العددان ١٨-١٩ خريف ٢٠١٧ / شتاء ٢٠١٨

أشهر تحقيق صحافيّ عن ثورة أكتوبر

«عشرة أيّام هزّت العالم»

ولادة روسيا الجديدة

«إنّني أعلن افتتاح الجلسة الأولى للمؤتمر الثّاني لسوفيات مندوبي العمّال والجنود»!

جرى انتخاب مجلس الرّئاسة وسط الجلبة والحراك. فأعلن أفانيسوف أنّ البلاشفة والاشتراكيّين الثّوريّين اليساريّين والمناشفة الأمميّين قد اتّفقوا على اعتماد التّمثيل النّسبي في مجلس الرّئاسة. وانتصب بعض المناشفة محتجّين فصاح بهم جنديّ ملتحٍ: «تذكّروا ماذا فعلتم بنا نحن البلاشفة عندما كنا أقلّية»! النّتيجة ١٤ بلشفيّاً، ٧ اشتراكيّين ثوريّين ثلاثة مناشفة ومنشفيّ أمميّ من جماعة غوركي. أعلن هندلمان، باسم جناحي الاشتراكيّين الثوريّين اليمينيّ والوسطيّ، رفضهما الاشتراك في مجلس الرئاسة، وأيّد قوله خينشوك باسم المناشفة، وأعلن المناشفة الأمميّون أنّهم أيضاً لن يشتركوا في مجلس الرّئاسة إلّا إذا جرى التّحقيق حول بضعة أمور.

تصفيقٌ متقطّعٌ وزعيق، وقال صوت: «أيّها المرتدّون، تعتبرون أنفسكم اشتراكيّين؟!». وطلب أحد مندوبي أوكرانيا مقعداً فأعطي له. ثمّ انسحبت «التسايكا القديمة»، وظهر في مكانها تروتسكي، كامنييف، لونا تشارسكي، مدام كولانتاي، ونوغين. وهبّت القاعة راعدة. كم حلّق هؤلاء البلاشفة! كانوا زمرةً مكروهة ومضطهدة منذ أربعة أشهر، وها هم الآن في هذا المكان الرّفيع يديرون دفّة روسيا العظيمة في عزّ ثورتها!

وقرأ كامنييف جدول الأعمال: أوّلاً، تنظيم السّلطة، ثانياً، الحرب والسّلم، ثالثاً، الجمعيّة التّأسيسيّة. وقام لوزوفسكي معلناً أنّ مكاتب جميع الفرقاء تقترح الاستماع إلى تقرير سوفيات بتروغراد ومناقشته، ثمّ إعطاء حقّ الكلام لأعضاء «التسايكا» والأحزاب المختلفة قبل الانتقال إلى موادّ جدول الأعمال.

وفجأةً ترامى صوتٌ جديد أعمق من جلبة الجمهور، ملحاحاً، مقلقاً: إنّه دويّ المدافع الأصمّ. ونظر النّاس بقلقٍ نحو النّوافذ المغبّشة وامتلكهم نوعٌ من الحمّى، طلب مارتوف حقّ الكلام صائحاً بصوتٍ أبحّ: «الحرب الأهليّة قد بدأت، أيّها الرّفاق يجب أن تكون أوّل مسألة هي مسألة تسوية الأزمة بطريقةٍ سلميّة. يجب أن نناقش بسرعة وسيلة تفادي الحرب الأهليّة من زاوية مبدئيّة وسياسيّة. إنّ إخواننا يُقتلون في الشّوارع! في هذه اللّحظة نجد أنّ أحد الأحزاب الثوريّة يحلّ مسألة السّلطة بواسطة انقلاب عسكريّ وكلّ هذا قبل افتتاح مؤتمر السوفيات» وعجز خلال برهةٍ عن إسماع صوته بسبب الضّجّة: «يجب على جميع الأحزاب الثّوريّة أن تواجه الحقيقة! المسألة الأولى المعروضة أمام المؤتمر هي مسألة السّلطة، وهذه المسألة يجري حلّها الآن بقوّة السّلاح في الشّوارع... يجب أن ننشئ سلطةً تعترف بها جميع القوى الديمقراطيّة. وإذا كان المؤتمر يريد أن يعبّر عن الدّيموقراطيّة الثّوريّة فلا يجوز أن يقف مكتوف الأيدي أمام نشوب الحرب الأهليّة التي ستكون نتيجتها انفجاراً خطراً للثّورة المضادّة... إنّ إمكان الوصول إلى مخرجٍ سلميّ هو تشكيل سلطة ديمقراطيّة موحّدة... يجب أن ننتخب وفداً ليتفاوض مع جميع الأحزاب والمنظّمات الاشتراكيّة الأخرى»...

دويّ المدافع الأصمّ ما زال يسمع بانتظام من خلال النّوافذ، والمندوبون يتصايحون. وهكذا، كانت روسيا الجديدة تولد بقذف المدفعيّة في العتمة وبالخوف والحقد والإقدام الّذي لا يُحدّ.

