باب البيت، الحارة، معصرة الزيتون، المئذنة، البساتين، كعب الأحبار، سوق المدينة، جامع سيدي خالد، كنيسة أم الزنّار، دار زمريّا، قلعة المضيق، قلعة حلب، الجامع الأموي في حلب، غابات الفرلق. المكان كذا والمكان كذا... وكأنّها مانترا للحنين يرددها السوريون، ولاد البلد، في السنة الأخيرة. تتتالى أسماء العلم وبعدها الصفات مجردة من أي شيء آخر، بأسلوب جورج بيرك في كتابه «الأشياء». لا حاجة لزخارف إضافية، الأسماء تكفي، الحد الأدنى المطلوب لتحفيز الذاكرة على عدم النسيان. يستغرب البعض وينهرون متذرعين بالأمثال الشعبية وكأنها مُنزّلة «المال ولا العيال، الحجر ولا البشر!». ينكفئ البكاؤون على الأطلال على أنفسهم، يرجعون إلى أرشيفاتهم الشخصية، ويكثرون من ارتياد المواقع الالكترونية المؤرخة للذاكرة الجمعية، ولصور سورية منذ بدأ التصوير الفوتوغرافي.
في حربه على البلد، وكأن النظام السوري يعرف تماماً ما تفعل يداه حين يقضي على العمران. هو آلة قتل وتنكيل بلا عقل، هكذا نراه في لحظات العقلانية والحكمة. ولكن تمر ومضات، ضمن هذا الكابوس، نخاله فيها يفكر عميقاً. يقضي على نقاط علامنا في حربنا ضده وكأنه يبتر أرجلنا وأيدينا ويقتلع عيوننا ويجدع أنوفنا. يعرف تماماً أن السوريين، أصدقاء الأبدية، حسب تعبير محمود درويش، سيضعفون كثيراً حين يستشعرون هول الفقد لأماكنهم وحجم الخسارة، كانوا يصدقون أن الحجارة مؤبدة، لكن الحرب الدائرة تعلّمهم من جديد أن لا ثوابت على هذه الأرض.
الطغاة لا يعرفون المجاز
الطغاة في سورية ذهانيّو التصور للحياة، لا مساحة لديهم للرمزية والمجاز. عندما يقولون سنقتلع حنجرة المغني أو نقطع لسان الشاعر أو نكسّر أصابع الفنان فهم يعنون الأمر حرفياً. وعندما يريدون جعل الناس تتحسر على استقرار الماضي، فهم يعنون الاستقرار حرفياً، نزع الاستقرار يعنون به زلزلة الأرض من تحت أقدام ساكنيها، كي تكون الأثمان والضياعات مهولة، تجهض الأرواح الوثابة والفرح وتجهض كل مبادرة لبناء اليوم التالي. الدمار أيضاً يهدف إلى إفراغ العمران من معناه. «العمران» في زمن البعث هو كتل إسمنتية لا روح ولا ذاكرة ولا نسيج اجتماعياً يطبعها بطابعه. العمران يُهدّم ويعاد بناؤه بسرعة، كل شيء يُستبدل ليُكرس في سرعة زواله التضادّ بين قابليته للزوال وأبد السلطة البعثية؛ تماماً مثلما حدث في حماه الثمانينيات عندما أزيلت الكيلانية وأُنشئت مبان جديدة وحدائق عامة على عجل. لهذا فشريف شحادة، المحلل السياسي، هو السطح الأكثر شفافية لخطاب السلطة العميق حين يقول إنّ سياسة الدولة حالياً في مخططها العمراني الجديد تتلخص بعبارة «نهدم بيد ونعمّر بيد». الأمر بذلك الاختزال والبساطة. انهم يدمرون الذاكرة الجمعية ليستبدلوها بواحدة جديدة سريعة ودون روح، الأمر يُقضى بسرعة «من يدّ ليدّ». وهنا أيضاً لا يكتفي الطغاة بالترميز والمجاز، يترجمون ذلك بحسيّة بدائية لافتة. يقول سلام كواكبي في مقالة صدرت في تشرين الأول الماضي، في «بوابة الشروق» بعنوان «حلب تحترق»: «يذكر الكثير من السوريين كيف انتزعت قطع الفسيفساء من لوحة قديمة لإعادة استخدامها في تشكيل صورة للرئيس السوري في مدخل متحف مدينة أبو العلاء المعري... العلاقة مع الإرث الجمعي تكاد تكون جزءاً من الموقف السلطوي العام الذي يرى في إدارته للشأن العام عملية متكاملة ومعقدة وتصل حتى لامتلاك الذاكرة المجتمعية ومحوها أو تعديلها بما تقتضى «المصلحة الوطنية».
من الشائعات التي انتشرت في دمشق قبل فترة قليلة من بدء الثورة، أنّ مستثمري النظام أو الدولة (لم نعد نميز كثيرا) كانوا ينوون هدّ مدرسة جودت الهاشمي العريقة في دمشق وإنشاء مرأب ضخم مكانها. هكذا بكل بساطة! والمدرسة ليست جميلة كعمارة فحسب ولكنها في الذاكرة الجمعية لعموم السوريين وللدمشقيين على وجه الخصوص، مكان تخرج منه الكثير من سياسيي سورية قبيل الاستقلال وبعده، وشهدت فوراناً سياسياً بين الطلاب بعموم توجهاتهم في السنوات الديمقراطية القليلة التي مرت بها سورية. ومدرّسوها هم من العلامات الفارقة في التاريخ التعليمي والتربوي في سورية القرن العشرين.
