- هو: إنت من بيت رضا؟ والله كنت أعرف شاب من خيرة الشباب بلبنان، قتلوه وكبّوه عالزبالة... لقيوه مكبوب عالزبالة، هيك سمِعِت!
- أنا (بكامل رعبي): شو إسمه؟
- هو (قلقاً من تعبير وجوه الحاضرين الذين حاولوا ثنيه عن الإفصاح عن الاسم): قضيت معه وقت هون بفرنسا، هو كان رايح عند إخوته على كندا... ما كمّل الطريق قال ما فيه يعيش برّات لبنان... رجع قتلوه وكبّوه ع الزبالة
- أنا (بكامل رعبي): شو إسمه؟
- هو (وقد شعر أنّ الأوان قد فات للتراجع): حسيب رضا
- أنا (بصوت شبه مخنوق): هيدا بيي
حديثٌ جرى مصادفةً مع صبيّةٍ تزور باريس كي تتنعّم بجمالها ورومانسيتها، فتجد نفسها متخبّطة برواياتٍ عن شخصٍ قرّر مجرمٌ، تماماً كقاتل علاء بو فخر (قتل يوم ١٢ تشرين الثاني / نوفمبر ٢٠١٩ عند اطلاق الجيش النار على اشخاص قطعوا الطريق في منطقة خلدة جنوب بيروت)، أن يوقف حياته وألا تتعرّف إليه. كانت المرّة الأولى التي أسمع فيها هذه القصة، فرغم سنوات عمري الـ٢٤ حينها، إلا أنّ الرواية الوحيدة التي سمعتُها عن مقتل أبي أنّ قاتِلَه وقف على جثّته يدخّن، مهدّداً من يقترب لنقله إلى المستشفى بأن يرديَه فوقه.
لسنواتٍ طويلةٍ أتخيّل المشهد، حاولت الهروب من مَشاهدة فيديو قتل علاء بو فخر، لكنّني لم أستطع، وما إن فعلت حتى تيقّنت أنّ ما حصل عام ١٩٨٢ ليس ماضياً مضى. رويتُ هذه القصة للمرة الأولى عام ٢٠١٥ يوم قُتِل جورج الريف بدمٍ باردٍ وبطريقة وحشية في وضح النهار، وأعيدُها اليوم، وهي تصلح لكلّ عامٍ من أعوامي التي مضت، تصلح لمقتل ربيع كحيل وروي حاموش ورولا يموت وسارة الأمين. وإذا لم نتابع نضالنا ونزيلهم «كلّن يعني كلّن» عن عروشهم ستتكرّر القصّة.
هذا علاء بو فخر أصبح صورة.
وهذا مجرمٌ جديدٌ مستقوٍ بسلاحه قرّر أن يفعل ما يفعله الله وينهي عمر شخص.
وهذا ابن علاءٍ سيربى من دون أب.
وهذه زوجة علاء ستعيش على أمل أن ينسى طفلها ما رأى.
يؤلمني أن أرى من بين أصدقائي من هو خائفٌ ومَن هو مستقوٍ. من قتل والدي ابنُ طائفته، ومن حمى القاتلَ زعيمُ الطائفة. لم يستطع حسيب أن يعيش خارج لبنان فقتله من بات يُطلق عليه لقب «أزعر» و«عنصر متفلّت». سيكبر أطفال علاء بو فخر ليعيشوا ما عشتُه، ليجدوا أنفسهم في كنف ممثّلين عن طائفةٍ وُلدوا فيها، إمّا كرّستْ زعامتَها على دم والدهم أو ضحّت به «حقناً للدماء» وحرصاً على عدم الانجرار للفتنة.
قبل أشهر، رأينا الزعماء يجتمعون بتسويةٍ على دماء علاء أبو فرج، ومن بين الخمسة الحاضرين أربعةٌ من زعماء الحرب الأهلية.
دعونا نصرخ ونؤكّد أنّ ما بعد ١٧ تشرين ليس كما قبله، وأننا لن نقبل بأن يكون التعامل مع قتْل علاء بو فخر كما حصل مع الآخرين.
كلّن يعني كلّن لأنّ ماضيَهم يقضي على حاضرنا!
كلّن يعني كلّن لأنّ حاضرَهم يقضي على مستقبلنا!
كلّن يعني كلّن لأن مستقبلَهم ومستقبلَ أولادهم أهمّ من حاضرنا!
القصة أكبر من عملية قتلٍ بدمٍ بارد وأكبر من مسارعة الزعيم لقطف اللحظة، إنها قصة نهج، قصة تاريخ، قصة ولاية، وآن الأوان لنلفظَهم جميعاً كلّن يعني كلّن وإلّا فسنجد أنفسنا داخل البلاد نسير نحو ماضينا، على قاعدة أنّ منّا من قضى نحبه ومنّا من ينتظر!
حسيب رقمٌ سقط، تماماً كغيره من اللبنانيين الذين يسقطون يومياً ويتعامل الإعلامُ معهم كسبقٍ صحافيّ قبل أن ينساهم.
لا أعلم مَن الأوفر حظّاً، أنا أم أطفال علاء بو فخر؟ أنا لم يتسنّ لي التعرّف إلى والدي، أمّا هم ففعلوا. أنا لا أملك فيديو لعملية القتل الوحشية، أما الجريمة المرتكبة بحقّ والدهم فحصلت أمام عيونهم وجابت الفضاء الإلكترونيّ. دعوني أعتقدُ أني أوفر حظاً لأنِّي لم أرَ النّاس يشاهدون والدي يُقتل من دون محاولتهم الدفاع عنه خوفاً على أرواحهم، وأنهم أوفر حظاً بالأمور الأخرى وأتأمّل أن يكتمل هذا الحظّ بأن نبقى موحّدين ضدّ كلّن يعني كلّن لنبنيَ بلداً يحاكِم من قتَلَ والدَهم!
سلّم علاء بو فخر على جورج الرّيف وروي حاموش اللي ما لحق يترك وراه أطفال بس ترك إم محروق قلبها. عيّطوا لبعض حاولوا تلتقوا باللّي سبقوكم، اعملوا مجموعة هونيك، وانطرونا مين بيعرف من هلّق لتنجح ثورتنا يمكن نلحقكم بأي لحظة!
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.