العدد ٣١ - ٢٠٢١

اقتراح متواضع لمنع أطفال الفقراء في أيرلندا من أن يشكّلوا عبئًا على أهلهم أو على البلد، وليكونوا ذوي فائدة للعموم

ولد جوناثان سويفت في دَبلِن لأسرة إنكليزية. لم يعرف والده الذي توفّي قبل ولادته. درس في جامعة ترينيتي بدبلن ثم اضطرّ إلى قطع دراسته بسبب «الثورة المجيدة» ١٦٨٨ التي فرضت الملكية الدستورية في بريطانيا. عمل كاتبًا لدى دبلوماسيّ متقاعدٍ في لندن وخاض في السياسة متقلّبًا بين الأحرار والمحافظين، كاتبًا المنشورات السياسية لهذا الحزب وذاك. وما لبث أن انضمّ إلى السلك الكنسي ونال الدكتوراه في اللاهوت عام ١٧٠٢ وسيمَ أسقفًا إنغليكانيًّا على كاتدرائية القدّيس باتريك بدبلن. انحاز إلى قضية الشعب الأيرلندي وانتقد الاضطهاد الإنكليزي المديد لأيرلندا. إلا أنه سلّط نصله الحادّ ضدّ فكرة «المذهب الصحيح» في الدِّين فأثار حوله الانتقادات واتُّهم بالكفر بل بالإلحاد. ظهرت عليه عوارض الجنون عام ١٧٣٨ وأمضى سنواته الأخيرة تحت الحراسة. أوصى بثروته لبناء مستشفًى للأمراض العقلية لا يزال قائمًا إلى الآن.

نشر سويفت معظم أعماله بأسماء مستعارة. أشهرها رائعته «رحلات غليفر» بأجزائها الأربعة (١٧٢٧) وأبرز أعماله الأخرى «تأمّلات في مكنسة» (١٧٠٣)، «حكاية مَغطس» (١٧٠٤)، «معركة الكتب» (١٧٠٤)، «محاجّة ضد إلغاء المسيحية» (١٧٠٨) و«رسائل» (١٧٢٤). وتُلخّص فلسفته في الكتابة بقوله «غرَضي من الكتابة إزعاج الناس».

«اقتراح متواضع» (١٧٢٩) نص كلاسيكي في الأدب الساخر العالمي. كتبه سويفت بتأثير من مجاعات أيرلندا وحمّل مسؤولية الإفقار للاستغلال الذي يمارسه ملّاك الأرض على الفلاحين (يأكلون الآباء، حريٌّ بهم أكل الأبناء أيضًا). وانتقد أصحاب شعار «البشر هم ثروة الأمّة» بتذكيرهم أنّ «ثروة الأمّة» قائمةٌ على فقر أكثرية سكانها. وهاجم التجّار وأصحاب الحوانيت على جشعهم. وسخِر من المشاريع العبثيّة لحلّ القضايا الاقتصادية والاجتماعية مهاجمًا دعاة الإصلاح الذين يتعاطون مع الفقراء بما هم سلع. وأبرزُ لعبة في فنّه الساخر هي لعبة القلب والإبدال: يستخدم جدّية الاقتراح - التهام لحم الأطفال - لاستظهار عبث حالة العوَز في البلد، ويعرض الحلول الاقتصادية والاجتماعية الجدّية في معرض تسخيفها.

* * *

إنه لأمرٌ حزين للذين يتجوّلون في هذه البلدة العظيمة أو يرتحلون في الريف، أن يشاهدوا الشوارع والطرقات أو أبواب الأكواخ تعجّ بمتسوّلين من جنس النساء يلحق بهنّ ثلاثة، أربعة، بل ستة أطفال، يرتدون الأسمال البالية ويزعجون المارة طلبًا للصدقة. فبدلاً من أن تعمل تلك النساء لتحصيل معيشتهنّ باستقامة، هنّ مضطرات إلى قضاء كلّ الوقت في التسكّع وتسوّل الطعام لأطفالهنّ المغلوبين على أمرهم، والذين ما إن يبلغوا سنّ الرشد حتى يتحوّلوا إلى سُرّاق لعدم توافر عمل لهم، أو يغادروا وطنهم العزيز للقتال في سبيل المُطالِب بالعرش [البريطاني] في إسبانيا١ أو يبيعوا أنفسهم [عبيدًا] في الباربادوس٢.

