قامت التنظيمات النقابيّة في السودان بشكلها الحديث بدءاً بـ«هيئة شؤون العمّال بالسكّة الحديد» وتطوّرتْ بعدها وجرى الضغط على المستعمِر البريطانيّ ليعترف بحقّ التنظيم النقابىّ فصدر أوّلُ قانونٍ للعمل والعمّال ولائحة تسجيل النقابات في العام ١٩٤٨. بذلك اكتسبت الحركة النقابيّة السودانيّة شرعيّتها واستمدّتْ قوّتَها، فعُقد أوّل مؤتمرٍ عمّالي في ١٨ أيّار / مايو ١٩٤٩ وأقرّ دستور نقابات العمّال وتُوِّج ذلك بقيام «الاتّحاد العام لنقابات عمّال السودان» فى تشرين الثاني / نوفمبر ١٩٥٠ وتمّ تشكيل مكتبه التنفيذيّ من ٢٥ عضواً. واستمرّ العمل بهذا القانون حتى العام ١٩٦٠ وأجريتْ عليه تعديلاتٌ في عهد الرئيس الأسبق الفريق إبراهيم عبّود. وبعد ثورة تشرين الأوّل / أكتوبر١٩٦٤ تمّ الرجوع لقانون ١٩٤٨ ليُعدّلَ في العام ١٩٦٦ ويستمرّ العملُ به حتى ١٩٦٩ حين ألغيَ ذلك القانون بقيام ثورة أيّار / مايو١٩٦٩.
في حزيران / يونيو١٩٧١ صدر «قانون نقابات العمّال» وعُدّل فى آذار / مارس ١٩٧٣ وأسس بموجبه أوّل اتّحاد للموظّفين والمهنيّين في العام نفسه. وفى ١٩٧٧ أجريتْ بعضُ التعديلات على القانون لتلافى القصور والعيوب حيث عرِّف القانونُ العاملَ والموظف كلاً حسب مهنته وُسمّي «قانون نقابات العاملين»، وأصبح عدد النقابات العمّالية العامّة ٦٧٠ نقابة فضلاً عن نقابات الموظّفين والمهنيّين والمعلّمين.
في نيسان / أبريل ١٩٨٥ اندلعت الانتفاضة الشعبية الشهيرة، وعُدّل القانونُ سنة ١٩٨٧ فتوحّدت بموجبه لائحة أسُس التكوين النقابيّ لتشمل العمّال والموظّفين والمهنيّين والمعلّمين بعد أن كانتْ لائحتين منفصلتَين فأصبحتْ نقابات العمّال (وعددها ٤٦) ونقاباتُ الموظفين (وعددها ٣٣) نقاباتٍ شرعيّة وقانونيّة خلال فترة ١٩٨٥ - ١٩٨٩.
تكوّن «الاتّحاد العامّ للمهنيّين والفنّيين» في شباط / فبراير ١٩٨٨ بموجب قانونٍ صدر العام ١٩٨٧، وكانت الاتّحادات القائمة آنذاك هي: اتّحاد العمّال، اتّحاد المهنيّين والفنّيّين، اتّحاد الموظّفين، اتّحاد المعلّمين. وهناك أيضاً: اتّحاد المزارعين واتّحاد أصحاب العمل، أمّا نقابة المحامين فقد تأسّست بموجب قانون خاص بالاتّحاد. اهتمّ اتّحاد المهنيّين والفنّيين وقْتها بالمطالب والحقوق النقابيّة من خلال المذكّرات الموجّهة إلى رئيس مجلس الوزراء والتي تضمّنتْ أبرز المطالب وهي: رفض الفصل التعسّفي والتشريد، المطالبة باستصدار قانون النقابات، سَنّ قانونٍ للضمان الاجتماعيّ، إبداء الرأي في السياسات الاقتصاديّة للحكومة.
تجمّع المهنيّين: البدايات
يعرِّف التجمّع نفسه بأنّه «امتداد لتاريخٍ طويلٍ للمهنيّين السودانيّين ومحاولات لم تستمرّ بسبب تضييق السلطة وحرمان المهنيّين من حقّ التكوّن النقابيّ»، لافتاً إلى أنّه «كانت هنالك محاولاتٌ تاريخيّة عديدة لتكوين أجسامٍ للمهنيّين تُدافع عنهم وتعمل علي تحسين وضْعهم، أبرزُها تجربة تكوين جسمٍ تحالفيٍّ للمهنيّين في ٢٠١٢ ثم ٢٠١٤».
