هذه مقابلة اجراها عزيز العظمة مع مطبوعة يسارية ايرانية من وحي صدور كتابه «اسلامات وحداثات»، آثرنا ترجمتها مساهمة منا في التعريف بفكر المؤرخ والجامعي السوري ولاعتقادنا انها تُغني البحث والمعرفة عن الحركات الاسلامية المعاصرة لما لها من شمول وإحاطة نقدية. وهذا ما يزيد من راهنيتها بالنسبة إلى الثورات العربية الجارية.
دعني أبدأ بمسائل مفهومية. لماذا تَصِمُ الحركات الإسلامية المعاصرة، في كتابك «إسلامات وحداثات»بأنّها «إسلاموية سياسية» وليست «أصولية إسلامية»، على سبيل المثال؟
لا مانع لديّ من استخدام مصطلح الأصولية، سوى أنَّ الأصولية قد لا تكون سياسية، ويمكن أن تُعْرَب على أنّها شكل من أشكال ضبط الذات الصارم وصياغة الذات المتجددة تبعًا لمتطلبات طقسية ودينية – أخلاقية. الأصولية موقف من الزمن، إذ تعتبر أنَّ لا عواقب له، فلا تجد أيّة مشكلة في الأطروحة العبثية التي مفادها أنَّ من الممكن استعادة ما كان قائمًا في البدء، أو في العصر الذهبي: إمَّا بالعودة إلى النصوص دون توسّط التقاليد التي تُعْتَبَر فاسدةً (لأنّها تمثّل الزمن بين الحاضر وبدايته المُفتَرَضة) كما هي الحال مع مارتن لوثر والسلفية السنيّة عمومًا من محمد عبده مرورًا بـرشيد رضا والإخوان المسلمين وصولًا إلى الآن، أو بإعادة تشكيل المجتمع تبعًا لقوالب بدئية تُرَى على أنّها نسخ من ممارسات العصر الذهبيّ، كما هي الحال لدى الحركات التي تُوصَف بأنّها حركات أصولية.
لقد أطلق الكاثوليك على هذه الحركات الأخيرة اسم التَّمامية، لكنّ الظاهرتين متشابهتان: إضفاء الطابع الأخلاقي بمعناه الديني على الحياة الخاصة، مراقبة المجتمع وإدارته سلطويًا بعد إصلاحه وفقًا لمؤسسات تجعل ذلك ممكنًا: إنَّ الكالـﭭنية، والإصلاح المضاد الباﭭاري (الكاثوليكي، بالطبع)، والوهابية، والخمينية، جميعها من هذا النمط، على اختلاف أساليبها. وتتشابه الأصولية الإسلامية والبروتستانتية، بحسب دراسات قام بها صديقي صادق العظم، ذلك التشابه الشديد الذي لا يعود معه ثمّة مبرر للتردد في استخدام مصطلح الأصولية للإشارة إلى الحالات الإسلامية المماثلة، اللهم ما عدا الافتراضات المستمدّة من الاستشراق بشأن «اختلاف» الإسلام أو «خروجه على القياس». ها أنت ترى، إذًا، أنّه ليس لديّ أيّ تزمّت مصطلحيّ.
جذور مشتركة؟
لِنَعُدْ إلى مناقشة الحركات الإسلامية من منظور تاريخي. يرى بعض المحللين أنَّ المنظومة الفكرية والحركات السياسية الإسلامية المعاصرة نشأت وتطورت منذ أواسط القرن الثامن عشر عبر سيرورة الإحياء الإسلامي. وهذه الحركات، التي راحت تظهر طيلة تلك الفترة تحت مسمّى «الإسلاميّة» المشترك، في بلدان متباعدة تباعد إندونيسيا وإيران ومصر ونيجيريا، إنّما تبدي تنوّعًا شديدًا في أصلها وبناها وسيروراتها. هل ثمّة خصيصة مشتركة تدعم افتراض نَسَبٍ مباشر؟ وما رأيك عمومًا بالمقاربة الآنفة؟
لا أتّفق مع هذا التحليل. ذلك لأنّه تحليل تزامنيّ سكونيّ. حركات القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ــ الوهابية في الجزيرة العربية، والمهدية في السودان، وعثمان دان فوديو في نيجيريا، إلخ ــ لها طابعها المختلف تمامًا عن طابع الحركات الحديثة. والحركات الوحيدة التي يمكن المقارنة بينها اليوم هي طالبان و«الأفغان» العرب في الجزائر، وفي غير مكان.
قبل كلّ شيء، لهذه الحركات جميعًا طابع ديني مجدِّد تمكن مقارنته بما شهدته القرون الوسطى، خاصةً الحنبلية الدمشقية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، التي تتبع ابن تيميّة، والتي تتّسم بتمامية بدائية تتحاشى عامدةً أيّ انخراط في الحداثة وأشكالها ومقتضياتها السياسية والإيديولوجية. وكذلك، فإنَّ هذه الحركات مميّزة اجتماعيًا، كون معظمها حركات غير مدينية.