أعتقد أنّ جميع الأفرقاء يتوافقون على أنّ هذا العدد الضخم من الأطفال المحمولين على الأيدي أو فوق الظهور أو القابعين عند كواحل أمّهاتهم، وأحيانًا آبائهم، يشكّل ظلمًا إضافيًّا ضخمًا في الوضع المزري الراهن لحالة المملكة. من هنا، فكل من يلقى وسيلةً عادلةً ورخيصةً وسهلةً لتحويل هؤلاء الأطفال إلى أعضاء أسوياء ومفيدين من أعضاء الوطن سيكون الأكثر استحقاقًا لأن ينصبَ له الجمهور تمثالاً بصفته من حماة الديار.

غير أنّ نيّتي بعيدة جدًّا من أن تقتصر على العناية بأطفال المتسولين المحترفين؛ إنها أوسع مدًى، تشمل مجموع الأطفال من عمرٍ معيّن وُلدوا من أهل عاجزين عن إعالتهم كما هو حال الذين يستعطوننا الحسنة في الطرقات.

أما ما يخصّني، فبعد أن قلّبتُ أفكاري لعدة سنوات حول هذا الموضوع المهمّ، ورُزت، بنضج، المخططات المتعدّدة لسواي من أصحاب المشاريع الكبرى، وجدتُهم مخطئين خطأ فادحًا في حساباتهم على الدوام. صحيح أنّ طفلاً سقط للتوّ من رحم أمه تستطيع أن تعيله بحليبها لسنة شمسية مع القليل من قوت آخر؛ وبكلفة قد لا تتعدّى شِلينين اثنين قد تحصّلهما الأمّ بالتأكيد، أو تحصل على قيمتهما كفضلات طعام خلال مهنتها الشرعية كمتسوّلة. وبالضبط، عندما يبلغ الأطفال السنة من العمر، أقترح أن أوفّر لهم طريقة هي البديل عن أن يكونوا عالةً على أهلهم أو على الأبرشية، أو أن يظلّوا محرومين من الطعام والكساء طوال حياتهم، بل يسهمون، على العكس من ذلك، بإطعام الآلاف المؤلفة وكسوتهم جزئيًّا.

ثمة فائدة إضافية كبيرة في مخططي، ذلك أنه يمنع عمليات الإجهاض الطوعية، والممارسة الفظيعة في قتل نساءٍ أطفالهن غير الشرعيين، وهي كثيرة الحدوث في ظهرانَينا، مع الأسف! حيث إني أشك في أنّ التضحية بأولئك الأطفال الفقراء الأبرياء تحصل للتخلّص من عبء إعالتهم أكثر منها سترًا للعار، وهو ما يستدرّ الدمع والشفقة حتى من أكثر القلوب توحشًا وفقدانًا للإنسانية.