ريازانوف يصعد السّلّم الأمامي مفسّراً بنوعٍ من الذّعر المرح أنّه لا يعرف شيئاً عن الاقتصاد مع أنّه عيّن مفوّضاً للتّجارة. وفي مقهى الطّابق العلويّ يجلس رجلٌ وحيداً في إحدى الزّوايا مرتدياً معطفاً من وبر الماعز وثياباً - كنتُ سأقول «ثياباً نام فيها» ولكنّه لم ينم طبعاً - وله لحية لم تحلق منذ ثلاثة أيّامٍ على الأقلّ. وكان يدوّن أرقاماً على مغلّفٍ وسخٍ بينما يعضّ قلمه. هذا هو مينجنسكي، وزير الماليّة، وكلّ مؤهّلاته هو أنّه كان كاتباً في مصرفٍ فرنسيّ. وهؤلاء الّذين يهرولون في البهو خارجين من مكتب اللّجنة العسكريّة الثّوريّة وهم يكتبون على قصاصات ورق، هؤلاء هم المفوّضون المرسلون إلى جميع أنحاء روسيا ليحملوا الأنباء ويناقشوا ويصارعوا مستعملين أيّ حججٍ أو أسلحة يقعون عليها.

bid1819-p48-49.jpg


اجتماع سوفيات بتروغراد في العام ١٩١٧

كان مقرّراً أن يُعقد المؤتمر في السّاعة الواحدة بعد الظّهر، ولكنّ القاعة الكبيرة امتلأت بالنّاس قبل ذلك بكثير. في السّاعة السّابعة لم يكن أعضاء مجلس الرّئاسة قد وصلوا. البلاشفة والاشتراكيّون الثوريّون اليساريّون يعقدون اجتماعاً في الغرفتين المخصّصتين لهما. لينين وتروتسكي يناضلان طوال بعد الظّهر ضدّ المساومة، فقد كان قسمٌ كبيرٌ من البلاشفة على استعدادٍ للتّراجع إلى حدّ تشكيل حكومة تضمّ جميع الاشتراكيّين. صاحوا: «لا نستطيع الصّمود! يوجد كثيرون ضدّنا. ليس لدينا رجال. سوف نُعزل وينهار كلّ شيء». وكان بين هؤلاء كامنييف وريازانوف وغيرهما.

إلّا أنّ لينين، وتروتسكي إلى جانبه، ظلّا صامدين كالصّخر: «فليقبل المساومون ببرنامجنا لنسمح لهم بالاشتراك في الحكم! لن نتراجع قيد شعرة. وإذا كان بعض الرّفاق لا يملكون الشّجاعة ولا الإرادة الكافية ليقْدموا على ما نقْدم عليه، فلينسحبوا مع بقيّة الجبناء والمساومين! سوف نستمرّ على ما نحن عليه يدعمنا العمّال والجنود».

في السّاعة السّابعة والخمس دقائق جاء من يخبر أنّ الاشتراكيّين الثّوريّين اليساريّين قرّروا البقاء في «اللجنة العسكريّة الثوريّة»، فصاح لينين: «ألم أقل لكم؟ لقد تبعونا!».

وبعد برهة، وبينما كنّا جالسين إلى طاولة الصّحافة في البهو الكبير اقترح عليّ أحد الفوضويّين الّذين يحرّرون في الصحافة البرجوازيّة أن نذهب لنستطلع ماذا حلّ بمجلس الرّئاسة. لم نجد أحداً في مكتب «التسايكا» ولا في مكتب سوفيات بتروغراد. وتجوّلنا من غرفةٍ لغرفة في «سمولني» الواسعة. ولم يكن أحدٌ يعرف أنّه يمكن أن نجد الهيئة التي ترأس المؤتمر. وفيما كنّا نتجوّل، بدأ رفيقي يصف نشاطه الثوريّ السّابق وفترة نفيه الطّويلة والسّعيدة في فرنسا. وأسرّ لي بأنّ البلاشفة أناس سوقة وأقظاظ وجهَلة لا يملكون أيّ حساسيّة جماليّة. كان نموذجاً حقيقيّاً عن الإنتلجنسيا الروسيّة. وصلنا إلى الغرفة رقم ١٧، مكتب اللّجنة العسكريّة الثّوريّة، ووقفنا وسط حركة ذهاب وإياب مذهلة. فتح الباب وخرج منه رجلٌ مربوع القامة مسطّح الوجه يرتدي بزّة عسكريّة بدون أشرطة، وبدا باسماً، ولكن سرعان ما تبيّن لنا أنّها لم تكن سوى بسمة الإرهاق الشّديد. إنّه كريلنكو. فأطلق صديقي الوسيم حسنُ الهندام صيحة فرحٍ وتقدّم وهو يمدّ يده ويقول: نيقولاي فاسيللييفيتش. ألم تعرفني يا رفيق؟ كنّا في السجن معاً».

