العدد ٢٧ - ٢٠٢٠

إعلان بيروت العمراني

تشرين الأوّل/ أكتوبر ٢٠٢٠

شكّل انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس 2020، حدثًا مفصليًّا في تاريخ لبنان وعاصمته بيروت. إنها نكبة طاولت أحياء المدوّر والكرنتينا والبدوي ومار مخايل والرميل والجميزة ومار نقولا، وامتدت إلى برج حمود والأشرفية والباشورة وزقاق البلاط وصولًا إلى سائر أحياء المدينة، مخلّفةً وراءها ما يقارب المائتي قتيل وألوف الجرحى بالإضافة إلى تدمير ما يقارب ثلاثماية مبنى تدميرًا كاملًا أو جزئيًّا وتهجير عشرات الآلاف من سكان المنطقة.

بادرت نقابة المهندسين في بيروت بالاشتراك مع كليات العمارة في لبنان، إلى العمل على إنتاج وثيقة رؤيوية عامة حول سبل إعادة تشكيل المنطقة المتضررة.

تستعرض هذه الوثيقة مجموعة أفكار من شأنها أن تشكل نقطة انطلاق للعمل على وضع صيغة متكاملة لإعادة إعمار المناطق المنكوبة من جراء انفجار المرفأ. وذلك عبر اقتراح رؤية وطنية حول إعادة الإعمار وتأهيل التراث وحماية النسيج الاجتماعي والهوية المحددة لخصوصية العمران في المنطقة المنكوبة جرّاء انفجار الرابع من آب/ أغسطس، وإعادة صياغة علاقة المرفأ ومحيطه العمراني.

تشكل الوثيقة خلاصة مجهود فكري وثقافي يساهم في صياغة رؤية شاملة، وهي بمثابة تصورات واقتراحات للفكرة العامة لإعادة تشكيل المدينة، لتصبح مجموعة قضايا موثقة، تسعى لمواجهة تحديات تفريغ المدينة من سكانها والتغيير الديموغرافي، وتقدّم أفكارًا واقتراحات مجدية سريعة وعملانية للمسؤولين والمؤسسات الرسمية المعنية.

ترسم الوثيقة مسار التدخل والدور الذي يمكن أن تلعبه النقابة بالتعاون مع الجامعات في تصور إعادة تشكيل المنطقة المنكوبة. وتدعو لاعتماد نظرة شاملة بجوانبها الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية، والتعامل مع الموقع باعتباره نسيجًا مدينيًّا متكاملًا مع المرفأ. وتشدد على الأفكار الآتية:

– التأكيد على أن الحفاظ على النسيج العمراني التراثي لا يتعارض مع متغيرات نمط وسلوك الناس الحياتي والمتطلبات الجديدة، وأنه يمكن تأمين هذه المتطلبات مع المحافظة على تكوين النسيج العمراني التراثي.
– اعتبار الطابع التراثي للمناطق المنكوبة (الذي يتكون من نسيجها العام ومن الوحدات المكونة لهذا النسيج، وكموقع يمارسون فيه سلوكهم الحياتي والاجتماعي والاقتصادي) أنه عبارة عن تراكم لحياة الناس الاجتماعية والمكانية. ويحتوي ذاكرتهم منذ تكوين المدينة إلى لحظة الانفجار، وهذا معطى أساسي لا يمكن تغييره أو تعديله إلا بالموافقة العامة لأصحاب المصلحة الأساسيين (المالكين أو القاطنين).
– تحديد مسارات إعادة الإعمار: الملحّة (السريعة) والمتوسّطة وطويلة المدى (البطيئة). وتأسيس مرصد لمتابعة وتوثيق الأعمال والخيارات التي تطرح والتي تتحول إلى واقع ملموس، من خلال وضع مؤشرات لمراقبة عملية إعادة الإعمار والتوصية بالسياسات والضغط من أجلها.
– الحاجة إلى وضع سياسات ملائمة (إسكان، بنية تحتية، تراث...) لمواكبة عملية إعادة الإعمار، والضغط من أجل اعتماد هذه السياسات.
– الفكرة العامة لإدارة إعادة الإعمار هي عبر ابتكار آليات تؤمن مشاركة اجتماعية وعلمية ومهنية واسعة، الهدف منها وضع العملية على مسار علمي ووطني يحافظ على هوية ووجه بيروت الإنساني والتراثي والثقافي.
– تنقسم الوثيقة الى خمسة محاور وهي:
– هوية المدينة
– النتائج الاقتصادية والاجتماعية والتحديات التي ينبغي مواجهتها
– نحو نظرة شاملة لإعادة تأهيل المنطقة المدمرة
– تحديات حماية وإعادة تأهيل النسيج التراثي العمراني
– إدارة وتنظيم التخطيط وإعادة الإعمار