يقدّر عدد سكان هذه المملكة عادةً بنحو مليون ونصف المليون نسمة، أحسب أنه يوجد بينهم مئتا ألف زوج لا تزال نساؤهم في سنّ الخصوبة، سوف أحسم من هذا الرقم ثلاثين ألف زوج قادرين على إعالة اطفالهم، مع أني لست أعتقد أنهم يصلون إلى هذا العدد نظرًا لويلات المملكة الحالية، أورد الرقم على سبيل الافتراض. يبقى مائة وسبعون ألف امرأة في سنّ الإنجاب. سأحسم من هذا الرقم خمسين ألفًا للنساء اللواتي يجهضن، أو اللواتي يموت أطفالهنّ بحادث أو مرض خلال سنة، فلا يبقى إلا مائة وعشرون ألف طفل يولدون سنويًّا لأسر فقيرة. من هنا السؤال: كيف يمكن إعالة مثل هذا العدد والعناية به، وهو أمرٌ مستحيل التحقيق بكافة الوسائل المقترحة إلى الآن، وفي ظل الظروف الحاضرة، كما أسلفت؛ ذلك أننا لن نستطيع توفير وظائف لهم في الحِرف أو الزراعة؛ فلا نحن نبني البيوت (أقصد في الأرياف) ولا نفلح الأرض؛ ثم إنهم نادرًا ما يستطيعون تأمين معيشهم عن طريق السرقة، إلا عندما يبلغون السادسة من العمر، اللهمّ إلا إذا كانوا ممتلئي البدن، مع أني أعترف بأنهم يتلقّون بدايات الصُنعة قبل ذلك، فيُنظر إليهم خلال تلك الفترة بما هم قيد التمهين، كما أبلغني كبير وجهاء ريف «كاڤان» الذي كان يحتجّ على مسمعي من أنه لم يعرف قَطّ أكثر من حالة أو حالتين تحت سنّ السادسة، حتى في أنحاء المملكة صاحبة أكبر شهرة على البراعة والخفّة في ذلك الفن.

وقد أكد لي تجّارُنا أنّ صبيًّا أو بنتًا قبل سنّ الثانية عشرة ليس سلعة قابلة للبيع؛ وحتى عندما يبلغون ذلك العمر فلن يدرّ الواحد أكثر من ثلاثة جنيهات، أو ثلاثة جنيهات وشِلينيَن ونصف كحدّ أقصى في السوق، وما في هذا نفعٌ للأهل ولا للمملكة، ذلك أنّ كلفة الغذاء ورقْع الكساء تبلغ أربعة أضعاف تلك القيمة على الأقل.

لذا سأقترح الآن، بتواضع، أفكاريَ الخاصة التي آمل ألّا تكون عرضةً لأدنى اعتراض.

فلْنطبخ الأطفال

أكّد لي أميركي واسع الاطّلاع من معارفي في لندن أنّ طفلاً في سنّ الواحدة يتمتّع بصحة جيدة وتغذية كاملة هو من ألذّ الأطعمة وأوفرها غذاءً وأكثرها كمالاً، مطبوخًا في حساء أو مشويًّا أو مخبوزًا، أو مسلوقًا وأنا لا يساروني أدنى شكّ في أنه يمكن أن يخدم أيضًا لوجبة فريكاسّيه أو راغو٣.

وهنا أعرض بتواضع للرأي العام أن من بين المائة والعشرين ألف طفل الذين سبق أن أحصيناهم، يمكن الاحتفاظ بعشرين ألفًا من أجل التوالد، على أن يكون ربعهم فقط من الذكور، وهو أكثر ممّا نخصّصه من خرفان لذلك الغرض، أو من أبقار أو خنازير. وحجّتي أنّ هؤلاء الأطفال نادرًا ما يكونون ثمرة زواج، وهي حالة لا يقدّرها وحوشُنا التقدير الكافي، لذلك فإن ذَكَرًا واحدًا يكفي لخدمة أربع إناث. ويمكن عرض باقي المائة ألف للبيع عند بلوغهم الواحدة من العمر على أهل النبل والثروة على امتداد المملكة؛ على أن يقدَّم النصح الدائم للأم بأن تُرضعهم بوفرة في الشهر الأخير ليصيروا سمينين وبدينين يصلحون مائدةَ طعام محترمة. إنّ طفلاً يمكن أن يملأ قصعتين في مأدبة الأصدقاء؛ وعندما تتناول الأسرة العشاء بمفردها، يصلح الربع الأمامي أو الخلفي منه لوجبةٍ معقولة، وإذا ما جرى تتبيله بقليل من الفلفل أو الملح، سيبقى صالحًا تمامًا ليعَدّ للطبخ مسلوقًا في اليوم الرابع، خصوصًا في الشتاء.

