كريستوفر هِلّ، العالم رأسا على عقب. الافكار الراديكالية خلال الثورة الانكليزية، منشورات بنغوين، لندن، ١٩٧٥.
Christopher Hill, The World Turned Upside Down. Radical Ideas During the English Revolution. Penguin Books, London, 1975
يتناول هذا الكتاب الافكار الجذرية التي واكبت ثورة العام ١٦٤٠ الانكليزية، اول ثورة ديمقراطية في التاريخ. شهدت تلك الثورة، التي استغرقت عقدين من الزمن اندلاع حرب اهلية دموية، إعدام الملك تشارلز واعلان الجمهورية للمرة الاولى والاخيرة (الى الآ ن) في تاريخ بريطانيا. أطلقت القوى الاجتماعية في تلك الفترة ثورتين: واحدة كرّست حقوق المُلكية وسلّمت السلطة لاصحاب المال والثروات، في مقابل نبالة الارض، وأزالت العقبات امام انتصار الايديولوجيا البروتسطانتية. انهزمت الثورة الثانية لكنها ظلت ترود كالشبح في دعوتها الى الملكية الجماعية للارض والثروات والموارد الطبيعية والى ديمقراطية اوسع للمؤسسات السياسية والقانونية، من خلال المطالبة بحق الاقتراع العام للذكور، ورفض الاخلاقيات البروتسطانتية واستبدالها برؤية خلاصية مساواتية للمسيحية.
ينتمي كريستوفر هلّ الى مجموعة المؤرخين الماركسيين الذين برزوا في كبريات الجامعات البريطانية. ينتمون الى جيل العشرينيات والثلاثينيات ممن تأثر بالثورة البلشفية كما بصعود النازية لاحقا وانضموا جميعا الى الحزب الشيوعي البريطاني ليتركوه بفترات متفاوتة. وهم اريك هوبزباوم (راجع عنه العدد الاول من «بدايات» والعدد الحالي)، وموريس دوب (١٩٠٠ــ١٩٧٦) مدرّس الاقتصاد السياسي وتاريخ الرأسمالية بجامعة كمبردج، وابرز مؤلفاته «الانتقال من الاقطاع الى الرأسمالية»، وفي جامعة كمبردج نلقى ايضا إي. بي. طمسون (١٩٢٤ ــ١٩٩٣)، مورخ الطبقة العاملة الانكليزية وصاحب المؤلف الشهير «تكوين الطبقة العاملة الانكليزية». من جهته، درّس كريستوفر هِلّ (١٩١٢ ــ ٢٠٠٣) التاريخ في كليات جامعة اوكسفورد. وقد تركزّت مؤلفاته على الثورة الانكليزية١٦٦٠ــ١٦٤٠ ومصادرها الفكرية والدينية، وله سيرة بطل تلك الثورة وحافر قبرها، اوليفر كرومويل.
البرلمان والملك
كانت ثورة ١٦٤٠ نزاعا على السلطة السياسية والدينية خاضته الطبقة الوسطى التي نمت من حيث الثروة والقوة مع نمو الرأسمالية التجارية الانكليزية وانتقالها من تصدير المواد الاولية الى انتاج المنتجات المصنّعة. فوجدت نفسها في مواجهة مع الملك شارلز الذي يمثل النبالة المالكة الارض بالدرجة الاولى. وكانت الفكرة الطاغية على الثورة هي بناء دولة التجار مثلما كان للتجار دول في هولندا والبندقية يحكمها التجار انفسهم. وكانت الارض جاذبا لرأس المال، اي انها صارت سلعة، فانتقل رأس المال من مراكزه المدينية الى الارياف. فولد المزارع الرأسمالي.
حول المال، نشب النزاع بين الملك والبرلمان. كان العرش يطمح الى اقتطاع اكبر قدر من الريوع من ثروات التجار فقرر رفع الضرائب، وأنشأ الاحتكارات لانتاج الفحم والصابون للسيطرة على الصناعات، الخ. وكانت الكنيسة تدافع عن الوضع القائم فكان على الذين يريدون اسقاط الدولة الاقطاعية ان يهاجموا الكنيسة ايضا ويحاولوا الاستيلاء على السلطة فيها. لذا عبّرت النظريات السياسية عن نفسها باللغة الدينية وعن طريق النزاعات الفقهية والمذهبية.