فقام كريلنكو وركّز ذهنه وبصره ثمّ أجاب وهو ينظر إليه من فوق لتحتٍ بكثيرٍ من الودّ: «أكيد. أنتَ س. مرحباً! (وتعانقا). ماذا تفعل في هذه المعمعة؟» سأل وهو يشير بيده.

«آه! أنا مجرّد متفرّج. يبدو أنّكم أحرزتم نجاحاً باهراً».

«إي». أجاب كريلنكو بحزم، «الثورة البروليتاريّة حقّقت نجاحاً عظيماً» ثمّ قهقه قائلاً: «على كلّ حال، ربّما نلتقي في السجن مرّةً ثانية!».

وعندما خرجنا إلى الممشى عاد صديقي إلى شروحه: «أنا من أتباع كروبوتكين. إنّنا نعتبر أنّ الثّورة قد أخفقت إخفاقاً كاملاً لأنّها لم تتمكّن من إثارة وطنيّة الجماهير. وهذا يبرهن، طبعاً، على أنّ الشعب غير مستعدّ للثّورة».

كانت الساعة تشير إلى التّاسعة إلّا عشرين دقيقة عندما أعلنت موجة راعدة من الهتاف قدوم أعضاء مجلس الرّئاسة ومعهم لينين - لينين العظيم. رجلٌ مربوع القامة، قصيرها، ذو رأسٍ أصلع مدوّرٍ يغوص بين كتفيه، وعينين صغيرتين وأنف دقيق وفم ممتلئ وذقن كبيرة حليقة بدأت تنمو عليها لحيته الشّهيرة. كان يرتدي ثياباً رثّة، وكان سرواله كبيراً عليه. ليس مهيباً ليكون معبود الجماهير، ولكنّه يحظى بحبٍّ واحترام لم يحظَ بمثلهما إلّا القليل من القادة في التّاريخ. إنّه نوعٌ غريبٌ من القادة الشّعبيّين، قائد بفعل قوّة فكرة ليس إلّا. لم يكن بهيّ الطّلعة ولا مرحاً ولا غريب الأطوار، كان منكفئاً على نفسه لا يساوم، ويملك مقدرة هائلة على تفسير أعمق الأفكار بعباراتٍ بسيطة، وتحليل الأوضاع، يجمع الشّجاعة الفكريّة البالغة إلى حدّة الذّكاء.

كان كامنييف يقرأ تقريراً عن أعمال «اللّجنة العسكريّة الثوريّة»: إلغاء عقوبة الإعدام في الجيش، إعادة الحقّ في الدعاية الحرّة، إطلاق سراح الضبّاط والجنود الّذين اعتُقلوا بتهمة ارتكاب جرائم سياسيّة، أوامر بإلقاء القبض على كرنسكي وبمصادرة إمدادات الأغذية من مخازن الغذاء الخاصّة. تصفيق حادّ.

عاد ممثّل «العصبة» ليقول إنّ موقف البلاشفة المتصلّب سوف يؤدّي إلى سحق الثّورة، لذا فإنّ مندوبي «العصبة» يرفضون البقاء في المؤتمر. صيحات الحضور «خمّنّا أنّكم انسحبتم اللّيلة الماضية! كم مرّة تنسحبون ثمّ تعودون؟».

وعقبه ممثّل عن المناشفة الأمميّين. صيحات: «ماذا؟ ما زلتم هنا؟»، فأوضح المتكلّم أنّ قسماً فقط من المناشفة الأمميّين قد غادر المؤتمر، أمّا القسم الآخر فقد قرّر البقاء - ثمّ قال، وسط المقاطعات: «إنّنا نعتبر عمليّة انتقال السّلطة إلى يد السوفيات عمليّة خطرة وربّما تكون قاضية، ولكنّنا نشعر بأنّ الواجب يدعونا إلى البقاء هنا والتّصويت ضدّ هذه العمليّة»!

وعقبه متكلّمون آخرون بدون نظامٍ معيّن. دعا أحد مندوبي عمّال الفحم في «حوض الدّون» المؤتمر إلى اتّخاذ إجراءات ضدّ خالدين [أحد جنرالات الثّورة المضادّة] الذي يقطع الفحم والطعام عن العاصمة. وتتالى عدّة جنود، وصلوا لتوّهم من الجبهة، على نقل تحيّات أفواجهم المشجّعة للمؤتمر.

«سنبدأ الان ببناء المجتمع الاشتراكيّ»

ثمّ اعتلى لينين المنبر ممسكاً بأطرافه بينما تجول عيناه الصّغيرتان الراعشتان بين هذا الجمع وهو واقفٌ ينتظر متغافلاً عن عاصفة التّصفيق والهتاف المدوّيّة. ولمّا انتهت، قال ببساطة: «سنبدأ الآن ببناء المجمتع الاشتراكيّ» فدوّى ذلك الرّعد البشريّ من جديد.