لكن هذه ليس القصة كاملةً. فالوهابية، مثلًا، كانت طريقة لترويض القبائل العربية تحت سيطرة عشيرة تجارية وراثية، هي آل سعود، بإعادة إدراج تلك القبائل في المجتمع في سياق كيان سياسي جديد تشكّل خارج منظومة التراتبيات القبلية، ووقف على رأسه آل سعود وشركاؤهم من رجال الدين، أو المشايخ، ذريّة محمد بن عبد الوهاب. كان التركيز على تدبّر أمر القبائل كي تذعن لتأدية الزكاة، الترجمة الإسلامية للضريبة التي تُؤدَّى للدولة مُجسَّدة بشخص الإمام، ولاحقًا الملك. وكانت هذه ضرورة فرضتها التحوّلات التي اعترت أنساق التجارة في الجزيرة العربية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. أمّا المهديّة فكانت ثورة العشائر التي تتاجر بالعبيد بقيادة عائلة مقدّسة من الصوفيين الذين انتهك التوسّع البريطاني والسياسات المناهضة للرقّ حرمة أراضيهم، مع أنَّ غاية هذه السياسات الأخيرة لم تكن من منطلق إنساني وحسب، إذ كانت تستهدف إطاحة الأسس الاقتصادية لنفوذهم.
كذلك قامت الحركة السنوسية في ليبيا، في فترة قيام المهدية ذاتها، حول شبكة الطرق التجارية العابرة للصحراء والتي باتت مهجورة.
أمّا الحركات الحديثة فتدين في نشوئها إلى عوامل اخرى. يكفي القول الآن إنَّ نتاجها الإيديولوجي لا يمكن تصوره دون عدّة الحركات الشعبوية اليمينية، شبه الفاشية المتاحة عالميًا. وليس مصادفةً أنّها ظهرت في عشرينيات القرن العشرين وثلاثينياته، في الوقت ذاته مع جمعية المتطوعين الوطنيين (RSS) الفاشية الهندوسية الهندية. وفي وقتٍ كان الغرب أيضًا ينجرف بقوة نحو اليمين المتطرف، في سياق من العداء للشيوعية، كما في سياق أزمةٍ حادّة في النظام الرأسمالي. وليس مصادفةً أيضًا أن عاودت هذه الحركات الظهور في ثمانينيات القرن العشرين، بعد فترة من التهميش الاجتماعي والثقافي والسياسي تماشت مع تطورات في الغرب، حين كان النظام الرأسمالي، مرّة أخرى، يحلّ أزماته الحادّة باللجوء إلى خلق مواقع أساسية من الهامشية الاقتصادية والمكانية والثقافية عبر إحياء الإيديولوجيات الشعبوية والعنصرية اليمينية (الذي يُمَرَّر اليوم تحت عنوان «الاختلاف الثقافي»).
«حديثة» ومناهضة للعلمانية في آنٍ معًا؟
لو ركّزنا الآن على الحركات الإسلامية «الحديثة»، ثمّة قضايا أساسية عديدة سبقت مناقشتها على نطاق واسع، ومعظمها يحتاج إلى مزيدٍ من الإحكام. أولًا هنالك سؤال حول إيديولوجيا هذه الحركات. وكما أشرتَ، فإنَّ إيديولوجيتها لم تتشكّل من خلال تطور تاريخي ضمن عالم ما قبل رأسمالي منعزل. وهي، في الواقع، نتاج «الأزمنة الحديثة»، وموسومة بتطور الرأسمالية العالمي، وأزمة هذه الرأسمالية التي طاولت جميع الأبعاد بما في ذلك البعد الإيديولوجي.
غير أنَّ السؤال هو إلى أيّ مدى يمكن لمفهوم «الحديث»، في ضوء خطاب «الحداثيين» و«ما بعد الحداثيين» الحالي، أن يوفّر أداةً تحليلية ناجعة في دراسة الحركات الإسلامية منذ عشرينيات القرن العشرين، ما دامت هذه الحركات قد بقيت مناهضةً للعلمانية طيلة هذه الفترة؟ ثمَّ، لو نظرنا إلى حقيقة أنَّ الحركات الإسلامية منذ عشرينيات القرن العشرين قد مرّت بأطوار مختلفة من التطور، تجلّت في نتاجات إيديولوجية مختلفة تتراوح من الإصلاحية الإسلامية إلى الراديكالية الإسلامية أو الإسلاموية السياسية، إلى أيّ مدى يمكن تفسير هذه التنوّعات من خلال اتجاهات عالمية حصريًا وليس، مثلًا، من خلال خصوصية العالم الإسلامي؟
يسرّني أن تطرح هذا السؤال. ذلك أنّه يمنحني الفرصة لأتناول ضروب الألفة، التي اختير بعضها عن وعي، بين الإيديولوجيا الإسلاموية والفاشية، ومع ذلك المدى الواسع من الإيديولوجيات المناهضة للحداثية التي أَمْلَت المخزون الإيديولوجي للمحلويّة، والشعبوية اليمينية، والشوفينية في الشرق كما في الغرب. ذلك يتيح لي أن أتناول الموقع الحالي، حيث تجد المواقف ما بعد الحداثية في السياسة وفي العلوم الاجتماعية صورتها طبق الأصل، التي قد تكون واعيةً ذاتها تمامًا في أحيان كثيرة، في الإيديولوجيات المناهضة للحداثية وإيديولوجيات النكوص التاريخي.