انفجر النزاع في تشرين الثاني ١٦٤٠ عندما رفض البرلمان نفسه فرض قوانين جديدة، واعلن نفسه سيّد نفسه، ناقضا حق الملك في حلّه، مقررا انه لا يحلّ الا بموافقة اعضائه. سمّي ذاك البرلمان «البرلمان الطويل» لأنه استمر طوال فترة الثورة. افضى النزاع الى حرب اهلية خاضها جيشان: جيش الملك المسمّى «الخيالة»، المسيطر على جنوب الجزيرة والغرب، وجيش «البرلمان الطويل»، المكنّى «مدوّرو الرؤوس»، بسب شكل خوذ جنوده، المسيطر في الشرق والشمال. وتمّيز أوليفر كرومويل بما هو ابرز قادة جيش البرلمان ومؤسس «الجيش النموذجي الجديد» قوامه فلاحون وحرفيون ينظر اليه ضباطه الراديكاليون على انه تنظيم «لتعليم الفلاحين فهم الحرية». وقد فرض جنود «الجيش النموذجي الجديد» ان تكون ادارة شؤونه بيد «مجلس عسكري» ــ لا تزيد دورته على ستة أشهر ــ يضم ممثلين منتخبين عن الجنود يشاركون الضباط السلطة والقرار والسياسات.
انتصر البرلمانيون في ايلول ١٦49. وإستسلم شارلز فاعتقل. في ايار فرّ الملك من سجنه فاعاد تحشيد الجيش وراء الراديكاليين وكرومويل. اعتقل الملك الفار وأعدم بعد محاكمة متسرعة في ٣٠ كانون الثاني ١٦٤٩. واعلنت الحقبة الجمهورية القصيرة في حياة بريطانيا التي لن تتعدى عقدا من الزمن. على مرحلتين الاولى سميت «الكومنولث» (١٦٤٩-٥٣) والثانية «الحماية» التي انفرد خلالها كرومويل بالحكم (1653-1659) بما يشبه الى حد بعيد صعود نابليون خلال الثورة الفرنسية وتأسيسه الحكم الامبراطوري.
الانشقاق داخل الكنيسة
ظغى على الحياة الفكرية في انكلترا القرن السابع عشر تياران. كان طوماس هوبز، صاحب المذهب المادي، يدافع عن الملكية، في حين لجأت قوى التغيير الى الدين، والمذاهب البروتسطانتية والنزعات الهرطوقية والخلاصية، في نضالها ضد سلالة آل ستيورت. يذكّي هذا الانشقاق اطروحة كريستوفر هِلّ عن الطابع المزدوج لدور الدين، مستوحيا ماركس وأنغلز، اي دوره في تسويغ وشرعنة النظام القائم والعلاقات الاجتماعية المهيمنة وفي المقابل دوره النقدي والاحتجاجي والثوري ضد النظام القائم وعلاقاته الاجتماعية المهيمنة. هكذا كانت الثورة منبتاً لمروحة مثيرة من الشيع والمذاهب الدينية.
المشيخيون Presbyterians من ابرز المذاهب البروتسطانتية من التابعية الكالفينية الطهرانية. وهم شيعة ترفض التراتبية الكنسية وخصوصا السلطات الفردية التي يتمتع بها المطارنة على رعيتهم. وتدعو الى استبدال المطارنة بمجالس منتخبة من الحكماء (الشيوخ). وكان الحرم قد فرض على المشيخيين قبل الثورة فاعيد لهم الاعتبار خلال الثورة وانتشرت شيعتهم بنوع خاص بين الضباط في جيش الثوار.
حمل اللولارد Lollards نزعة مادية تشكيكية تدعو الى الاستغناء عن الطقوس الدينية وعن المعمودية وعن واجب الاعتراف، بل قالوا بالاستغناء عن رجال الدين بالجملة، كونهم معادين للشعب ومستغلّين له. ولسان حالهم: «اذا كان يوضاس باع المسيح من أجل ٣٠ ذهبية فإن رجال الدين يبيعون الجماهير لقاء فلس واحد» (ص ٣٠).