«إنّ أوّل مهمّة أمامنا هي اتّخاذ إجراءات عمليّة لتحقيق السّلم. سوف نعرض السّلم على شعوب جميع البلدان المتحاربة على أساس شروط السّوفيات، لا دمج، لا تعويض، حقّ الشعوب في تقرير المصير. وفي الوقت ذاته سنفي بوعدنا وننشر المعاهدات السّريّة البغيضة. إنّ مسألة الحرب والسّلم من الوضوح بحيث سأسمح لنفسي بأن أبدأ مباشرةً وبدون مقدّمات بتلاوة مشروع النّداء إلى شعوب جميع البلدان المتحاربة».

فمه الممتلئ الكبير ينفتح واسعاً وهو يتكلّم تعلوه شبه ابتسامة، وصوته غليظ، لا يزعج وإنّما يعبّر عن قساوة من تكلّم خلال سنوات وسنوات، يتدفّق بشيءٍ من الرّتابة موحياً أنّه يستطيع الاستمرار في الكلام على هذا النّحو إلى ما لا نهاية. وكان ينحني قليلاً عندما يريد التأكيد على نقطةٍ ما. إنّه لا يقوم بأيّ إشارات. وأمامه آلاف الوجوه البسيطة تتطلّع إليه بخشوع.

نداءٌ إلى شعوب وحكومات جميع الأمم المتّحاربة

«إنّ حكومة العمّال والفلّاحين التي جاءت بها ثورة السّادس والسّابع من تشرين الثّاني / نوفمبر والمعتمدة على سوفيات مندوبي العمّال والجنود والفلّاحين، تعرض على جميع الشّعوب والحكومات المتحاربة الشّروع فوراً في مفاوضات تهدف إلى تحقيق سلم ديمقراطيّ عادل.

إنّ الحكومة تعني بالسّلم الديمقراطيّ العادل الّذي ترغب به الغالبيّة السّاحقة من العمّال والكادحين التي أنهكتها الحرب وامتصّت قواها، ذلك السّلم الّذي لم يتوقّف العمال والفلاحون الرّوس عن المطالبة به منذ تحطيمهم للملكيّة القيصريّة، السلم الفوريّ بدون ضمّ (أي بدون اجتياح ترابٍ أجنبيّ وبدون الدمج القسريّ للقوميّات الأخرى) وبدون تعويضات.

إنّ حكومة روسيا تقترح على جميع الشّعوب المتحاربة تحقيق مثل هذا السّلم فوراً، بأن تبدي استعدادها لاتّخاذ الخطوات اللازمة للمفاوضات الهادفة إلى الوصول إلى هذا السّلم مباشرةٍ وبدون أدنى تأخير، على أن يعود أمر التّصديق على جميع شروط هذا السّلم إلى الجمعيّات المسؤولة تجاه شعوب هذه البلدان والقوميّات.

إنّ الحكومة، واستناداً إلى مفهوم الحقوق الديمقراطيّة بشكلٍ عامّ وحقوق الطبقة العاملة بشكلٍ خاصّ، تعني بالضمّ وباجتياح التراب الأجنبي كلّ عمليّة يتمّ فيها ضمّ قوميّة صغيرة أو ضعيفة إلى دولة كبيرة وقويّة بدون التعبير الإراديّ والواضح والمحدّد عن موافقتها ورغبتها في ذلك، أيّاً كان موعد حدوث هذا الدّمج القسريّ، ومهما كان المستوى الحضاريّ للأمّة التي أدمجت بالقوّة أو فُصلت عن حدود دولة أخرى، ولا يؤثّر في ذلك إذا كانت هذه الأمّة في أوروبّا أو في البلدان البعيدة ما وراء البحار.

إذا أبقيت إحدى الأمم، بواسطة القوّة، ضمن حدود دولة أخرى، وإذا لم تمنح هذه الأمة حقَّ التّقرير بواسطة الاقتراع الحرّ عن الشكل الإداريّ والسياسيّ الوطنيّ الذي تريده بدون أيّ عمليّة قسر، وبعد الجلاء التامّ للقوى المسلّحة التابعة للأمّة التي ضمّتها أو ترغب في ضمّها، أو هي أقوى منها بشكلٍ عامّ، إذا لم تمنح هذا الحقّ رغم رغبتها فيه، ولا يهمّ إذا عبّرت هذه الرّغبة عن نفسها بواسطة الصحافة أو الاجتماعات الشعبيّة أو مقرّرات الأحزاب السياسيّة أو بواسطة الاضطرابات والأعمال المعادية للاضطهاد الوطنيّ، فإنّ مثل هذا التّوحيد يعتبر عمليّة ضمّ أي إنّه احتلال وعنف.

إنّ الحكومة تعتبر أنّ الاستمرار في هذه الحرب لتمكين الأمم القويّة والغنيّة من أن تتقاسم فيما بينها القوميّات الضّعيفة والمغلوب على أمرها، إنّما يشكّل أفظع جريمة بحقّ الإنسانيّة، وهي تعلن أنّ رغبتها الأكيدة في توقيع معاهدة سلم تضع حدّاً لهذه الحرب وفق الشّروط المبيّنة أعلاه هي رغبة عادلة بالنّسبة إلى جميع القوميّات بدون استثناء.