ويضمّ تجمّعُ المهنيّين عدداً من اللجان والجمعيّات والتجمّعات، بينها ميثاقٌ وأهدافٌ مشترَكة تمّ إعلانُها في منتصف عام ٢٠١٨، مع وجود عدد كبيرٍ من الأجسام المهنيّة التي أعلنتْ دعمها للتجمّع في انتظار الانضمام الرسميّ إليه. أصبح «تجمّع المهنيّين» الاسمَ الأكثر تداولاً في الحياة السياسيّة السودانيّة بعدما قاد هذا الكيانُ «غير المرئيّ» أضخمَ ثورةٍ شعبيّةٍ في تاريخ السودان منذ أكثر من قرن، أطاحتْ حكماً دكتاتوريّاً امتدّ ٣٠ عاماً.
شهد العامُ ٢٠١٢ وتحديدا شهر تموز / يوليو تحرّكاً لتكوين جسمٍ يضمّ المهنيّين ويوحّد مطالبهم، فانعقد أوّل اجتماعٍ لهذا الغرَض في عيادة الطبيب أحمد عبد الله الشيخ، نقيب نقابة أطبّاء السودان الشرعيّة، بمدينة أم درمان، حضره ممثّلون عن لجنة المعلّمين ونقابة أطبّاء السودان الشرعيّة. بدأ التجمّع بأحدَ عشرَ جسماً وعَقد عدّة ندواتٍ وورش عملٍ بين الأعوام ٢٠١٢ - ٢٠١٤.
التحرّك من أجل المطالب الشعبيّة
أواخر ٢٠١١، أعيد بناءُ تجمّع المهنيّين السودانيّين بعد الانفصال. وشارك في اجتماعاته الأولى الأطبّاءُ، المعلّمون، المهندسون، الصيادلة، أساتذة الجامعات، الزراعيّون، البياطرة، الصيارفة، المُراجعون، الطيران المدنيّ والصحافيّون. وعُقد أوّل اجتماعٍ لممثّلي هذه الكيانات في ٤ تموز / يوليو ٢٠١٢ وعقد اجتماعٌ لمجلس المهنيّين يوم ١٥ كانون الاوّل / ديسمبر ٢٠١٢ وتم انتخَاب مكتب تنفيذيّ باشرَ نشاطه بإذاعة البيانات وعقْد الندوات وتنظيم الورش. وفي تموز / يوليو ٢٠١٢ انعقد الاجتماعُ التأسيسيُّ لنقابة أطبّاء السودان الشرعيّة وتمّ الإعلان عن تَوافق الاجتماع على أبرز أهدافها وهي: معارضةُ سياسة خصخصة القطاع الصحيّ، ورفْض سياسات النظام الاقتصاديّة التي أدّت الى تدنّي الاوضاع المعيشيّة وارتفاع أسعار الدواء.
تمّ إعدادُ مسوّدة الميثاق ولائحته والهيكل التنظيميّ للتجمّع في كانون الأوّل / ديسمبر ٢٠١٤، واختير مكتبُه التنفيذيّ، وعَقَدَ عدّة ندواتٍ وورشات عملٍ تحت عناوين «الحرّيّات النقابيّة وقوانين العمل» و«من أجل نقاباتٍ ديمقراطيّة حرّة ومستقلّة» حذّر فيها من خطورة هجرة الكوادر المؤهَّلة والمدرَّبة وأثَرها في الأوضاع التعليميّة والصحيّة والاجتماعيّة والثقافيّة، ووصف فيها بيئةَ العمل والأجور بالطاردة، مؤكّداً على الشروع في استرداد النقابات ومناهَضة فصل المهنيّين وتشريدهم. إلى هذا، شرَعَ التجمّع في الإعداد لمهرجانٍ كبيرٍ في بدايات ٢٠١٦ كان مقرَّراً أنْ ينعقد بدار حزب الأمّة بأم درمان يعلن من خلاله انتقال التجمّع إلى النشاط الجماهيريّ. لكنّ المهرجانَ لم ينعقد.
