الحكاية الأولى
في 12 حزيران/يونيو 2016، دوّى صوت انفجار في منطقة فردان في بيروت. كانت أمسيةً من أمسيات رمضان، وكانت المدينة شبه خاليةٍ عند موعد الإفطار. لكنّ الصوت لم ينجم عن مدفع الغروب، بل عن قنبلةٍ صغيرةٍ وُضعتْ داخل أحد الأحواض التي تسوِّر المركز الرئيسيّ لـ"بنك لبنان والمهجر". جاء ذلك بعد أيّامٍ على تداول اسم البنك نفسه في سياق اتّهام بعض المصارف بالمزايدة على الإدارة الأميركيّة في ملفّ العقوبات على "حزب الله".
يومها كتبت صحيفة «السفير» أنّ مَن فجّر المصرف المعروف بأنّه الأكثر تشدّدًا في تطبيق العقوبات، إنّما أراد بالدرجة الأولى الاستثمار في الخلاف بين المصارف و"حزب الله"… إنّ المخطّط الخبيث يبدو مفضوحًا وناطقًا.
لكنّ مشروع الفتنة بين المصارف و"حزب الله" لم يفشل وحسب، على ما يبدو، بل تحوّل مع الوقت من الخصومة وتضارب المصالح إلى نقيضه، وتجاوز الطرفان هذا التفجير «المُغرِض».
فبعد مرور ثلاثة أعوام ونصف العام تقريبًا، وفي الكلمة التي ألقاها الأمين العام لـ"حزب الله" في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، رأى السيّد حسن نصر الله أنّ الحزب لم يقدّم في ملفّ العقوبات إلا "العتب" لبعض مدراء المصارف، بينما الأميركان يرهبون المصارف ويتشدّدون في تحويل الأموال من وإلى لبنان.
لا يُبدي هذا الموقف تسامحًا كبيرًا مع المصارف وحسب، بل يضعها أيضًا مع الحزب في الموقع نفسِه، موقع الذين يتعرّضون للترهيب من قبل الإدارة الأميركيّة. باتت المصارف، تمامًا كـ"حزب الله"، تعاني من الضغط الأميركيّ.
الحكاية الثانية
في 25 حزيران/يونيو 2018، نشرت مجلة «كوميرس دو لوفان» تقريرًا عن توجُّه موريس صحناوي للاستثمار في القطاع المصرفيّ القبرصيّ. انسحب من إدارة مصرف BLC اللبناني ليصبح المساهمَ الأكبر في بنك أسترو، إلى جانب المتموّل والنائب العوني السابق أمل أبو زيد. لكنّ نظرةً إلى لائحة المساهمين في البنك تُظهِر أيضًا اسم المصرفيّ صائد الحيوانات والناشطين مروان خير الدين، وأسماء ثلاثة من أبناء اللواء جميل السيّد. ولمن لا يعرف، ليس موريس صحناوي مصرفيًّا وحسب، بل هو وزيرٌ سابق في عهد الرئيس إميل لحود، وهو والد النائب نيكولا صحناوي الذي شغل أيضًا منصب نائب رئيس "التيار الوطني الحرّ"، جبران هيلاهو باسيل.
في العام نفسه، أقدم علاء الخواجة، رجل الأعمال الملقَّب بالوصيّ على أعمال سعد الحريري في لبنان، على شراء حصصٍ في "بنك البحر المتوسّط"، وقام بتعيين مدير عام جديد للبنك، يُدعى راوول نعمة. من محاسن الصدف أنّ اسم نعمة يرد أيضًا من ضمن لائحة المساهمين في "بنك أسترو".
الحكاية الثالثة
في 17 تشرين الأوّل/أكتوبر 2019، نزل الناس إلى الشوارع بعد محاولة حكومة سعد الحريري وجبران باسيل فرضَ ضرائب جديدة بعد انفجار النظام الاقتصاديّ الذي عرفه لبنان منذ نهاية الحرب الأهليّة. بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات في الشارع، ومن احتجاز المصارف لأموال المودعين، شكّل بروفيسور يُدعى حسّان دياب حكومةً من التكنوقراط الذين اختارتْهم قوى الثامن من آذار بعناية، وبإشرافٍ من اللواء جميل السيّد.
ضمّت الحكومة عددًا من المصرفيّين على رأسهم راوول نعمة نفسه، المدير العام لـ"بنك البحر المتوسّط" والمساهم في "بنك أسترو"، والذي عُيِّن وزيرًا للاقتصاد.
الحكاية الرابعة
تبيّن إذًا أنّ موريس صحناوي كان على حقّ في نقل استثماراته إلى قبرص، بينما كان نجله يبيع لناخبيه الأوهام العونيّة. لكنّ الحكاية الرابعة ليست حكاية عين المصرفيّ الثاقبة، بل هي حكاية الحكومة ذات اللون السياسيّ الواحد، والمصالح المصرفيّة المتعدّدة التي باتت تحت حماية الحزب الأقوى.
قد لا يكون راوول نعمة الوزير الأهمّ في هذه الحكومة، لكنّه الوزير الزئبق الذي يدمّر وجودُه ما تُشيعه هذه الحكومة عن نفسها: شائعة البروفيسور عن حلولٍ علميّة تستنبطها حياديّة التكنوقراط عن المصالح الطبقيّة والسياسيّة، وشائعة 8 آذار عن حملها سياساتٍ اقتصاديّة أكثر عدالةً. لقد سبق أن جرّبنا تلك الادّعاءات، ولم تنتهِ إلا بالفشل وإراقة الدماء.
الحكاية الخامسة
انتهت حكاية النظام. الثورة تكتب الحكاية.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.