ينبغي أولًا أن نحدّد ما هي الحداثة باختصار: إنها ليست قائمة محدّدة من الصفات التي تمتلكها أو لا تمتلكها بعض المجتمعات، بل هي سيرورة تاريخية مؤسّسة في مؤسسات وأنظمة اجتماعية، ومعرفية، وإيديولوجيا خلال أَمد طويل.
ليس التنوير بحدّ ذاته خلاصة إجمالية للحداثة، على الأقلّ لأنّه متعدد التكافؤ هو ذاته، وليس حداثيًا بالضرورة، مع أنّه حديث بمعنى أنّه يمثّل جمهورية آداب حديثة فريدة وإنتلجنسيا خارج سيطرة الكهانة المسيحية.
الحداثة بوصفها حركةً تاريخيةً مؤسَّسة ذات مدى عالمي توضّعت في شكل الدولة الجديد، النابليوني نوعًا ما، الذي بزغ من الثورة الفرنسية وحمل هذه الحداثة: وهو شكلٌ يعقوبي في أفكاره عن الهندسة الاجتماعية ونزعته التدخليّة التشريعية والثقافية، وهو مطلق نوعًا ما في مركزيّته الشديدة التي تجد منطلقها في انحلال الخصوصية النسبي، ليس اجتماعيًا أو ثقافيًا أو جغرافيًا بالضرورة، بل في مفهومها للعلاقة السياسية التي تربط الدولة بالفرد كمواطن، دون لجوء في الحالة المثلى، إلى مؤسسات وسيطة تصنيفية.
توصَف المؤسسات الوسيطة هنا بأنها مدنية، وليست «أوليّة»، كي نستخدم تعبيرًا مستفزًّا رائجًا جدًا. وقد انتقلت هذه الدولة خارج فرنسا حيث حملها نابليون مباشرةً إلى إيطاليا وإسبانيا وبولندا. وحملها المثال النابليوني إلى أميركا اللاتينية بواسطة سيمون بوليفار. وحملها المثال المؤسساتي والمثاقفة إلى الأراضي العثمانية بواسطة الدولة العثمانية المتحمسة للإصلاح في أواسط القرن التاسع عشر، الأمر الذي يفسّر كثيرًا مما نجده في العالم العربي وفي تركيا اليوم حيث تواريخنا لا تزال تواريخ مجريات القرن التاسع عشر والتيارات المناهضة للحداثية التي ذكرتها. ودَعني أضيف: ليس ضروريًا أن تنسجم التحوّلات الحداثية مع الإيديولوجيات الحداثية الخاصة بالدولة من النوع الشامل. والاستثناءات الوحيدة هي فرنسا والمكسيك والدول الشيوعية، مع أنَّ هناك عناصر إيديولوجية، وقبل ذلك عناصر معرفية حداثية قوية، حاضرة في أجزاء من إيديولوجيات الدول التحديثية.
لذلك لم تعمد هذه الدول كثيرًا إلى توريط الدين والتأخّر الاجتماعي مباشرةً بل دفعتهما إلى مواقف من التحصّن والهامشية وحالت دون إصلاح حداثي جديّ. ما يوجد في الإسلام السني الحديث في العالم العربي من الحداثية ملتبس ومتردد وتبريري ودفاعي ومعرّض كثيرًا وعلى نحوٍ واضح لهجوم كلٍّ من التقليديين والراديكاليين العرب على حدٍّ سواء (التياران الـمتقاربان حاليًا في الأزهر، على سبيل المثال، بعدما كان إلى الآن تقليديًا وداهن الحداثة أيام عبد الناصر، مما أنعش هذه المؤسسة بنحو هائل).
