الدكتور جورج حاتم (١٩١٠ - ١٩٨٨) وبناءً على اسمه الصينيّ هو الدكتور ما هايدي. وُلد شفيق جورج حاتم في بفالو، بولاية نيويورك العام ١٩١٠ من والدَين لبنانيّين دفعهما الفقر للهجرة والعمل في المصانع. انتقلت الأسرة إلى نورث كارولاينا بحثاً عن عملٍ أفضل وأرسلتْ جورج إلى المدرسة ومنها إلى جامعة نورث كارولاينا. كان جورج تلميذاً استثنائيّاً ونال منحةً لدراسة الطبّ في الجامعة الأميركيّة في بيروت، انتقل منها إلى جامعة جنيف، وهي من أوائل الجامعات البحثيّة في العالم.
بعد التخرّج، قرّر هو وزميلاه لازار كاتز وروبرت ليفنسون السفر إلى الصين لتعلّم المزيد عن الأمراض الاستوائيّة ومعالجة المحتاجين، فقرّر الزملاء الثلاثة قضاء سنتين في الصين ومن ثمّ العودة إلى بلدهم وفتْح عيادات وبدء ممارسة مهنتهم.
اكتشف الأطبّاء الثلاثة في شانغهاي ما لم يطابق توقّعاتهم: لم تكن المشكلات الصحّيّة ناجمة عن الأمراض والأوبئة قدْر ما كانت ناجمة عن ندرة الطعام والكساء. وكانت ظروف العمل تقتل الأطفال في المصانع. العاملون في مصانع التغليف الكهربائيّ يعملون من دون أيّ وقاية، أيديهم مغطّاة بالتقرّحات المفتوحة لتعرّضهم للزئبق ويموتون غالباً عند بلوغ الرابعة عشرة. والأطفال، من الجنسين، في حلالات الحرير ينسلون خيوط الفيالج في مغاطس المياه الغالية بأيديهم العارية. وثمّة أطفال يخدمون بما هم مزيّتون، يختارون بين قصار القامات ليمكنهم تسلّق الآلات وهي دائرة لتزييت المفاصل والعتلات. وغالباً ما تُبتر للواحد منهم ذراع أو قدمٌ أو إصبع، هذا إن لم يخسروا حياتهم برمّتها.
كانت الصين في غمرة مجاعةٍ سوف تقضي على ستّة ملايين إنسان. والإمدادات شحيحة. فتطوّع حاتم وزملاؤه للمساعدة في الأبحاث الطبّيّة ومحاولات تحسين الأوضاع الصحّيّة. أحرزوا بعض التقدّم لكنْ دهمتْهم الحرب وكان اليابانيّون يتقدّمون جنوباً فغادروا شانغهاي.
وقد التقى سوونغ تشينغ - لينغ، أرملة صن يات - سن، أوّل رئيس للجمهوريّة الصينيّة المؤقّتة، التي حصّلتْ دراستها في الولايات المتّحدة وتفرّغت للعمل على جلب المساعدات الأجنبيّة للشعب الصينيّ - من أدويةٍ، ومساعداتٍ غذائيّة. بعد وفاة زوجها واستيلاء تشانغ كاني تشيك على قيادة الكيومنتانغ، واندلاع الحرب الأهليّة بين الشيوعيّين والقوميّين، انحازتْ سوونغ تشينغ - لي إلى صفّ الشيوعيّين.
خلال ثلاث سنوات، ١٩٣٣ - ١٩٣٦، كان جورج حاتم يتابع الصراعات في الصين تحت الاحتلال اليابانيّ وعلى خلفيّة صعود الفاشيّة في أوروبا، فقرّر إمّا السفر إلى إسبانيا للقتال إلى جانب الجمهوريّين وإمّا الارتقاء شمالاً والانضمام إلى القوّات الشيوعيّة. اتّخذ القرارَ الأخير، وانتقل بمساعدة سوونغ تشينغ - لينغ من المناطق التي يسيطر عليها القوميّون في الجنوب إلى يانآن ومعسكرات الشيوعيّين في الشّمال.
في يانآن، باشر فوراً في تقديم المساعدة الصحّيّة. وكان ماو زِدونغ من أوائل مرضاه. وكان ثمّة شائعاتٌ تقول إنّ ماو يُحتضر فكلّف حاتم، وقد تسمّى «ما هايدي»، بأن يؤكّد الشائعة أو ينفيَها. حقيقة الأمر أنّ ماو كان في صحّة ممتازة لكنْ ساد الشعور بأنّ صدقيّة النّبأ سوف تزيد إذا جاء من مصدرٍ حياديٍّ، مثل طبيب غربيّ. صدَق ذلك الشعور وجرى تبديد الشائعة. وعمل حاتم لفترة بما هو الطبيب الخاصّ للقائد الشيوعيّ.
كرّس حاتم حياته للعمل الطبّيّ في مستشفي يانآن، ورافق الجيشَ الثامن إلى شانكسي لتأسيس خدمةٍ طبّيّة
ثمّ عاد ليرأس مستشفى يانآن. في العام ١٩٣٧ انضمّ إلى عضويّة الحزب الشيوعيّ الصينيّ. وساعد في جلب عدّة أطبّاء أجانب للمساعدة في العمل الطبّي.
في العام ١٩٤٢، انتقل إلى مستشفى السلم الدوليّ في يانآن. وفي ١٩٤٦ كان في عداد وفد الحزب الشيوعيّ الذي تفاوض في بيجينغ مع ممثّلين عن القوميّين وحكومة الولايات المتّحدة لتنظيم تفكيك البُني التحتيّة والإداريّة للاحتلال اليابانيّ وإعادتها للسيادة الصينيّة.
في العام ١٩٤٩، صار ما هايدي مواطناً صينيّاً. بل كان أوّل مواطنٍ أجنبيّ يُمنح الجنسيّة الصينيّة. في ذلك العام أرسله ماو زدونغ إلى يونان، جنوب غرب الصين، لتأسيس نظامٍ طبيٍّ للعناية بالأقلّيّات وقد عانت من الإهمال الشديد، وكان بعضها يعيش في حالة عبوديّة فعليّة. عند عودته إلى العاصمة، شرَع ما هايدي في إرساء البنية التحتيّة للمسيرة الطويلة للصين نحو تحديث العناية الصحيّة. في العام ١٩٥٠ تولّى مراكز حكوميّة متعدّدة: عيّن مستشاراً لوزارة الصحّة وعمل بنوع خاصّ في تأسيس مراكز بحثيّة وعلاجيّة متخصّصة بالأمراض الجلديّة والتناسليّة، وهو اختصاصه الأصليّ، وعُني أيضاً بتشخيص أسباب مرض الجَرَب وسُبل مكافحته. وقد أسهم إسهاماً كبيراً في القضاء على هذيَن الوباءين. ونال عدّة جوائز دوليّة لإنجازاته الباهرة في مكافحة الأمراض التناسليّة وفي التقدّم الذي حقّقه في معالجة وباء الجرَب.
العام ١٩٨٠، انتُخب جورج حاتم عضواً في اللجنتين الدائمتين السادسة والسابعة التابعتين للّجنة المركزيّة للحزب الشيوعيّ الصينيّ إلى حين وفاته العام ١٩٨٨. وهو مدفونٌ في مقبرة بابوشان الثوريّة في بيجينغ وقد أقيم له نصبٌ تذكاريّ في ساحة بلدته حمّانا بجبل لبنان.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.