«العالم رأسًا على عقب»
غلاف الطبعة الأولى
المعمدانيون Anabaptists ينحدرون من انشقاق طوماس منذر عن مؤسس البروتسطانتية مارتن لوثر في القرن السادس عشر. قاد منذر هذا ثورة الفلاحين الالمان (١٥٢٤-١٥٢٥) يحركه هدف بناء ملكوت السماء على الارض. فعارض لوثر الثورة وانحاز الى الامراء ضد الفلاحين وبرّر تصفية الثوار دمويا. وابرز مميزات الدعوة المعمدانية رفض عمادة الاطفال ودعوتهم الى الانضمام الطوعي الى الكنيسة عند البلوغ، على اعتبار ان لا وراثة ولا اكراه في الدين. عارضوا ايضا دفع الاعشار لاعالة اكليروس الكنيسة الرسمية. وبشّروا بنزعة مساواتية ــ بما فيها «المساواة بين العبد والسيد » ــ ورفضوا الملكية الفردية (ص ٣٥). وقد تعزز التيار المعمداني بسبب انتفاضة ثانية للمعموديين مسرحها مدينة مونستر (١٥٣٢-١٥٣٥) في مقاطعة وستفاليا الالمانية التي إستولى عليها حرفيوها وعمّدوها «اروشليم الجديدة». ومن ابرز قادة تلك الثورة الخياط جون اوف لايدن، وتلميذه الخبّاز ماتيس. وقد أعلن الاول نفسه ملكا وطرد مطران المدينة وقساوستها ودعا الى اعادة تعميد البالغين، وشرّع تعدد الزوجات، وإتخذ هو لنفسه ١٦ زوجة، وطبّق الملكية الجماعية للارض والممتلكات. وجدير بالذكر ان شيعة «المورمون» في الولايات المتحدة من الشيع المنحدرة من المعمدانيين، وهي لا تزال تمارس تعدد الزوجات.
العوائليون Familists يقولون بأن الجنة والنار كلتيهما في هذا العالم: «تكون الجنّة عندما الناس تضحك وتمرح، وتكون جهنم عندما الناس تحزن وتأسى وتتألم». دعوا الى الملكية الجماعية للارض والثروة والموارد الطبيعية. وآمنوا بقدرة البشر على ان يستعيدوا على هذه الارض البراءة التي كانت لهم قبل «الخطيئة الاصلية». وكانوا يمارسون التقيّة. (ص ٢٧)
هرقطات الطبقات الدنيا
ويشخّص كريستوفر هِلّ بدقة الخلفية الاجتماعية للافكار الاجتماعية والسياسية والدينية للفرق الثائرة على النحو الآتي:
«هي العزلة والحرية سمحتا للافكار الراديكالية بأن تنمو وتنتشر بين بعض الجماعات في الاحراج والمراعي؛ كذلك نمت الرأسمالية المبكرة ومجتمعها المتنقّل، يخدمها تجار متجولون، وحرفيون، وباعة وجموع من الرجال الاحرار [ممن تحرر من ربقة الارض]؛ والمتشردون، وفقراء المدن، الذين انفكّوا عن عضوية الاصناف الحِرفية، في المجتمع الريفي المتراتب. وقد زاد الاضطراب الكبير الذي أحدثته الحرب الاهلية في الحراك الجغرافي والاجتماعي على نحو مفاجئ ولافت. ويمكن النظر الى «الجيش النوذجي الجديد» على انه جسمٌ متحرّك من رجال بلا أسياد... ربط بين مجموعات راديكالية غامضة كانت لا تزال مشتّتة وموزعة على انحاء المملكة الاربعة وبثّ فيها ثقة جديدة بالنفس...» (ص ٥٨).
وابرز تلك المجموعات الراديكالية:
التسويديون Levellers هم الشيعة الاوسع نفوذا وانتشارا التي لعبت دورا مهما في الثورة.
سمّوا تسويديين لأنهم «ساووا بين جميع البشر من اعلاهم الى اسفلهم». وتكمن نزعتهم الديمقراطية الجذرية في انهم دعوا الى منح «أفقر سكان انكلترا الحق في انتخاب حكومتهم» (ص ٣٨) في فلسفتهم الاقصادية والاجتماعية، رفضوا قبول ما ورد في الاناجيل من تمييز بين سادة وعبيد واعتبروا المرابين هراطقة والربى معادلا للكفر. وأدانوا التمييز الطبقي باسم الدين، فلا الطبيعة ولا الكتاب المقدس يمكنهما قبول أن يحصل رجل على ألف جنيه بالسنة وأخوه على جنيه واحد. وشدد احد دعاتهم راينبورو على المساواة الاجتماعية: «على الافقر الذي في انكلترا ان يعيش حياته مثلما يعيشها الاغنى». واعلن آخر هو إرطون، وقد كان صهر كرومويل، انه «لا يمكن تحقيق الحرية بالمعنى العام مع بقاء مؤسسة الملكية الفردية». وبناء على مبدإهم المسمّى «الحرية المسيحية»، قالوا بأنه «يجب اجبار أبناء الذوات على العمل لكسب معيشتهم، وإلا وجب حرمانهم من الطعام» (ص ٣٦-٧).