في ٢٩ تموز / يوليو ٢٠١٨ أعلِن في الصحف عن قيام جسمٍ تنسيقيٍّ جديد باسم «تجمّع المهنيّين السودانيّين» متكوّنٍ من ستّة أجسامٍ نقابيّةٍ معارضة. وحدَّد التجمّعُ أنّه «يسعى إلى تحقيق أهدافٍ ومطالبَ مشتركة عبْر نشاطاتٍ وآليّاتٍ سلميّة». وطلب من كلّ أصحاب المهَن المختلفة الانتظامَ في «تجمّعاتٍ» لتحقيق هدف التجمّع، والأجسامُ المشاركة هي: لجنة الأطبّاء المركزيّة، نقابة أطبّاء السودان الشرعيّة، تجمّع أساتذة جامعة الخرطوم، لجنة مبادرة استعادة نقابة المهندسين، رابطة البياطرة الديمقراطيّين، والمحامون الديمقراطيّون، وانضمّت لاحقاً شبكة الصحافيّين السودانيّين ولجنة المعلّمين.
وفي الشهر ذاته، افتتح التجمّع حملتَه من أجل المطالب النقابيّة والشعبيّة. نفّذ عددٌ من ممثّليه وقفةً احتجاجيّة أمام مبنى «الاتّحاد العامّ لنقابات عمّال السودان» الذي رفَض تسلّم مذكّرة التجمّع المطالِبة برفع الحدّ الأدنى للأجور وتحسين الأوضاع المعيشيّة. وأصدرت اللجان الإعلاميّة للمعلّمين والأطبّاء في ١٨ كانون الأوّل / ديسمبر بياناتِ تعبئةٍ للمشاركة في الوقفة أمام المجلس الوطنيّ. وأمام رفض الاعتراف بالتجمّع وتجاهل مطالبه، كانت أوّل فاعليّة في ٢٥ كانون الأول / ديسمبر سار فيها المهنيّون والعمّال في موكبٍ إلى القصر الجمهوريّ لمطالبة الرئيس بالتنحّي عن السلطة.
كانتْ أهداف التجمّع عندما تأسّس هي تكوين تجمّع يحظى بالثقة لقيادة المعارضة عوضاً عن الأحزاب التقليديّة، وإيجاد بديلٍ للنّقابات الرسميّة التي يسيطر عليها النظامُ، فضلاً عن إيجاد أداةٍ لتنفيذ العصيان المدنيّ والإضراب كوسيلةٍ سلميّةٍ للتغيير السياسيّ. وقد أكّدتْ انّ جماهيريّةَ التجمّع وصِفته التمثيليّة لم يستمدّها من عضويّةِ مكوّناته فقط بل من جماهير الشعب. وقد حملتْ أهدافَه والتزمتْ أسلوبَه السلميَّ في النضال من خلال التظاهرات المليونيّة والاعتصامات والإضرابات العامّة.
في الخلاصة، فإنّ قيادة تجمّع المهنيّين السودانيّين قدأكّدت في الممارسة صحّة تكتيك الانتقال من القضيّة الاجتماعيّة الى القضيّة السياسيّة. إلى هذا، نجح التجمّعُ بامتياز في الربط بين النشاط العلنيّ والعمل السرّيّ واستطاع تأمين حركة قياداته وتوسيعَها، لذلك لم تعرقل الاعتقالات نشاطاتِه. والآن، يُعتبر تجمّع المهنيّين مكوّناً أساسيّاً من قوى إعلان الحرّيّة والتغيير التى تضمّ «قوى الإجماع الوطنيّ» (أحزاب البعث والاشتراكي الشيوعي) و«قوى نداء السودان» (حزب الأمّة، الحركة الشعبيّة، الحركات المسلّحة) تجمّع المهنيّين (الأطبّاء، المهندسين، الصيادلة، البياطرة، ضبّاط الصحّة، المحامين) ويُعدّ الجناح السياسيّ والقائد الأساسيّ للشارع السودانيّ، والمشارك في وفد التفاوض مع المجلس العسكريّ.