الحداثيّة اللامتكافئة
دعني أؤكّد أخيرًا أنَّ الحداثية كما وصفتها ليست سيرورة متكافئة بأيّ حال من الأحوال. ذلك أنَّ الحركات والاتجاهات التاريخية لا تكون متكافئةً أبدًا. ويتجلّى عدم تكافؤها في اختلاف رحابتها وشكلها باختلاف الزمان والمكان والطبقة، وهلمّ جرًا. ولذلك فإنَّ الاتجاه العالمي الإجمالي هو ذلك الاتجاه المركّب وغير المتكافئ في آنٍ معًا. ولم تكن الحداثية موحّدة أو تامّة الإنجاز، بالطبع، حتى في أوروبا ذاتها حيث للحداثة تاريخها المتنوّع وغير المتكافئ، كما كانت الحال لدينا. فالتاريخ لا يعرف أحوالًا مكتملةً وتامّةً. واحد تجليات عدم التكافؤ هذا، في الشرق كما في الغرب، هو مناهضة الحداثية، التي تصل بنا في النهاية إلى الإسلاموية. تطورت مناهضة الحداثية في مجرى القرن التاسع عشر لدى البرجوازية وأحيانًا لدى الحركات الملكية التي اتّحدت إيديولوجيًا ضدّ شبح الشيوعية الذي أعلن عنه ماركس وإنجلز في العام ١٨٤٨، وكانت البداية مع المناهضة الريفية للرأسمالية أواخر القرن الثامن عشر (وأبرز أمثلتها «هامان» ونفوذه الهائل وأشباهه) ومع النزعة المحافظة الأرستقراطية، ومع مناهضة اليعقوبية (دو ميستر، برك) الكاثوليكية غالبًا (ولكن ليس بالضرورة).
الإيديولوجيات المحافظة ــ من تمجيد الثقافة والتراث والغريزة الاجتماعية والتراتب وشجب الآثار الضارة المترتبة على الأفكار الفرنسية الخاصة بالتقدم والتاريخية والعقل والديمقراطية بأشكال معينة أو حتى الثورة ــ كان هذا تاريخًا دمويًا دفع الحكام المتسلطين، من بين أشياء أخرى، إلى تشريع الاقتراع العام (تقريبًا) (غلادستون وبسمارك، مثلًا).
غير أنّه كان هنالك سلاح إيديولوجي هائل ملازم لهذه النزعة المحافظة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه على نحوٍ عريض جدًا اسم الرومانتيكية، ولا نقصد بها هنا حساسيةً سياسية عليلة أو مشبوبة بالأحرى، بل نقصد المعنى التقني، ومفاده أنَّ هذه الرومانتيكية تعطي الثقافات الأولوية على التاريخ، ولديها عن المجتمع تصوّر عضويّ وحيويّ. إذ تتصور المجتمعات كأفراد بقياسها على الكائنات العضوية، وككائنات تبقى هي ذاتها في جوهرها، فلا تتغيّر كثيرًا بمرور الزمن بل تضعف وتقوى، أو تضمر وتموت، وترتكس للمسائل المستوردة ثقافيًا كما يرتكس الجسم لتدخّل طفيلي من الطفيليات.
ولذلك تتصور هذه الرومانتيكية التاريخ على أنّه دوري وله نظام ــ قوة وصحّة ــ مقيمٌ على شروط الثبات والدوام (الثقافة، الشريعة، الدارما في الهند). وبذلك يكون الفعل السياسي فعل استعادة، ويضع الافتراضات عن العقل في التاريخ في ميدان مكائد الخارجيين، لأنّ ما له قيمة هو الغريزة الاجتماعية والفرد واستقلال العقل.
أمّا شكل الدولة التي تتخذها الرومانتيكية نموذجًا، فلا يقتصر على كونها مناهضة للحداثية وقائمة على تحقيق انسجام بين الغريزة الاجتماعية وشكل الدولة (ومن هنا إقامة دولة إسلامية، أو رايخ ألماني أصيل، أو مَلَكَية الأسلاف الفرنسية الشرعية، أو جمهورية فرنسية أصيلة زاخرة بالروابط والأواصر الملكية والكاثوليكية، كما هي الحال مع لوپن، زعيم الجبهة القومية الفرنسية، اليوم) بل تتعدّى ذلك أيضًا إلى دولة نابوليونية إلى حدٍّ بعيد. دولة تعمد، عبر هندسة اجتماعية شمولية، إلى دفع المجتمع قسرًا خارج اغترابه عن ماضيه وتعيده الى ما كان عليه ذات مرّة (بالمناسبة، لدى السودان وزارة للهندسة الاجتماعية). ولقد غدت هذه التيارات الآن ــ عبر عولمة تصورات القرن التاسع عشر الإيديولوجية عن الجنسية، وأفكاره عن الشعب، وعبر الأشكال الجديدة من الكتابة والتواصل، وكذلك عبر الأنظمة التعليمية الجديدة والإنتلجنسيا الجديدة والخطابات السياسية التي تروّج لها الدولة ــ غذت هذه التيارات قوام الخطاب العام، إلى جانب أفكار التقدّم والديمقراطية والاشتراكية وسواها، والقرين الضروري للفعل السياسي والاجتماعي على نطاق عالمي، بما في ذلك العالم العربي. كانت الخطابات الدينية، كما قلت، مُهمَّشَة لكنها لم تَكُنْ منخرطة بأيّة طريقة منهجية أو منتظمة. ولا عجب، إذًا، أنَّ هؤلاء الاسلاميين المناهضين للحداثية ينبغي أن يوصفوا بأنّهم حديثون بل وحداثيون، بمعنىً ما، في بعض مواقفهم.