ومن مطالبهم الاقتصادية والسياسية المباشرة: اطلاق حرية تجارية كاملة للمنتجين الصغار، وتحرير الشركات التجارية الكبرى من سيطرة الاحتكارات الفاسدة التي كان البرلمان قد ألغاها اصلا، واعلان الجمهورية والتمديد للبرلمان واعتماد الاقتراع العام للذكور.
وعرِف التسويديون ايضا وخصوصا بعدائهم للاكليروس. كانوا يريدون نزع صفة المؤسسة عن الكنيسة والغاء الضرائب الكنسية. يقول داعيتهم جون سالتمارش: «الناس كلهم أخوة وقديسون في كنيسة السيد المسيح... اما في كنيسة الدولة فالناس أصحاب رعية او خدم.» آمنوا بحق كل مواطن في ان يكون قسّاً وبحق كل مؤمن في ان يناقش موعظة رجل الدين (ص ١٠3-4) وفي عريضة وقعوها على نطاق جماهيري واسع، في آذار ١٦٤٧، طالبوا بالغاء ضريبة الأعشار، وبانتخاب رجال الدين من قبل رعيتهمم. وركّز إربري، ابرز مفكريهم، على الاستغلال المادي الذي يمارسه القساوسة على الناس المنتجين فقال: «ان مبشرّينا بالانجيل يأخذون الخِمس او حتى الربع من غلّة أراضي الناس وجنى كدحهم... فكم من بشر أفقِروا لاثراء بعض القساوسة» (ص ١٠٣)
وكان التسويديون دعاة عنف بما هو الوسيلة التي تستعاد بها السلطة للشعب، لكنهم إشترطوا ان يكون استخدام القوة العسكرية محصورا بـ«الجيش النموذجي الجديد» بقيادة كرومويل والذي يسيطر عليه «المحرضون».
«المحرّضون» Agitators هم المندوبون المنتخبون من الجنود في «الجيش النموذجي الجديد» وثيقو الصلة بالتسويديين. وقد سيطر الجنود عمليا على الجيش وعلى ضباطه في المرحلة الاولى من الثورة. وكان المحرّضون ينظمون مهرجانات وندوات وجمعيات جماهيرية تدعو الى تحديد سقف ملكية الارض وتحرّض ضد النبلاء والاكليروس والعرش. وقد زحفوا بقيادة قائد «الجيش النموذجي الجديد» فايرفاكس ونائبه كرومويل على لندن بالتنسيق مع التسويديين، واخذ حرفيو لندن ينتخبون التحريضيين نوابا عنهم. يقول عنهم المؤرخ بريلزفورد:
«لم يشهد الجيش الانكليزي ولا اي جيش اوروبي آخر مثل هذا الانفجار للديمقراطية في اوساطه قبل ذلك العام ١٦٤٧ ولن يشهد شبها لهذا الانفجار من بعد، الى ان انعقدت اجتماعات «مجالس العمال والجنود» [السوفياتات] في روسيا في العام ١٩١٧» (ص ٦٣).
«التسويديون الحقيقيون»، ويسمّون ايضا «الحفّارون» Diggers وهم حركة لمصادرة الاراضي المشاع وفلاحتها من قبل العمال والفلاحين المحرومين من الارض (ص١١٠ ــ١١١) ابرز منظريهم جيرارد وينستانتلي الذي يقدّم هذا التعريف للحرية العام ١٦٤٩:
«ان الحرية هي الرجل الذي يقلب العالم رأساً على عقب، فلا عجب ان يكون له اعداء... والحرية الحقيقية تكمن في جماعية الروح وجماعية الثروات الارضية، وهذا الرجل هو المسيح، الرجل ــ الطفل الحقيقي، المنتشِر بعد عملية الخلق، يعيد كل الاشياء الى نفسه».