ولقد استشرتُ أحد المنجّمين فأبلغني بأنّ طفلاً يزن ١٢ رطلاً عند الولادة يزيد إلى ٢٨ رطلاً إن جرى الاعتناء به بطريقة جيّدة على امتداد سنة شمسية.

أفترض أنّ مثل هذا الطعام سوف يكون مرتفع الثمن إلى حدٍّ ما، يصلح بالتالي تمامًا لملّاك الأرض، ولمّا سبق لهم أن التهموا معظم الآباء، فهم أحقّ مَن يلتهم الأبناء.

ثم إنّ موسم لحم الأطفال سيكون متوافرًا على امتداد السنة، بوفرة أكبر في شهر مارس/آذار، وقبله أو بعده بقليل. فقد بلغَنا من كاتب جادّ، هو نطاسي فرنسي، أنه لمّا كان السمك هو الوجبة الأكثر توافرًا [خلال تلك الفترة]، فسوف يولد من الأطفال في البلدان الكاثوليكية بعد نحو تسعة أشهر من شهر الصوم أكثر منهم في أيّ موسمٍ آخر، لذلك فإذا أخذنا بالحسبان أنه بعد عام على شهر الصوم ستكون الأسواق أكثر تخمة من العادة، بسبب عدد الأطفال البابويين٤ الذين سيفوق عددُهم عددَ أطفال المملكة بثلاثة أضعاف، في أقلّ تقدير، سيكون لذلك نتيجة فرعية إيجابية إضافية هي تقليل عدد الباباويين بيننا.

لقد احتسبتُ سابقًا كلفة إرضاع طفل متسوّل (شملت فيها جميع سكان الأكواخ والعمّال وأربعة أخماس المزارعين) على أنها حوالي شلنين اثنين بالسنة، بما في ذلك الخرق البالية، وإني أعتقد أنّ ما من سيّد فاضل يرفض دفع عشر شِلينات ثمن جثة طفل سمين طيّب يخدم، كما أسلفت، لأربعة أطباقٍ من اللحم اللذيذ المغذّي عندما يدعو صديقًا عزيزًا ليشاركه العشاء أو عندما يتناول العشاء بمعيّة أسرته. وهكذا يتعلّم النبيل أن يكون مالك أرض جيّدًا، فتنمو شعبيته بين فلاحيه، ويعود للأم ثمانية شِلنات ربحًا صافيًا وتكون صالحة للعمل إلى حين إنتاج طفل آخر.

أمّا الأكثر اقتصادًا (وأعترف بأنّ الأزمنة تتطلب ذلك) فقد يسلخون جلد الجثة، فاللحم إذا ما عولج صناعيًّا يخدم لصناعة قفازات نسوية رائعة وجزمات صيفية للنبلاء الأكارم.

أمّا بالنسبة إلى مدينتنا دَبلِن، فيمكن تخصيص مجازر لهذا الغرض في الأنحاء الأكثر ملاءمة لذلك، ويمكننا أن نتأكّد أنّ الجزّارين متوافرون بأعداد وفيرة، مع أني أؤْثِر الاقتراح الذي يقول بشراء الأطفال أحياء، وتجهيزهم وهم ما زالوا دافئين من تحت سكّين الذبح مثلما نفعل عند شوي الخنازير.