أ. هوية المدينة:

إن المنطقة المنكوبة مكوّن رئيسي لهوية العاصمة وخصوصيتها العمرانية والاجتماعية.
التالي أهم محطات تشكلها التاريخي:
– تطور مدينة بيروت القديمة خارج الأسوار بدأ في منتصف القرن التاسع عشر.
– مبادرة أعيان المدينة الذين اغتنوا بسبب علاقتهم مع السلطات العثمانية والقناصل الأوروبيين إلى بناء القصور والمساكن الفخمة على هضبتي السراسقة وزقاق البلاط
– التطور العمراني بمحاذاة الطرق التي كانت تربط المدينة القديمة بطرابلس (حي الجميزة) وصيدا (حي البسطا) والشام (حيي الباشورة والناصرة).
– تـــــــــــــــــــــــــطور مرفأ بيروت وتأثيره على التطور الحضري للمنطقة المنكوبة.
– خصوصيات التطور العمراني في مناطق الجميزة والجعيتاوي والرميل بعلاقتها مع هضبة الأشرفية من جهة والمرفأ من جهة أخرى.
– الخصوصيات التاريخية لتكوّن حيي الكرنتينا والمسلخ
– وصول الأرمن إلى بيروت هربًا من المجازر التي تلت الحرب العالمية الأولى، وتطور حيي مار مخايل (بمحاذاة شارع أرمينيا) والبدوي (على ضفة نهر بيروت المقابلة لبرج حمود).
– الثبات النسبي التي تحلّت به المنطقة، فلم تشهد تحولات هامة عمرانيًّا واجتماعيًّا بعد الاستقلال وحتى أواخر التسعينيات من القرن الماضي (بيروت الحداثة في الخمسينيات والستينيات تطورت غربًا نحو الحمرا ورأس بيروت والروشة).
– الطفرة العمرانية التي بدأت تمتد خارج الوسط التجاري ابتداءً من أواخر التسعينيات والتي تجلّت ببناء الأبراج في حي السراسقة وفي المنطقة المحاذية لجادة شارل حلو مقابل المرفأ.
– التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة خلال العشرين سنة الماضية مع انحسار النشاطات الحرفية التقليدية وفتح المطاعم والبارات. إضافة إلى تطور النشاطات الثقافية والفنية ومجيء فئات جديدة شابة مع بقاء قسم لا بأس به من السكان الأصليين، مما جعل المنطقة تتميز بخليطها الاجتماعي.

ب. النتائج الاجتماعية – الاقتصادية والتحديات التي ينبغي مواجهتها:

نتيجة الدمار الكبير الذي أحدثه انفجار المرفأ وما تسبّب به من مآسٍ اقتصادية واجتماعية، وخصوصًا في الأجزاء القديمة من المدينة، برزت الحاجات الأساسية الملحة، وتقع ضمن تراتبية الأولويات التي فرضتها الظروف الراهنة على الشكل الآتي:
1. السكن:
– ضرورة تأمين العودة السريعة للسكان إلى منازلهم قبل حلول فصل الشتاء.
– الحاجة للإيواء المؤقت (أو الدائم) وتأمين المساكن اللائقة لسكان المنطقة لحين استكمال عملية ترميم بيوتهم.
– العمل على وضع الأطر التي تسمح بإنشاء مساكن لذوي الدخل المحدود في المنطقة المنكوبة، وبشكل خاص في منطقتي الكرنتينا والمسلخ.
2. دورة الحياة الاقتصادية والمعيشية:
– مراعاة حاجات الناس وأولوياتهم، أي مقاربة إعادة الإعمار على المنسوب الاجتماعي الإنساني.
– إحياء النشاطات الاقتصادية في المنطقة والمساعدة على عودة النشاطات الثقافية والفنية التي ضربها الانفجار.
3. التعليم:
– تأهيل المؤسسات التعليمية العامة والخاصة في المنطقة في أسرع وقت للسماح بمباشرة العام الدراسي.
– إعادة بناء وترميم المؤسسات المتضررة أخذًا بعين الاعتبار معايير السلامة العامة والحياة الدامجة والبناء المستدام.
4. الصحة:
– تأهيل القطاع الصحي (المستشفيات والمراكز الطبية) لسد حاجات المنطقة بعد أن أصاب الدمار أربع مستشفيات رئيسية وعددًا من المراكز الطبية.