نشر المعاهدات السرّيّة

لقد ألغت الحكومة الديبلوماسيّة السّريّة، وهي تعلن أمام البلد كلّه عن عزمها القيام بجميع المفاوضات أمام الشّعب وفي وضح النّهار، وستعمد فوراً إلى نشر النّصوص الكاملة لجميع المعاهدات السرّيّة التي صادقت عليها أو وقّعت عليها حكومة ملّاك الأرض والرّأسماليّين منذ آذار / مارس حتّى السابع من تشرين الثّاني / نوفمبر ١٩١٧. والحكومة ترفض رأساً وبدون مناقشة جميع بنود المعاهدات السّريّة الهادئة، في أغلب الأحيان، إلى جلب المزيد من الفوائد والامتيازات للرّأسماليّين الرّوس وإلى المحافظة على ما ضمّه الاستعماريّون الرّوس أو مضاعفته.

إنّ الحكومة، وقد عرضت على جميع الحكومات والشّعوب الدّخول في مفاوضةٍ علنيّة من السّلم، تعلن استعدادها لإجراء هذه المفاوضات بواسطة اللاسلكي أو البريد أو بواسطة محادثات تجري بين ممثّلي البلدان المختلفة أو في ندوة تضمّ هؤلاء الممثّلين. والحكومة قد عيّنت ممثّليها المفوّضين في البلدان الحياديّة للقيام بمثل هذه المهمّة رغبةً منها في تسجيل المحادثات.

تقترح الحكومة على شعوب وحكومات جميع البلدان المتحاربة عقد هدنة فوريّة، كما تقترح أن تكون مدّة هذه الهدنة ثلاثة أشهر يمكن خلالها إجراء المحادثات اللازمة بين ممثّلي جميع الأمم والقوميّات بدون استثناء من الّذين جرّوا إلى الحرب أو الّذين أجبروا على خوضها، وانعقاد مجالس النوّاب المفوّضة من قِبل جميع الشعوب للتّصديق نهائيّاً على شروط السّلم.

إنّ الحكومة المؤقّتة للعمّال والفلّاحين في روسيا إذ تتوجّه بعرض السّلم على حكومات وشعوب جميع البلدان المتحاربة، تتوجّه بدعوتها في الوقت ذاته وبنوع خاصّ إلى العمّال الواعين في الأمم الثّلاث الأكثر إخلاصاً للإنسانيّة الّتي هي في الوقت نفسه المساهمة الكبرى في الحرب الحاليّة - فرنسا وإنكلترا وألمانيا.

لقد قدّم عمّال هذه البلدان خدماتٍ جلّى لقضيّة التّقدّم والاشتراكيّة. إنّ الأمثولات الرّائعة الّتي قدّمتها «الحركة الشّارتريّة» في إنكلترا وسلسلة الثّورات ذات الأهميّة العالميّة والتّاريخيّة التي قامت بها البروليتاريا الفرنسيّة - وأخيراً النّضال التّاريخيّ ضدّ «قوانين المنع» في ألمانيا، هذا النّضال الّذي يشكّل مثالاً رائعاً لعمّال العالم أجمع على العمل الدّؤوب العنيد، أنشأ تنظيمات العمّال الألمان الجبّارة - إنّ جميع هذه النّماذج عن بطولة البروليتاريا، هذه الصّروح التّاريخيّة، لهي ضمانٌ أكيدٌ لنا بأنّ عمّال هذه البلدان سيفهمون واجب تحرير الإنسانيّة من أهوال الحرب وعواقبها الملقى على عاتقهم، وأنّ هؤلاء العمّال سوف يساعدوننا، بالعمل الحاسم والنّشيط والدّؤوب، على إنجاح قضيّة السّلم وعلى إنجاح قضيّة تحرير الجماهير الكادحة المضطهدة من كلّ عبوديّة واستغلال».

ولمّا تلاشت عاصفة التّصفيق المدويّة، استأنف لينين خطابه:

«نطلب من المؤتمر أن يصدّق على هذا النّداء. إنّنا نتوجّه إلى الحكومات مثلما نتوجّه إلى الشّعوب، لأنّ نداءً موجّهاً إلى شعوب البلدان المتحاربة فقط قد يؤخّر في عقد اتّفاقيّة السّلم. وسوف تصادق الجمعيّة التأسيسيّة على شروط السّلم التي توضع خلال الهدنة. ونحن قد حدّدنا مهلة الهدنة بثلاثة أشهر لأنّنا نرغب في إعطاء الشّعوب أطول فترة راحة ممكنة من هذه المجزرة الدّمويّة ووقتاً كافياً لينتخبوا ممثّليهم. إنّ اقتراح السّلم هذا سوف يلقى معارضة الحكومات الاستعماريّة ونحن لا نضلّل أنفسنا في هذا الصّدد، ولكنّنا نأمل أن تندلع الثّورة قريباً في جميع البلدان المتحاربة، ولهذا السّبب بالذّات نتوجّه إلى عمّال فرنسا وإنكلترا وألمانيا بشكلٍ خاصّ...».