كان كلٌّ من علي شريعتي وسيّد قطب من المعجبين الكبار بالكسيس كاريل، وهو اختصاصي تحسين النسل الشهير في عشرينيات القرن العشرين والمستشار الثقافي للمارشال بيتان، الذي حَمَلَ على ما ابتُلِيَ به جسد المجتمع من انحطاط، ودافع عن أقلية صغيرة مُنْقِذَة سوف تعيد الصحة إلى هذا الجسد.
اليوم
نأتي أخيرًا إلى اللحظة الراهنة. لقد رسمتُ الخطوط العامة للاتجاهات العريضة ولا مجال هنا لأطروحة مرتجلة تتعدّى القول إنَّ السيد جمال الدين الأفغاني الأسد آبادي كان قد عبّر بقوة عن سياسات الاستعادة العضوية والرومانتيكية لدى الإسلاموية العربية. وتحددت هذه السياسات مزيدًا من التحديد بمصطلحات شرعية لدى رشيد رضا، ودعى إليها الإخوان المسلمون، وفُصِّلَت مزيدًا من التفصيل (وجرى التوسّع فيها) عبر سيطرة متزايدة عالمية النطاق مارستها البنى التحتية الإسلامية النفطية على وسائل الاتصال كما على الأجندات التعليمية والإيديولوجية، مدعومةً كلّ الدعم بتصورٍ للإسلام يراه حصنًا ضد الشيوعية، أو ما أدعوه الخندق الثقافي لعقيدة الرئيس الاميركي ترومان في العالم العربي (وبالطبع، في إندونيسيا وماليزيا في خمسينيات القرن العشرين وستينياته أيضًا، وهو تطور لم يكن منفصلًا عن تجدد رعاية الدولة التركية التعليم الديني منذ أوائل ستينيات القرن العشرين ولا عن الارتباط الباكستاني ــ الأفغاني بالطبع).
في اللحظة الراهنة، ومع انهيار الإجماع الكينزي لما بعد الحرب (الرفاهويّة في الغرب والتنموية لدينا) ينشأ وضعٌ تبرزُ فيه إلى المقدّمة من جديد تلك الإيديولوجيات المحافظة التي كانت قد أُزيحت عن المواقع المركزية في الخطاب العام في الغرب كما في الشرق. ويؤدّي تشظّي سوق العمل المتزايد، على أسس إثنية وسواها من الأسس التصنيفيّة، إلى قيام معازل أو غيتوات محلية ودولية، على صعيد مكاني، وثقافي، وسوى ذلك من الأصعدة.
من هنا كانت الثقافوية، التي يلهمها في الأساس انحلال المدنيّة لمصلحة الجماعة، والتي تحظى في الولايات المتحدة بسطوة شديدة، حيث يلهمها نموذج اللوبي اليهودي بما حققه من نجاح بالغ. وتحول عاطفة الجماعة هذا إلى إيديولوجيا سياسية لا يمكن أن يكون بغير توسّط. وعنصر التوسّط هو ذلك النموذج المتاح من الأفكار الرومانتيكية عن المجتمع، وانغلاق الجماعة، والعضوية، التي سَرَت باسم العرق حتى الحرب العالمية الثانية، وتتخذ اليوم اسم الثقافة. ويتصل تملّق الاختلاف والخصوصية مع هذه الثقافوية أوثق الاتصال، سواء اتّسم بولع الأجانب أم برهابهم، وهو تملّقٌ له صورته الإسلامية المطابقة المتمثّلة في أفكار الخصوصية والفردية والأصالة.
ثمّة تواطؤ موضوعي جاء أيضًا من طرف المنظمات غير الحكومية الغربية التي هي اليوم وريثة فرق السلام الأميركية (US Peace Corps) بوصفها المموِّن الذي يورّد المعونة الثقافية المخصوصة، المناهضة للدولة الحداثية أشدّ المناهضة، أي بوصفها المموِّن بالثقافوية. وهذه الصلة ليست غائبة عن الإسلاموية: من استخدام العلاقات الودّية المتبادلة بين المنظمات غير الحكومية واللوبيات، تحت عنوان الأشكال الملائمة من الديمقراطية (المرتبطة بالإسلاموية، بوصفها أصلنا ومصيرنا) إلى الانتقادات ما بعد الحداثية (إنّما الحداثية تمامًا) لأفكار التقدم والعقل التي جاء بها التنوير.