ج. نحو نظرة شاملة لإعادة تأهيل المنطقة المدمرة:

يشكل هذا القسم محور الدراسة الحضرية التي ينبغي تطويرها لتنظيم المنطقة بعد أن تم وضعها «تحت الدرس» من قبل المجلس الأعلى للتنظيم المدني. من هذا المنطلق فإن إعادة النظر في منطقة الدمار وتفعيلها من ضمن مكونات وخصوصيات المناطق الأخرى في بيروت يطرح القضايا الآتية:
1. منطقة المرفأ وعلاقتها مع المدينة:
– دراسة الدور الجديد لمرفأ بيروت كمرفق اقتصادي أساسي، آخذًا بالاعتبار المرافئ الأخرى على الساحل اللبناني، كما والمرافئ الأخرى على الساحل الشرقي للمتوسط.
– إعادة ربط المرفأ بوسط المدينة، واستعادة علاقته بالمناطق المنكوبة.
2. معالجة إشكالية التنقل:
إن النقل العام وإشكالية مسارات التنقل السلس تشكّلان أهمية كبيرة، ويجب وضعهما في أولوية خطة الإعمار. فالمنطقة تختنق اليوم بسبب مشاكل السير والاتكال على السيارات الخاصة. وفي هذا المضمار لا نفع من تأمين مواقف سيارات إضافية لخدمة الأحياء إذ أن كافة الدراسات الحديثة تشير إلى أن كثرة المواقف تؤدي إلى استفحال مشكلة السير بدلًا من حلّها.
3. مورفولوجيا وتيبولوجيا المدينة:
دراسة مورفولوجية المنطقة وعلاقتها بتيبولوجية الأبنية والشوارع. وذلك للإضاءة على العلاقة الاجتماعية والاقتصادية في كل حي في المنطقة المنكوبة، بالإضافة إلى علاقته مع المرفأ.
4. الاستفادة من الفرص المتوفرة في الأحياء المنكوبة لإطلاق مشاريع تسمح بتطوير المساحات العامة التي تمتلك طاقات احتمالية للتحول إلى مراكز التقاء وتجمع
5. دراسة المناطق «الحساسة» المتواجدة ما بين المناطق المجاورة وتفعيلها لربط الخدمات مع بعضها البعض، مع الحفاظ على وظائفها الاقتصادية والاجتماعية.
6. إعادة النظر بأنظمة البناء في المنطقة المدمرة وتعزيز تفاعل المناطق مع بعضها البعض، للحفاظ على تنوع خصائص عمارة المدينة.
7. إعادة النظر في بعض المخططات التي تمت دراستها سابقًا من قِبل المؤسسات الرسمية (المجلس الأعلى للتنظيم المدني، بلدية بيروت، مجلس الإنماء والإعمار، إلخ).

د. تحديات حماية وإعادة تأهيل النسيج التراثي العمراني:

1. اعتبار الطابع التراثي للمناطق المنكوبة، الذي يتكون من نسيجها العام ومن الوحدات المكونة لهذا النسيج، مشروعًا واحدًا. والمحافظة الكاملة على تنوعه الذي يعبّر عن المراحل والتطورات التي مرت على المدينة، والتعامل مع الموقع باعتباره نسيجًا مدينيًّا واجتماعيًّا حيًّا.
2. توظيف هذا النسيج التراثي في خدمة حاجات ومتطلبات النسيج الاجتماعي وتطور دوره المعاصر.
3. اعتبار مناطق النسيج العمراني التراثي مناطق خاصة تخضع لمخططات وقوانين لمجمل النسيج والمنطقة، وعدم تصنيفه كمجموعة أبنية مختارة.