ثمّ ختم قائلاً: «إنّ ثورة السّادس والسّابع من تشرين الثاني افتتحت حقبة الثّورة الاجتماعيّة. إنّ الحركة العمّالية سوف تنتصر وتحقّق مصيرها باسم الاشتراكيّة».

كان ثمّة شيءٌ هادئ وقويّ في كلّ هذا، شيءٌ يحرّك أعماق البشر. وكان مفهوماً لماذا يصدّق النّاس عندما يتكلّم لينين.

تقرّر، بواسطة التّصويت الجماعي، السّماح فقط لممثّلي الفئات السياسيّة بالكلام عن الاقتراح، وبأن تحدّد فترة خمس عشرة دقيقة لكلّ متكلّم.

تكلّم كاريلين أوّلاً باسم الاشتراكيّين الثوريّين اليساريّين: «لم يُمنَح حزبنا فرصة تقديم التّعديلات على نصّ النّداء، إنّه وثيقة خاصّة بالبلاشفة، ولكنّنا سنؤيّده لأنّنا نوافق على مضمونه».

bid1819-p53.jpg


اجتماع لعمال معمل بوتيلوف في بتروغراد في تموز من العام ١٩٢٠

وتكلّم كراماروف عن الاشتراكيّين - الديموقراطيّين الأمميّين، كراماروف الطّويل المنحني شحيح النّظر كان مؤهّلاً للعب دورٍ بارزٍ كمهرّج المعارضة، فقال إنّ حكومة مؤلّفة من جميع الأحزاب الاشتراكيّة هي وحدها الّتي تملك سلطة القيام بمثل هذا الدّور. وإذا تشكّلت حكومة ائتلافيّة اشتراكيّة فإنّ حزبه سيؤيّد البرنامج كلّه، وإلّا فإنّه سيؤيّد قسماً منه فقط. أمّا بالنسبة إلى النّداء نفسه فإنّ الأمميّين سيوافقون كلّيّاً على نقاطه الرئيسيّة.

ثمّ تعاقب المتكلّمون وسط حماسةٍ متزايدة: الحزب الاشتراكيّ - الدّيمقراطيّ الأوكرانيّ، تأييد، الحزب الاشتراكيّ - الديمقراطيّ اللّيتواني، تأييد، الاشتراكيّون الشعبويّون، تأييد، الحزب الاشتراكيّ - الديمقراطيّ البولونيّ، تأييد، الاشتراكيّون البولونيّون، تأييد مع تفضيل تحالف اشتراكيّ، الحزب الاشتراكيّ - الديمقراطيّ اللّتفيانيّ، تأييد. كانت شعلة تضطرم في نفوس هؤلاء الرّجال. تكلّم أحدهم عن «الثّورة العالميّة المقبلة التي نحن طليعتها»، وتكلّم آخر عن «عصر الأخوّة الجديد عندما تصبح الشّعوب كلّها عائلة كبيرة واحدة». ثمّ طلب أحدُ الحضور الكلام، فقال: «يوجد تناقضٌ هنا، تعرضون السّلم بدون ضمّ ولا تعويضات ثمّ تقولون إنّكم مستعدّون للنّظر في جميع عروض السّلم. الاستعداد للنّظر يعني القبول».

وقف لينين: «نريد سلماً عادلاً لكنّنا لا نخاف الحرب الثوريّة. ربّما لن تستجيب الحكومات الاستعماريّة لندائنا، ولكنّنا لن نوجّه إنذاراً يسهل رفضه. وإذا اتّضح للطّبقة العاملة الألمانيّة أنّنا مستعدّون للنّظر في أيّ عروضٍ للسلم، فربّما يكون ذلك القشّة التي تقصم ظهر البعير فتندلع الثّورة في ألمانيا. وإنّنا نوافق على دراسة جميع الشّروط التي تقدّم لنا حول السّلم ولكن هذا لا يعني أنّنا سنقبلها. سوف ندافع عن بعض الشّروط حتّى النهاية ولكنّنا قد نجد أنّه من المستحيل الاستمرار في الحروب دفاعاً عن البعض الآخر. إنّنا نريد إنهاء الحرب قبل أيّ شيءٍ آخر».

كانت السّاعة تمام العاشرة وخمسٍ وثلاثين دقيقة عندما طلب كامنييف من جميع الموافقين على النّداء أن يرفعوا بطاقاتهم، فتجاسر أحد المندوبين على رفع يده ضدّ الاقتراح ولكنّه أنزلها بسرعة عندما تعالت أصواتٌ حادّة حوله. فاز الاقتراح بالإجماع.