وتتّصل بهذا أشدّ الاتصال تلك الفكرة السخيفة التي مفادها أنَّ التنوير مشروع إمبريالي: لم يكن التنوير كذلك، بالطبع، ولم يكن التاريخ الأوروبي ذاته تاريخ التنوير بل تاريخٌ كانت مناهضةُ التنوير من عناصره المكوِّنة العميقة، وما صُدِّرَ إلينا عن عمد كان الاستغلال والعنصرية، وليس التنوير: وكان علينا أن نعيد إنتاج ذلك بأنفسنا، في مواجهة احتمالات هائلة، وكذلك في مواجهة دول ومجتمعات.
أمّا بالنسبة إلى ما تشير إليه بأنّه «خصوصية العالم الإسلامي»، فلا أحسب، أولًا وقبل كلّ شيء، أن العالم الإسلامي من ضمن نظام الطبيعة، بل هو شيء بناه كلٌّ من الإسلامويين والغربيين (هنتنغتون مثال واحد وحسب، وليس عقلًا أصيلًا) بإعادة تقسيم العالم إيديولوجيًا، على أسس ثقافية، في زمنٍ بَطُلَت فيه التنموية، وحلّ محلّها التكيّف البنيوي، والاشتراطات المتبادلة، وما شابه.
وكما أنَّ هنالك لاهوتًا طبيعيًا للسوق، ثمّة لاهوت للثقافة، الثقافة التي انفكّت وانفصلت عن الدولة، التي هي القوة الأساسية لحداثيتنا في القرن ونصف القرن الأخير، وأُبعِدَت عنها لتتلقفها الجماعات ــ الأفراد. أمّا ما وفّرته الظروف الخاصة بالجماعات المسلمة المختلفة فكان سلاح الإسلاموية الرمزي وليس الإيديولوجي.
ولو استبدلنا اسمي النبي محمد والشريعة باسمَي رام والدارما، فسوف نصل إلى المجازات الإيديولوجية ذاتها التي تَسِم الفاشية الأصولية الهندية، ولو استبدلنا بهما المسيح أو جان دارك، فسوف نأتي إلى الأصولية الإنجيلية والعنصرية الفرنسية.
تتجلّى الخصوصية أيضًا في الشبكات الاجتماعية التي تعمل الإسلاموية عبرها. لكن لذلك أشباهه العالميين في تلك المناطق الشاسعة من الهامشية والبطالة البنيوية التي سبق أن أشرت إليها. وأخيرًا، على المرء ألّا يستخفّ بالوظائف الشعبوية والقوموية المفرطة التي يؤدّيها كثير من الجماعات الأصولية، بما فيها تلك التي في إيران.
كيف غدت الإيديولوجيا حركةً؟
قبل الانتقال إلى سؤال آخر، هل يمكن أن أرجع إلى قضية عودة الإيديولوجيات المحافظة إلى البروز؟ بين القضايا المختلفة المثيرة التي طرحتها، والتي يمكننا أن نتوسّع على نحوٍ مفيد بأيٍّ منها، أودّ أن نركّز باختصار على القضية الآنفة.
كما أشرتَ، فإنَّ السياق الاجتماعي ــ الاقتصادي قد لا يكاد يوفّر أيّ تفسير مُرْضٍ لتحول ضروب العزل المكاني أو الثقافي إلى إيديولوجيات سياسية إن لم يتوسّط ذلك، مثلًا، نموذج الأفكار الرومانتيكية عن المجتمع. غير أنّ مفهوم «الثقافوية» الذي يلقي ضوءًا مهمًا على تحوّل العواطف الجماعوية إلى أيديولوجيات محافظة، لا يفسّر كيف تتحوّل الإيديولوجيات إلى حركات شعبوية تتحدّى البنى السياسية السائدة.
من ثمَّ، يمكن القول إنَّ الثقافوية، وخاصةً مساعدها الإداري، المنظمات غير الحكومية الغربية، يعملان تمامًا لمصلحة مشاركة الجماعة ومأسسة حركاتها كعناصر تتقاسم التكلفة في سياق التكيّف البنيوي.