سررتُ مؤخرًا بأنّ شخصًا عالي المقام ومحبًّا حقيقيًّا لبلده، أثمِّنُ فضائله أيّما تثمين، كان مسرورًا خلال محادثة بهذا الشأن بأن يضفي المزيد من التهذيب على مخططي. قال إنّ العديد من النبلاء في هذه المملكة قد أتلفوا غزلانهم في الفترة الأخيرة، فهو يتصوّر أنّ الطلب على لحم الغزال يمكن أن توفّره بالتأكيد أجسادُ صبية وصبايا لا تزيد أعمارهم وأعمارهنّ على أربع عشرة سنة ولا تنقص عن اثنتي عشرة، فلكثرة عدد أبناء الجنسين في جميع الأرياف عند حافة المجاعة بسبب الحرمان من العمل والخدمة، تجد أهلَهم مستعدّين للتخلص منهم، أكان الأهل أحياء، أم تولّى الأمرَ أقربُ الأقربين. ولكن مع وافر الاحترام لمثل هذا الصديق الممتاز والوطني الغيور، لا أستطيع أن أشاركه مشاعره كليًّا، ذلك أنّ لحم الذكور، كما أكد لي ذاك الأميركي من معارفي، بناءً عن تجربة طويلة، عادةً ما يكون هزيلاً وقاسيًا، مثل لحم تلاميذنا الذين يُكثرون من ممارسة الرياضة البدنية، وله طَعم كريه وأنّ تسمينهم لن يجدي فتيلاً. أمّا بالنسبة للإناث، فأعتقد أنّ تسمينهنّ ينفع، مع اعترافي بخشوع بأنّ هذا يمكن أن يشكّل خسارةً بين الجمهور، إذ سريعًا ما سيتحوّلن هنّ أنفسهنّ إلى مرضعات، ثم إنه، ليس بالمستبعد أن يميل بعض النيّقين إلى رفض مثل هذه الممارسة (مع أنّ ذلك خطأ أكيد) على اعتبارها على شيءٍ من القسوة؛ وأعترف بأنّي حملتُ دائمًا أقصى الاعتراض ضد أيّ مشروع من هذا النوع، مهما يكن حسن النية.

ولكن لكي أبرّر رأي صاحبي، قد أعترف بأنّ هذا الحل العجول قد غرسه في دماغه «بسلمانازار» الشهير، من أبناء جزيرة فورموزا، الذي جاء إلى لندن منذ أكثر من عشرين سنة، وأبلغَ صاحبي في معرض حديث أنه عندما يُحكَم شاب بالإعدام في بلده، يبيع الجلّاد جثته لعليّة القوم كوجبة فاخرة، وأنه كان شاهدًا على صَلب فتاة سمينة في الخامسة عشرة من عمرها لمحاولتها تسميم الإمبراطور، فبيعت جثّتها للوزير الأول لدى جلالته الإمبراطورية ولعدد آخر من كبار الحاشية، شلوًا شلوًا مباشرةً من على الخازوق، بمبلغ أربع مائة ذهبية. وبالتأكيد فلن أعترض إذا ما طبّق الاستخدام نفسه على عدد من الصبايا المكتنزات في هذه البلدة، ممّن لسن ينفقن أربع بِنسات من ثرواتهنّ، لا يتحرّكن إلا مرفوعات على محامل، ويرتدنَ المراسح والاحتفالات، ويرفلن في أفخر الأثواب الأجنبية، ولا يدفعن ثمنها أبدًا، فالمملكة لن تكون أقل سوءًا في هذه الحال.

يساور البعضُ من أرباب القُنوط أعظمُ القلق لأن معظم الفقراء هم من فئة المسنّين والمرضى أو المشوّهين، وقد طُلب مني أن أحكّم عقلي في أيّ مسلك يمكن اتّخاذه لتخليص الأمّة من مثل هذا العبء الخطير. لكني لست مشغولاً البتة بهذا الأمر، لأنّ الشائع في أوسع الأوساط أنهم يموتون يوميًّا ويتحللون بسبب الصقيع والجوع والقذارة والدود وبأسرع ما يمكن توقُّعه عقليًّا. أمّا عن العمال الشباب، فهم الآن في وضعٍ باعث على الأمل قدر الحال السابقة؛ فهم لا يستطيعون إيجاد عمل لهم، فيتقهقرون لنقص الغذاء إلى درجة أنه إذا صدف أنهم استؤجروا لعمل ما لن يملكوا القوة لأدائه؛ وهكذا يتخلّص البلد، ويتخلصون هم أنفسهم بسعادة، من الشرور المقبلة.