وفجأةً وجدنا أنفسنا واقفين يحرّكنا دافعٌ مشترك، نُهَمْهمُ معاً «نشيد الأمميّة» بصوتٍ هادئ يرتفع تدريجيّاً. جنديّ عجوز أشيب ينتحب كطفل. وألكسندرا كولانتاي تلتقط دموعها، الصّوت الهادر يجتاح القاعة وينفجر خارجاً من النّوافذ والأبواب منطلقاً في السّماء الهادئة. «انتهت الحرب!»، صاح عاملٌ شابٌّ مشرقُ الوجه يجلس قربي. وعندما انتهينا وكنّا شاخصين بصمتٍ أخرق صاح أحدهم من آخر الغرفة: «رفاق! فلنتذكّر الّذين ماتوا من أجل الحرّيّة!» فبدأنا نرنّم «نشيد الموتى»، ذلك النّشيد الهادئ والكئيب والظّافر، شديد التّأثير ووثيق الارتباط بروسيا. ومهما يكن من أمر فـ«النّشيد الأمميّ» نشيدٌ أجنبيّ. أمّا «نشيد الموتى» فبدا كأنّه نابعٌ من روح الجماهير السّوداء التي يجلس مندوبوها في هذه القاعة يبنون روسيا جديدة من رؤاهم الغامضة، وربما يبنون أكثر من ذلك.

«لقد سقطتم في الصّراع المميت

من أجل حرّيّة الشّعب، من أجل شرف الشّعب

ضحّيتم بحياتكم وبكلّ غالٍ ونفيس،

تعذّبتم في غياهب السّجون،

ونُفيتم مكبّلين بالسّلاسل

وبدون كلمة، حملتم سلاسلكم

لأنّكم لم تتجاهلوا إخوانكم المعذّبين،

لأنّكم آمنتم بأنّ العدالة أقوى من السيف.

سيأتي يومٌ يقدَّر فيه استشهادكم

وهذا اليوم قريب: عندما يسقط الطّغيان

سينتصب الشّعب عظيماً وحرّاً!

وداعاً، يا إخوان، لقد اخترتم الطّريق النّبيل،

يلحق بكم جيشٌ مستعدٌّ للموت والتّضحية

وداعاً، يا إخوان، لقد اخترتم الطّريق النبيل

إنّنا نُقسم على قبوركم بأن نناضل،

بأن نعمل من أجل حرّيّة الشّعب وسعادته»

 

لهذا استشهد أبطال آذار الّذين أودعوا في «مقبرة التّآخي» الباردة في «حقل مارس»، لهذا مات الآلاف وعشرات الآلاف في السّجون، في المنفى، في مناجم سيبيريا. لم تحدث الثّورة كما توقّعوا، ولا كما رغب المثقّفون. ولكنّها حدثت عنيفة، قويّة، حقيقيّة لا تحتمل الصّيغ، وترفض النّزعات العاطفيّة.

ثمّ تلا لينين «مرسوم الأرض»:

تلغى ملكيّة الأرض الفرديّة فوراً وبدون تعويض.

تنقل أراضي الملّاك وجميع أراضي الأسرة المالكة والأديرة وأراضي الكنيسة وكلّ ما عليها من مواشٍ وبنايات وملحقات إلى لجان الأرض البلديّة، وإلى سوفيات مندوبي الفلّاحين المناطقيّة، وتوضع تحت تصرّفها إلى حين انعقاد الجمعيّة التّأسيسيّة.

إنّ أيّ ضررٍ يصيب الملكيّة المصادَرة، وقد أصبحت الآن ملكيّة الشّعب بأسره، يعتبر جريمة خطيرة يعاقَب مرتكبوها أمام المحاكم الثوريّة. إنّ سوفيات مندوبي الفلّاحين المناطقيّة مطالبة بأن تتّخذ كلّ الإجراءات اللازمة للمحافظة على النّظام خلال مصادرة أراضي الملّاك، لمسح الأرض ولتعيين الأجزاء التي تطاولها المصادرة، ولجرد محتويات الملكيّة المصادرة ولتأمين الحماية الثّوريّة الكاملة لانتقال ما تحتوي عليه قطعات الأرض من أدواتٍ زراعيّة وبنايات وملحقات وماشية ومحصول، إلى آخره، إلى أيدي الشّعب.

خلال تحقيق الإصلاحات الزّراعيّة الكبرى، وإلى حين تصديق الجمعيّة التّأسيسيّة الكبرى على هذه الإصلاحات، يُعمل بالتّعليمات الفلّاحيّة الآتية (نا كاز) الّتي استخلصها مجلس تحرير صحيفة «إزفستيا» لسان حال سوفيات مندوبي الفلّاحين لعموم روسيا، من مئتين واثنتين وأربعين مجموعة من التّعليمات الفلّاحيّة المحليّة، ونشرت في العدد ٨٨ من الصّحيفة المذكورة (بتروغراد، العدد ٨٨، ١٩ آب، ١٩١٧).

لن تصادر أراضي الفلّاحين والقوزاق الّذين يخدمون في الجيش.