الهيكل التنظيمي لتجمّع المهنيّين
الرئيس بابكر محمد الحسن، نقابة أساتذة الجامعات، السكرتارية د. عبير بشير، نقابة أطبّاء الشرعيّة، المكتب التنظيمي، د. تهامي نقابة أطبّاء السودان الشرعية، أحمد الربيع عن لجنة المعلّمين، والإعلان الخاص بالتجمع، عادل كلر. توقّف عمل التجمّع بعد إقامته للورش والندوات لفترة طويلة إلى أن عاد لنشاطه في كانون الثاني / يناير٢٠١٨.
المُكوّنون لتجمّع المهنيّين
بدأ التجمّع بضمّ ستّ لجان ومن ثَمّ أصبح ثمانيَ، والآن يضمّ الأجسام التالية، ومازالتْ طلبات الانضمام تتزايد: لجنة أطبّاء السودان المركزيّة، لجنة المعلّمين، التحالف الديمقراطيّ للمحامين، شبكة الصحافيّين السودانيّين، رابطة الأطبّاء البياطرة، لجنة الإنتاج الحيوانيّ، تجمّع أساتذة الجامعات، نقابة أطبّاء السودان الشرعيّة، تجمّع الصيادلة المركزيّة، مبادرة استعادة نقابة المهندسين السودانيّين، - تجّمع التشكيليّين السودانيّين، جمعيّة اختصاصيّي الإنتاج الحيوانيّ، تجمّع ضبّاط الصحّة، المختبرات المركزيّة. وتمّتْ مؤخّراً إجازة اللجان الآتية: لجنة التمريض، لجنة الأشعّة، لجنة الأرصاد الجوّيّة، لجنة المحاسبين.
مُعتقلو تجمّع المهنيّين
بدأتْ أجهزة الأمن السودانيّة التحقيق مع قياديّي التجمّع من خلال رسائل تبث عبر وسائط الاتصال الاجتماعية، فكان تضييق الخنّاق على عدد من الناشطين السياسيّين ونشطاء المجتمع المدنيّ في محاولة للوصول إليهم. في ٤ كانون الثاني / يناير ٢٠١٩ ظهر عضوان من التجمّع هما د. محمد يوسف المصطفى ود. ناجي الأصم عبر الوسائط معلنَين عن نفسيهما عضوين في تجمّع المهنيّين، وعلى الفور تمّ اعتقالهما وبقِيا إلى أن أطلق سراحهما في ١١ نيسان / أبريل بعد نجاح الحراك والمطالبة بتنحّي الرئيس البشير. ضمّتْ قائمة المعتقَلين والمعتقلات من التجمّع عدداً من الأعضاء في مختلف النقابات وهم:
د. محمد ناجي الأصمّ (اللجنة المركزيّة لأطبّاء السودان)
أحمد الربيع (لجنة المعلّمين)
م. فيصل بشير (مُبادرة استعادة نقابة المهندسين)
طه عثمان إسحق (التحالف الديمقراطي للمحامين)
إبراهيم حسب الله (النقابة الشرعيّة لأطبّاء السودان)
د. نجيب نجم الدين (النقابة الشرعيّة لأطبّاء السودان)
د. أحمد الشيخ (النقابة الشرعية لأطبّاء السودان)
د. الفاتح أحمد السيّد (المدير الطبّي لمستشفى تُقي)
د. إحسان فقيري (اللجنة المركزيّة للأطبّاء).
المراجع
للمزيد انظر: الواثق كمير، «الحركة النقابيَّة السودانيَّة وثورة أكتوبر. هل رَضِيَت مِنَ الغنيمة بالإياب؟»، صحيفة حريّات الإلكترونيّة، ١٢ / ١١ / ٢٠١٤،
بتصرف من: فيصل بشير بخيت - توثيق غير منشور عن حركة المهنيّين السودانيين ٢٠٠٥ - ٢٠١٨
مقابلة مع د. إحسان فقيري، لجنة الأطبّاء الشرعيّين، حزيران / يونيو ٢٠١٩
مقابلة مع م. فيصل بشير، مبادرة استعادة نقابة المهندسين السودانيّة
محمد علي خوجلي، تجمّع المهنيّين السودانيّين جذوره وظيفته وطبيعته،
توثيق غير منشور ٢٠١٩
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.