فوائد الطبخ

لقد استطردتُ طويلاً جدًّا، لذا أعود إلى موضوعي. أعتقد أنّ فوائد الاقتراح الذي قدمّتُه بديهية وعديدة كما هي غاية في الأهمية.

أولاً، وكما أسلفت، فإنه سوف يخفّض كثيرًا من عدد البابويين، الذين يجتاحوننا سنويًّا، بما هم أبرز المُنجبين في الأمّة بمثل ما هم ألدّ أعدائنا؛ وهم يلازمون بيوتهم عن عَمد بناءً على مشروع لتسليم المملكة للمُطالِب بالعرش، آملين الإفادة من غياب هذا العدد الكبير من البروتستانتيين الطيبين الذين آثروا مغادرة وطنهم بدلاً من التزام منازلهم ودفع ضرائب الأعشار لسلطة كنسيّة بالضد ممّا تمليه عليهم ضمائرهم.

ثانيًا، سوف يحصل الأفقر بين الفلاحين على شيء ثمين يخصّهم بحيث يخوّلهم القانون حق النجدة والمساعدة على تسديد الريع لملّاك الأرض، علمًا أنّ محاصيل الذرة والماشية مصادَرة أصلاً، والعملة شيء مجهول.

ثالثًا، حيث إن الحفاظ على مائة ألف طفل، من سنّ الثانية فصاعدًا لا يمكن تثمينه بأقلّ من عشرة شلينات على الرأس سنويًّا، فسوف تنمو ثروة الأمّة بزيادة خمسين ألف جنيه سنويًّا، هذا بالإضافة إلى كسب وجبة جديدة تدخل موائد جميع السادة الأفاضل من أثرياء المملكة وأصحاب الذوق الرفيع. وسوف يدور المال بيننا نحن أنفسنا، ذلك أنّ تلك السلعَ هي من إنتاجنا وتصنيعنا وحدنا كليًّا.

رابعًا، إضافةً إلى كسبهم ثمانية شِلينات استرلينية في السنة ثمنًا لبيع أطفالهم، سوف يتحرر المُنجِبون الدائمون من عبء إعالة هؤلاء الأطفال بعد سن الواحدة.

خامسًا، سوف يُدخل هذا الصنف من الطعام تقليدًا جديدًا إلى الحانات، فالمؤكد أنّ حانات الخمر سوف تحرص على التزوّد بأفضل وصفاتٍ لتحضيره بحيث يبلغ الكمال، فيضمنون أن يرتاد بيوتَهم أرقى صنفٍ من السادة الأفاضل، الذي يعتبر نفسه، عن حق، ذوّاقة الطعام الفاخر؛ والطاهي الماهر الذي يعرف كيف يرضي زبائنه، سيسعى إلى تسعير الوجبة بأغلى سعر يسرّهم.

سادسًا، سوف يكون هذا حافزًا عظيمًا على الزواج، وهو ما تشجّع عليه جميع الأمم الحكيمة بالمكافآت أو بتطبيق القوانين وفرض الغرامات. وهو سوف يزيد من عناية الأمهات بأبنائهنّ، عندما يتأكدن من وجود ترتيبٍ مدى الحياة للأطفال المساكين، يوفّره الجمهور بطريقة أو بأخرى، يضاف إلى مدخولهنّ السنوي بدلاً من أن يقع في باب النفقات. ثم إننا سوف نشهد منافسة صادقة بين النساء المتزوجات لمعرفة أيٍّ منهنّ تستطيع أن تُنزِل أسمن طفل إلى السوق. وسوف يصير الرجال مولعين بنسائهم خلال فترة الحَمل مثلما هم الآن مولعون بمُهرِهم الحوامل، أو ببقراتهم وهي تنتظر عجولها، أو بإناث الخنزير وهي في الطلق، بدلاً من أن يعرضوا عليهنّ الضرب أو الرفس (كما هو دارج) خشية الإجهاض.