ثمّ أوضح لينين المرسوم قائلاً: «هذا ليس مشروع الوزير السّابق تشيرنوف الّذي تكلّم عن «تشييد هيكل للإصلاح» وحاول تحقيق الإصلاحات من فوق. إنّ قضايا تقسيم الأرض سوف تحدّد من تحت، وفي الأمكنة المعنيّة بالأمر. وقد تختلف مساحة الأرض الممنوحة لكلّ فلّاح حسب المنطقة الموجود فيها.

لقد رفض ملّاك الأرض الانصياع لأوامر لجان الأرض في ظلّ الحكومة المؤقّتة، هذه اللّجان نفسها الّتي اقترحها لفوف، وأنشأها شينغاريوف وتولّى كرنسكي إدارتها».

وقبل بدء النّقاش، كان رجلٌ يشقّ طريقه بعنفٍ وسط جمعٍ احتشد في الممشى واعتلى المنبر. إنّه بيانيخ، عضو اللّجنة التّنفيذيّة لسوفيات الفلّاحين، وكان في ذروة الغضب:

«إنّ اللّجنة التّنفيذيّة لسوفيات مندوبي الفلّاحين في عموم روسيا يحتجّون على اعتقال الرّفيقين الوزيرين سالازكين ومازلوف»! ثمّ صاح بقسوة في وجه الحضور: «إنّنا نطالب بإطلاق سراحهما فوراً! إنّهما الآن في حصن بطرس - بولس. نريد عملاً سريعاً. ليس لدينا وقتٌ نضيّعه!». وتلاه جنديٌّ ذو لحيةٍ شعثاء وعينين لاهبتين: «إنّكم تجلسون هنا وتتكلّمون عن توزيع الأرض على الفلّاحين، بينما تتصرّفون كالطّغاة والغاصبين تجاه ممثّلي الفلاحين! إنّي أقول لكم - (هدّد بقبضته) إذا مسستم شعرةً من رؤوسهم فسوف نقيم ثورةً ضدّكم!» فهاج الجميع بارتباك.

تروتسكي على المنبر

ثمّ اعتلى تروتسكي المنبر، هادئاً، مسموماً، واعياً للسّلطة التي بين يديه، فاستُقبل بالهتاف: «أمس، قرّرت اللّجنة العسكريّة الثوريّة مبدئيّاً أن تطلق سراح الوزراء المناشفة والاشتراكيّين الثوريّين مازلوف، سالازكين، غفوزدف، ماليانتوفيتش. وإذا كانوا لا يزالون في سجن بطرس - بولس فلأنّنا كنّا مشغولين جدّاً. إلّا أنّهم سوف يوضعون في منازلهم تحت الإقامة الجبريّة حتّى نحقّق في تواطئهم مع أعمال كرنسكي الخائنة خلال مؤامرة كورنيلوف!».

صاح بيانيخ: «لم تحدث مثل هذه الأعمال في أيّ ثورة من الثّورات!».

أجاب تروتسكي: «أنت مخطئ. لقد حدثت مثل هذه الأعمال حتّى في ثورتنا. لقد اعتقل المئات من رفاقنا في أيّام تمّوز / يوليو، ولمّا أطلق سراح الرّفيقة كولانتاي من السّجن بأمر الطّبيب، وضع أفاكسانتييف أمام بابها عميلين من عملاء شرطة القيصر السّريّة!». فانسحب الفلّاحون مَهمْهمين يلاحقهم عياطٌ (صياح وصراخ) ساخر.

وتكلّم ممثّل الاشتراكيّين الثوريّين اليساريّين عن «مرسوم الأرض»، فقال إنّ حزبه لن يصوّت على المسألة إلّا بعد النّقاش بالرّغم من موافقته عليه، مؤكّداً ضرورة استشارة سوفيات الفلّاحين. وحذا المناشفة الأمميّون حذوه مؤكّدين ضرورة عقد اجتماعٍ لمندوبي حزبهم قبل التّصويت.

ثمّ تكلّم قائد «المتطرّفين»، الجناح الفوضويّ من الحركة الفلّاحيّة: «يجب علينا أن نمجّد الحزب السّياسي الّذي يوضع موضع التّنفيذ مثل هذا المرسوم منذ اليوم الأوّل، بدون ثرثرة حوله!»

واعتلى أحد الفلّاحين المنبر - بشعر طويل ومعطف من الوبر - وأخذ ينحني أمام زوايا القاعة الأربع: «السّلام عليكم يا رفاق ويا أيّها المواطنون! بعض أعضاء حزب الكاديت يتجوّلون في الخارج. لقد اعتقلتم الفلّاحين الاشتراكيّين، فلماذا لا تعتقلون هؤلاء كذلك؟».

وبدأ على الأثر نقاشٌ بين الفلّاحين الهائجين كان شبيهاّ بنقاش الجنود في اللّيلة الماضية، هؤلاء هم عمّال الأرض الحقيقيّون.

bid1819-p56-57.jpg


لينين والرفاق في تظاهرة الأول من أيار ١٩١٩ في الساحة الحمراء

العددان ١٨-١٩ خريف ٢٠١٧ / شتاء ٢٠١٨
«عشرة أيّام هزّت العالم»

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.