هـ. إدارة وتنظيم التخطيط وإعادة الإعمار:

يركّز هذا المحور على كيفية عمل المجموعات التي ستشكلها نقابة المهندسين مع الجامعات، وسيسعى إلى وضع أهداف ممكنة التحقيق. وستعمل هذه المجموعات ضمن أطر هذه الوثيقة، إلى أن تتمكن من تشكيل قوة ضغط تؤثر على القرارات الرسمية، وهي تسعى إلى إنتاج رؤية واضحة لمستقبل هذه الأحياء.

1. المهام والأولويات
تحديد الأولويات وعمليات المتابعة في الأشهر التي تلي الانتهاء من العمليات الطارئة من تدعيم وإيواء وحاجات ملحّة، وبعد البدء بعمليات الترميم والتخطيط. وذلك حرصًا على سير الأمور وفقًا لما يخدم تطلعات أهل المدينة والمجتمع اللبناني وضمان الاستمرارية والمتابعة.
2. دور الجامعات
– تحديد وتوزيع مواضيع البحث التفصيلية وإطلاق النقاش على مستوى مجموعات صغيرة.
– العمل من خلال برامجها الأكاديمية على الإشكاليات المستجدة (مدينية، عمرانية، نسيج المدينة والتكوين الاجتماعي)، وتحديد الإشكاليات كمدخل لحلول سليمة.
– إنشاء بنك معلومات وتوثيق يحدد لكل جامعة ملف (فولدر)، وتنسيق التعاون عبر بنك للداتا وتبادل المعطيات مع المؤسسات والمنظمات المدنية. (تنظيم داتا مشتركة هو مسؤولية نقابة المهندسين).
3. تنظيم ورش عمل
– الأولى في نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠٢٠، وغيرها يلي لاحقًا، وذلك لتبادل الأفكار ومناقشة كافة الاقتراحات والمشاريع التي تطرحها الجامعات بالمشاركة مع المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية.
4. بنك الداتا والتوثيق
– يساهم بنك الداتا في صياغة رؤية شاملة عبر مجهود فكري وثقافي يساهم بإعادة تشكيل المدينة انطلاقًا من توثيق المعلومات والمبادرات والقضايا.

المرصد العمراني

تعمل نقابة المهندسين من خلال الروابط العلمية المعمارية، بالاشتراك مع كليات العمارة في لبنان على تأسيس مرصد دائم لمتابعة وتوثيق الأعمال والخيارات، والتي تساهم في إنتاج نظرة رؤيوية عامة حول التحولات العمرانية وإشكالياتها المطروحة في سيرورة التاريخ المتجدد لمجتمعنا.

وذلك من خلال:
– تأسيس بنك للمعلومات والمعطيات والأبحاث.
– رصد ومتابعة الأعمال على الأرض وتوثيقها.
– وضع الآليات التنفيذية لتطور المرصد العمراني في المستقبل.

 

المشاركون في إعداد ونقاش إعلان بيروت العمراني
نقابة المهندسين في بيروت – رابطة المعمارين– نقابة المهندسين – رابطة المهندسين الأخصائيين في التنظيم المديني– نقابة المهندسين – مؤسسة الجادرجي من أجل العمارة والمجتمع – لجنة كليات العمارة في نقابة المهندسين– بيروت – الجامعة اللبنانية– كلية الفنون الجميلة والعمارة – الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة ALBA– جامعة البلمند – جامعة بيروت العربية BAU – الجامعة اللبنانية الأميركية LAU – جامعة سيدة اللويزة NDU – الجامعة الأميركية في بيروت AUB – جامعة الروح القدس في الكسليك USEK

العدد ٢٧ - ٢٠٢٠
تشرين الأوّل/ أكتوبر ٢٠٢٠

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.