يمكن تعداد المزيد من الفوائد. فمثلاً، تشكل زيادة عدة آلاف من الجثث على صادراتنا من البقر المُبَرمَل، وانتشار لحم الخنزير البرّي، والتحسّن في فن صنع الـ«بايكون» الجيّد، الذي نطالب به كثيرًا على حساب الدمار الكبير الذي يصيب الخنازير لوفرة حضوره إلى موائدنا، وهو لا يقارن بأي حال، من حيث الطعم أو العظَمة، بطفل مسمّن ممتلئ وابن عامه الأول، سوف يكون بهيّ الحضور، مشويًّا بأكمله، في وليمة محافظ المدينة أو في أيّ احتفال عامٍ آخر. لكني أغفل ذكر هذه وسواها من الفوائد على سبيل الاختصار.

لنفترض أنّ ألف أسرة في هذه المدينة ستكون الزبائنَ الدائمة للحم الأطفال، إضافةً إلى الأسر الأخرى التي ستتناوله في المناسبات، وفي الأعراس أو العمادات خصوصًا، فإني أقدّر أنّ دَبلِن ستستهلك سنويًّا نحو عشرين ألف جثة، وباقي المملكة الثمانون ألفًا الباقية (حيث ستباع بسعر أرخص قليلاً).

علاجٌ للخير العامّ

لست أستطيع أن أفكر بأي اعتراض قد يثار ضد هذا الاقتراح، اللهمّ إلا إذا ألحّ أحدهم بأنّ ذلك سوف يؤدي إلى انخفاض كبير في عدد سكان المملكة. وهذا ما أتبنّاه بحرّية وهو بالتأكيد هدفي الأكبر من تقديمه إلى العالم. ثم إني أرغب إلى القارئ أن يلاحظ أني أصفُ علاجي لمملكة أيرلندا وحدها لا لأي مملكة أخرى قد وُجدت أو سوف توجد على هذه الأرض، على ما أرى. لذلك فلا يحدثنّني أيٌّ كان عن أمور ملحّة أخرى:

عن فرض الضرائب على مُلّاك الأراضي المتغيبين بنسبة خمسة شِلينات للجنيه الواحد؛

عن عدم استخدام الألبسة أو أثاث المنازل إلا إذا كانت ذات منشأ محليّ ومن صنع أيدينا؛

عن الرفض التام للمواد والأدوات التي تروّج للبذخ الأجنبي؛

عن علاج إسراف الغطرسة والغرور والكسل ولعب المَيسر عند نسائنا؛

عن إدخال مقدار من الاقتصاد والحكمة والاعتدال؛

عن تـــعلّم حب الوطن بحيث نختلف حتى عن اللابلانديين، وسكان توبينانبو؛

عن الـتخلي عن العداوات والشقاق، فلا نتصرف أبدًا مثل اليهود الذين كان واحدهم يقتل الآخر حين كانت مدينتهم تسقط بيد الأعداء؛

عن تعليم ملّاك الأراضي أن يُبدوا درجةً على الأقل من الرحمة تجاه فلاحيهم؛

أخيرًا، عن بث روح من الصدق والكدّ والمهارة في أصحاب الحوانيت في بلادنا، الذين لو حصل أن تَقرر الآن ألّا نشتري إلا البضائع محلية الصنع، لاتّحَدوا فورًا للغشّ والتحايل على السعر والوزن والجودة، ولن نكون قادرين أبدًا على أن نتقدم باقتراحٍ منصفٍ واحدٍ عن التعامل [التجاري] العادل، مع أننا ندعو إليه غالبًا وبصدق.

