب ذات السياسة الليبرالية الجديدة للحزب الوطني، حيث يرد في برنامجه أنه يرى «أن يقوم الاقتصاد المصري على مبدأ الحرية الاقتصادية في ظل دولة قوية وأطر مؤسسية ضامنة لتحقيق الرخاء والعدالة». ويضيف «فالحرية الاقتصادية هي الضامن للإبداع والتطوير والتنمية الاقتصادية مع قيام الدولة بدورها الرقابي القوي في حماية المنافسة ومنع الاحتكار في السوق»، ويشير أيضا إلى أن للدولة «دورها في حماية الفئات الفقيرة»، كذلك يؤكد على أن للدولة «دور آخر في تنمية الهياكل الأساسية والمرافق العامة والمشروعات الاستراتيجية خاصة، التي يحجم القطاع الخاص عن الدخول فيها، إما لكبر حجم التمويل المطلوب أو لارتفاع درجة مخاطرها أو لتدني العائد المتوقع منها أو لعدم تحقيق عائد إلا بعد آجال طولة نسبيّا»، ولكن هذا الدور التنموي للدولة قد يكون مجرد أمنيات طيبة في ظل تبني نفس السياسة المالية الانكماشية من الناحية الجوهرية، واعتماد السياسة النقدية نفسها القائمة على حرية تداول وحيازة النقد الأجنبي (وهي المسؤولة عن تحويلات عشرات المليارات من الدولارات إلى الخارج قبل الثورة وعن استنزاف احتياطي النقد الأجنبي بعد الثورة بسبب حرية حركة الأموال الساخنة في البورصة)، وكذلك تبني سياسة حرية التجارية التي أزالت الحماية الجمركية عن الصناعة المصرية، وتبني نفس السياسة في افتح أبواب الاقتصاد المصري على مصراعية لرأس المال الأجنبي المباشر أو في المحفظة في سوق الأوراق المالية، وذلك عدا تعديلات هامشية لا تمس بالجوهر. وبالطبع هناك اختلافات جزيئة لا يتسع المجال للتعرض لها هنا، باعتباره خارج موضوعنا. ولكن كل ما نود قوله أنه في ظل تلك السياسة الاقتصادية الليبرالية الجديدة، فليس من المتوقع أن تحقق التنمية الاقتصادية النجاح، وبالتالي ضعف الوعاء الضريبي وضعف الإيرادات السيادية، ومن ثم افتقاد القوة الدافعة نحو المزيد من تلبية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.