ولذلك، فإننا قد نحتاج لأن نتبيّن كيف يمكن لإيديولوجيا سياسية محافظة، مثل الإسلاموية السياسية، أن تتطور إلى حركة سياسية تبتغي الوصول إلى سلطة الدولة، مع دعم جماهيري من أوساط المهمشين أقصى التهميش اجتماعيًا ومكانيًا، ولماذا هي إيديولوجيا محافظة، وليست إيديولوجيا تقدمية، مثلًا؟
أحسب أن الجواب ينبغي أن يشير إلى أسباب نجاح الإيديولوجيات الشعبوية ذات الطابع القدسيّ الصريح في لحظات ظهورها. لقد وجدنا إيديولوجيات كهذه طوال هذا القرن، وعلى هوامش الحياة عمومًا، كما أشرت. وليس ثمّة سرّ عظيم هنا لأنَّ المجتمعات والكتل التاريخية تتكيّف عندما تتغير بطرائق متعددة، وليس من غير الطبيعي أن تحاول الجماعات المحرومة (وهنا أعني الحرمان الثقافي، وليس الحرمان المادي بالضرورة) الجماعات الاجتماعية المتبقية او المحتضرة، تأبيد ذاتها عن طريق الإصلاح: فكرة التغيير من الداخل التي تشتمل على تواريخ مكيّفة للرموز، أي على قراءة الحاضر في الماضي، بما في ذلك القرآن الكريم، وتقديم التجربة التاريخية، والنصّ القرآني، على أنهما استباق لحتمية الحداثة.
كان لدينا شيوعي عربي أثبت، دون أن يدعوه أحد إلى ذلك، أنَّ القرآن لم يسبق ديالكتيك الطبيعة لإنجلز وحسب، بل سبق أيضًا علم السبرنتيك بأكمله وفكرة قراءة الطبيعة عن طريق الرياضيات. هذا نوع من التبريرية غير الضرورية، أو من تملّق شعب متخيّل يُفترَض أنه لا يستجيب سوى للغة والرموز الدينية؛ وهو الشعب ذاته الذي دعم، كجمهور، كلًا من الشيوعية والناصرية والبعثية.
علينا أن نقاوم إغراء ترويج الأطروحة الإسلاموية ــ ذات الأثر الدعائي الكبير في الخارج والتي تلجأ إلى العاطفة الأخلاقية في الأزمنة الاستثنائية في الداخل ــ والتي مفادها أن المسلم بطبيعته إسلاموي الهوى سياسيًا. ذلك أنَّ الاثنين، المسلم والإسلاموي، متباينان تمامًا. ومعظم الأتقياء الذين أعرفهم يجحدون الإسلام السياسي ويزدرون السياسيين الإسلامويين، بوصفهم أشخاصًا يستخدمون الدين لغايات مدنّسة. وما يفسّر الفارق النوعي الذي يميّز اللحظة الراهنة هو فَوْعة ذلك الخليط من الدين والسياسة الشعبوية. ويمكن الإشارة إلى عدد من العوامل، لا يكفي أيّ منها بحدّ ذاته للتفسير، لكنها تنتج معًا وعلى نحوٍ تراكمي ما نراه من أثرٍ أكسيريّ.
علينا ــ ثانيةً ــ أن نقاوم الإغراء، الشائع هو ايضًا، الذي قد يدفعنا إلى أن نرى في الأمر «عودةً» إلى الإسلام: هذا غير تاريخيّ. وهو لا يأخذ على محمل الجدّ ما اعترى مجتمعاتنا من تغيرات عميقة، ولا يفسّر «غياب» ما يفترضه من «عودة»، دع عنك رضاه عن قراءة الإسلاموية السياسية لذاتها. لا، لا يمكن لجواب عضوي أو رومانتيكي أن يرضي النظرة النقدية، وينبغي أن ننتقل إلى غير مكان بحثًا عن تفسيرات، لا حاجة بها لأن تكون كلية أو «بنيوية» تمامًا، أي لا حاجة بها لأن تحيل إلى حتمية معينة.
ينبغي أن نعي أيضًا كم هي تقليديةٌ هذه التقليدية الجديدة لدى الإسلاموية وكم هي بعيدة عن الالتزام بالممارسة الاجتماعية التي تدّعي تمثيلها. وإلا لما احتاجت ــ كلّما أرادت التوسّع ــ إلى حشد كلِّ هذا القدر الاستثنائي والمتواصل من العنف. إنّها تفعل ذلك لأنها خارج الحياة الاجتماعية. وما أشرت إليه من بحث عن تفسيرات تكون ذات أثر تراكمي وتتعزز فرادى وجماعات بعملها معًا، إنّما يقودنا بصورة حاسمة إلى الجانب التنظيمي وجانب البنية التحتية. وهذه القصة معروفة جيدًا في ما يخصّ رجال الدين الشيعة في إيران، ولا حاجة إلى تكرارها. دعونا لا ننسى الخندق الثقافي لعقيدة الرئيس الاميركي ترومان. لقد وفّر العناصر الأولى اللازمة لإقامة بنية تحتية دولية من المؤسسات التعليمية والإعلامية.