يربط وينستانتلي بين فكرة الحرية والمساواة وبين الحق في الارض: «ان أفقر البشر يملك حقا حقيقيا وشرعيا في الارض يساوي الحق فيها الذي يملكه اغنى البشر». وعزا الحفّارون الفقر الى الحرمان من الارض، يقول وينستانتلي «هذه هي عبودية الارض التي يشتكي منها الفقير لأن فقره مقيم بسبب شقائه في ارض يتوافر منها ما يكفي الجميع». ويعبّر فكر الحفارين عن الحنين الى الجماعة القروية المشاعية المساواتية، التي قوّضها النمو الرأسمالي في الريف. وعرف عنهم ايضا ايمانهم بالمساواة الكاملة بين الرجال والنساء في القانون والتعليم.
عودة الملكية و«الثورة المجيدة»
خلال فترة حكمه، حل كرومويل «البرلمان الطويل» وشن حربا على هولندا، ابرز قوة في التجارة العالمية حينها، دفاعا عن المصالح التجارية البريطانية. وكان التجار واغنياء المزارعين، الطبقة التي ينتمي اليها كرومويل، يريدون الغاء الاحتكارات والامتيازات الاقتصادية والسياسية الاقطاعية لصالحهم لكنهم لم يكونوا يريدون ضرب الملكية الاقطاعية للارض. هنا وقعت القطيعة بين البرجوازية واغنياء المزارعين من جهة والقوى الشعبية من جهة اخرى التي تلتقي جميعها على مطلب ضرب الملكية الاقطاعية. فتحالف كرومويل مع الضباط المشيخيين، للتخلص من ابرز ممثلي القوى تلك الجذرية، «الحفارين»، بارسالهم للقتال في ارلندا حيث تدور رحى ثورة ضد السيطرة الانكليزية منذ العام ١٦٤١. لكن الامر لم يكن بتلك البساطة. اقتضى الامر حربين اهليتين لكي يستعيد العقداء السيطرة على الجيش وتحييده سياسيا، بعد تبني بعض مطالب الجنود والقوى الراديكالية ــ اعلان الجمهورية والغاء مجلس اللوردات ــ ولكن بعد افراغ الجمهورية من مضمونها الديمقراطي.
توفي كرومويل في العام ١٦٥٨ بعد اجهازه على القوى الشعبية الراديكالية. فخلفه ابنه ريتشادر الاقل شرعية وكفاءة من ابيه. فلم يحكم اكثر من سنة. اطاحه انقلاب نظمه كبار الضباط المشيخيين الذين ما لبثوا ان نصبوا شارلز الثاني ملكا في ايار ١٦٦٠.
في الخلاصة، نجحت ثورة ١٦٤٠ في تقييد سلطات الملك المطلقة بنزع حقه في فرض الضرائب دون مصادقة البرلمان، وكرّست النفوذ المتزايد للتجار وأغنياء الريف على الاقتصاد والسلطة ووجهت ضربة قوية لاحتكار الكنيسة الانغليكانية (الكاثولكية) للعبادة المسيحية لصالح المذاهب البروتسطانتية.
غير أن هذه التسوية، التي تمّت على حساب السواد الاعظم من البريطانيين، لم تنهِ الصراعات على السلطة والهوية الدينية في انكلترا. ما لبث خليفة شارلز الثاني، جايمس الثاني ان قاد ردّة دينية وسياسية تمثلت في اعادة فرض المذهب الكاثوليكي بالتحالف الوثيق مع فرنسا. فتوجهت اكثرية البرلمان الى وليام أوف اورنج، ملك هولندا، لمنع اعادة الكاثوليكية ديناً رسمياً للدولة. وفي العام ١٦٨٨ هزمت البحرية الهولندية البحرية البريطانية واحتلت جيوش وليام الجزيرة وجرى تنصيبه ملكا على انكلترا باسم وليام الثالث وزوجته ملكة بإسم ماري الثانية الانكليزية. واتخذ البرلمان قرارات حاسمة جديدة كرّست تقييد السلطات المطلقة للملك، وحرّمت ان يكون الملك كاثوليكا او ان يتزوج من كاثوليكية.
وجرى تعميد ثورة العام ١٦٨٨ على انها «الثورة المجيدة» تأكيدا على المقارنة بين طابعها السلمي والطابع الدموي المنسوب الى ثورة ١٦٤٠.
علماً ان العام ١٦٨٨ لم يبنِ مجده الا على دماء ١٦٤٠!
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.