لذلك، أكرر: لا يكلمنّني أحدٌ عن هذه وأمثالها من الأمور المستعجلة، إلى أن يملك ولو ومضة أمل بأنه سوف تكون ثمة محاولةٌ عفيّة وصادقة لوضعها موضع التنفيذ.

أمّا بالنسبة لي، فبعد أن أنهِكتُ لعدة سنوات بتقديم أفكار عبثية وكسولة وخيالية، ووصلت في نهاية المطاف إلى اليأس الكامل من النجاح، وقعتُ مع الأسف على هذا الاقتراح الجديد كل الجدّة، الصلب والحقيقي إلى حد ما، لا يتطلب إنفاق مال إلى كونه قليل الغلبة ومعتمدًا على قوانا الذاتية، فلا خطر علينا أن نعصي أمر إنكلترا. ذلك أنّ مثل هذه السلعة لن تحتمل التصدير، ولمّا كان اللحم مادة طرية جدًّا لا تصمد طويلاً في الملح، مع أني أستطيع أن أسمّي بلدًا يسرّه أن يلتهم أمّتنا بأكملها دون ملح.

وفي نهاية الأمر، لست متمسكًا بشدةٍ برأيي الشخصي لأرفض أيّ عرض آخر يقترحه أهل الحكمة ويكون بريئًا ورخيصًا ومجانيًّا وسهلاً وفعالاً بذات القدر. ولكن قبل تقديم أي شيء من هذا القبيل يتناقض مع مخطّطي، واقتراح ما هو أفضل منه، أرغب في أن يسرّ المؤلف أو المؤلفين بإلقاء نظرة ناضجة إلى نقطتين. أولاً، والحال على ما هي عليه، كيف لهم توفير الغذاء والكساء لمائة ألف فم وظَهر [في أجساد] عديمة النفع. وثانيًا، يوجد قرابة مليون كائن لهم ملامحُ بشرية على امتداد هذه المملكة، ولو كان لهم أن يجمعوا كل موارد عيشهم فسوف يظلون مديونين بمليونَي جنيه إسترليني، إليهم نضيف المتسوّلين المحترفين إلى جموع المزارعين، وسكان الأكواخ والعمال، بنسائهم وأطفالهم الذين هم متسولون عمليًّا: أرغب بالسياسيين الذين لا يستسيغون مبادرتي، وقد تبلغ بهم الجرأة حد محاولة الردّ عليها، أن يسألوا أولاً آباء هؤلاء الآدميين عمّا إذا كانوا يرون سعادة عظيمة في أن يباعوا لقاء طعام، وهم في سنّ الواحدة، بالطريقة التي أصِفها، فيعفون بالتالي من مشهد الرزايا المتواصلة الذي عانوا منه مذذاك بسبب اضطهاد ملّاك الأراضي، واستحالة دفع ريع الأرض وهم بلا مال ولا عمل، وبسبب الحرمان من المعاش، وهم بلا سكن ولا كساء يَقيهم مظالم الطقس، ومحكوم عليهم حتمًا بأن ينزلوا مثل هذه الرزايا بحق ثمرات بطونهم إلى أبد الآبدين.

إني أعترف، بكل ما في قلبي من صدق، بأن ليست لي أدنى مصلحة شخصية في الترويج لمثل هذه المهمة الضرورية، فلا دافعَ لي غير الخير العام لبلدي، عن طريق تفعيل تجارتنا، وإعالة الأطفال، والتخفيف عن الفقراء، وتوفير بعض المتعة للأغنياء. لا أطفال لي أكاري عليهم ولو بقرش واحد، فأصغر أولادي في التاسعة من العمر وزوجتي قد تعدّت سنّ الإنجاب.

العدد ٣١ - ٢٠٢١

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.