لقد تسارع ذلك وتوسّع بفضل السخاء البترو ــ إسلامي، بقدر ما تسارع وتوسّع بخضوع ملايين العرب وسواهم من المسلمين في شبه جزيرة العرب، ومنذ مرحلة باكرة، الى النظام التعليمي المحلي ذي المكوِّن الديني الظلامي إلى أبعد الحدود. ولقد بقيت كلّ هذه البنى التحتية الدولية نائمة إلى أن دفعتها إلى الفعل قضية سلمان رشدي وأعطتها زخمًا. لكن الأثر الإسلاموي لم يُنقَل تعليميًا وأخلاقيًا فقط. بل انتقَل أيضًا، في مصر مثلًا، أو في تلك الأجزاء من لبنان حيث مناطق حزب الله، عبر الرعاية الصحية، والخدمات الاجتماعية، والإعانات، وعمالة الشباب الذين كانوا سيبقون لولا ذلك في حالة بطالة أو في حالة عدم صلاحية للعمل. يحدث كلّ هذا في حالٍ من الهامشية والتشظّي المكاني والاجتماعي، ذلك التشظي الذي تلتقط بعض شظاياه، عبر الخدمات التعليمية والثقافية والاجتماعية، منظماتٌ سياسية ذات بنية داخلية شبه لينينية، تملك مقادير هائلة من الأموال، مصادرها معروفة تمامًا. والحال، أنَّ كثيرًا من هذا يخلق رباطًا أخلاقيًا في أوساط تربط الحرمان بلاأخلاقية آخرين وبانهيار الآداب العامة والروابط الاجتماعية السابقة وانتشار الانحراف العام.
ولا عجب أن يؤدّي إحياء الروابط الاجتماعية في هذا السياق، مترافقًا مع الانكشاف الاجتماعي أمام رأسمالية متوحشة وما يفاقمه من تراجع الرعاية الصحية الكينزية الذي سبق أن أشرت إليه، ليس إلى إضفاء الطابع الأخلاقي على السياسة وحسب، بل أيضًا إلى تقديس الأخلاق، الأمر الذي يزيد كثيرًا من تصلّبها، ويحوّل منافاة الحشمة إلى كفر وفسوق. إضافةً إلى ذلك، فإنَّ حالات اليأس النسبي تكون جاهزةً لاستقبال الأوهام الخلاصية، والإيحاءات الأُخرويِّة والكليّة ــ «قَلْبُ عالمٍ بلا قلب، أفيون الشعوب» (كارل ماركس). كلَّ هذا يتعلّق بالمُجريات الداخلية. أمّا الخارجية، كما يُعبَّر عنها في برامج سياسية، فتأخذ شكل تعبيرات رومانتيكية.
خلال العقود القليلة الماضية، كانت ضروب الإنهاك قد اعترت الإيديولوجيات التقدمية بوصفها جزءًا من بديل تاريخي للرأسمالية والإمبريالية، وهي ضروب الإنهاك ذاتها التي أسقطت الكتلة السوفياتية. ومن هنا كانت فكرة «العودة» المغلوطة إنّما الشائعة كثيرًا على الرغم من ذلك، اكانت إلى الدين أم الفاشية أم التعلّق بما هو سلافي إلخ.
لا شكّ أنَّ هذه الأشياء جميعًا كانت موجودةً من قبل. غير أنّه ما من عودة إليها، ليس لأنها جُدِّدَت وصُقِلَت وحسب، بل أيضًا، وبشكلٍ حاسم، لأنها لا تمثّل تواريخها أتمّ التمثيل. ولا شيء آخر يمثّل تلك التواريخ. لذلك، ليس ثمّة طبيعة مسلمة أو سلافية، ثمّة فقط نزوعات إسلامية أو سلافية متجددة تعبر فضاء المجتمع من المركز إلى هذا المحيط أو ذاك، وبالعكس.
أمّا بالنسبة إلى المنظمات غير الحكومية، فإنَّ النزعة العاطفيّة المحلية التي لدى أحسنها نيّةً تجاه المحليين تسوق هؤلاء الأخيرين عمومًا إلى إحياء جماعات متخيّلة برعاية أشدّ العناصر تخلّفًا. كذلك تعمل المنظمات غير الحكومية بتآلف مع القوى النابذة، أي مع الخصوصيات الاجتماعية التي يمكن أن تكون جاهزةً، بشيء من الدعم والرغبة الخارجية، لأن تتحول إلى خصوصيات سياسية. وهذا بالطبع ما يخرّب أشدّ التخريب مقتضيات النسيج الوطني المدني، إذا ما أُريد أن يكون هنالك أي تطوّر اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي ذي معنى.
ينبغي ألّا نكون مستعدين لأن نرحّب بسيطرة المعارضة على بنى الدولة بصرف النظر عن توجّهها وعواقبه المحتملة، أو أن نحتضن العدمية الديماغوجية المناهضة للدولة الرائجة جدًا، لدى إسلامويين خارج السلطة، ولدى منظمات غير حكومية، كما لدى قوى العولمة الجديدة وقوى التكيّف البنيوي.
ترجمة: ثائر ديب
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.