مرة أخرى، هناك معادلة مضمنة، يتقاسمها عقل النظام مع لا شعوره ومع أجهزته التنفيذية في ما يخص كل مناحي حياة السوريين. تقضي المعادلة بعدم ترك المجال طويلاً للعمران حتى يشكّل ثقلاً معنوياً في الذاكرة الجمعية. والعمران هنا ليس فقط الآثار أو المتاحف، كقلعة حلب أو الجامع الأموي في حلب أو الإرث الطبيعي من محميات وغابات. الإرث التاريخي، من الممكن الحفاظ عليه والتغني به ومطالبة الأونيسكو بإدراجه ضمن الإرث الإنساني العالمي أو المتاجرة به معنوياً ومادياً أو تدميره حسب ما تقتضيه الحاجة. لكن العمران المثير للقلق بالنسبة للنظام هو أيضاً العلاقة الوثيقة الوظيفية والعاطفية بين البشر والمكان والتي من شأنها أن تمكّن الناس من علاقتهم مع موطنهم وتجعلهم يستقرون لدرجة التفكير بالفضاء العام أو «الأغورا».
لهذا السبب يسعى النظام إلى هز الاستقرار وجعله مؤقتا بشكل مستمر. لا أبلغ من فاضح لهذه المعادلة من فيلم عمر أميرلاي «طوفان في بلد البعث» حيث يطوّف النهر في منطقة الفرات بالإنشاءات والمنجزات البعثية ليبتلع الملامح والشخصية ويماهيها مع النظام. وإن عجزت رؤيتنا السينمائية عن فهم هذا البعد في الفيلم فما علينا إلّا بالكلام المباشر النقي دون لبس ودون مواربة الذي يقوله «النظام» على لسان آلته الإعلامية وصحفه. في مقالة لياسين سويحة في «موقع الجمهورية»، بعنوان «الفاشية إن تكلّمت، العشوائيات في سورية مثالاً» ينقل الكاتب مضمون مقالة لصحافية سورية تطالب علناً وبكل وضوح بأن يسوّى حي الرمل الجنوبي في اللاذقية بالأرض، لأنه بؤرة للإرهاب والفقر والتطرف والتهميش الاجتماعي. الإنسان وعلاقته مع المحيط وبصمته في مكانه وتاريخه المتراكم في ذلك الجزء من العمران لا وجود له. وكأن «أفراد» الشعب السوري مجرد شخوص في لعبة «ليغو» عملاقة، يمتلك النظام الحق الحصري في تحريكها واستبدالها ورميها في النفايات، وفقط النظام.
في كتاب شهير عن الذاكرة الجمعية، يقول عالم الاجتماع موريس هالباوش: « لمعظم الأحياء، داخل المدينة، وللدُور داخل الحي، موضع ثابت، مرتبط بالأرض ارتباط الأشجار والصخور، مثل هضبة أو سهل. الحاصل أنه لا يتولد عند المجموعة العمرانية أي انطباع بأنها تتغير، طالما أن مظهر الشوارع والأبنية يبقى هو ذاته، وطالما أنه ليس هناك الكثير من التشكيلات الاجتماعية يمكنها أن تكون أكثر استقراراً وأماناً واستمرارية. فعلى سبيل المثال، على الرغم من الحروب والثورات والأزمات، تبدو باريس وروما مدينتين اجتازتا القرون دون أن تنقطع استمرارية الحياة فيهما للحظة واحدة. يمكن للجسم الوطني أن يكون فريسة أكثر التخبطات عنفاً. ينزل المواطن إلى الشارع، يقرأ الأخبار، يختلط بالجماعات الأخرى تُناقش تلك الأخبار، على الشباب أن يركضوا نحو الحدود، ينبغي أن تُدفع الضرائب الثقيلة، قسم من السكان ينتفض ضد قسم آخر، وهاهي فترة نضال سياسي تجتاح البلد كله. ولكن كل هذا الاعتمال والاضطراب يجري في إطار مألوف، لا يبدو أنه يتأثر بمجريات الأحداث. أهو ذلك التناقض بين عدم نفوذية الحجارة وبين الاضطراب الذي يخضع له الناس، هو ما يقنعهم بأنه بالمحصلة لا شيء ضائعاً، طالما أن الجدران والمنازل لا تزال واقفة ؟»١.
هذا بالضبط ما يقوم به النظام. يجعل الإطار العام لحياة الناس مهتزاً ومخلخلاً لدرجة يتساءل بعدها الفرد «أليست الأثمان كبيرة؟».
حمص ومتلازمة البتر والجنون
جدران ومنازل كثير من السوريين لم تبق واقفة، لذلك هم يشعرون بأنهم مبتورو الأطراف. معظم السوريين في هذه اللحظة إما مبتورو الأطراف حرفياً أو معنوياً. وبعد البتر يعاني المصاب من متلازمة نفسية تجعله ينكر بتر العضو، يتحسسه لا شعورياً ويحكّ بقربه ويتخيل أنه لا يزال موجوداً، ويشعر بحرارة هالته، لاسيّما الأشخاص الأكثر التصاقاً ببيئتهم المحلية.
هذه حال أبو وليم، الشخصية الحمصية التي تداولت مواقع التواصل الاجتماعي صورتها وأخبارها، مازال يحتسي قهوته الصباحية على شرفة منزله العاري من الجدران في حي الحميدية في حمص، على الرغم من حصار حمص القديمة وفراغ الحميدية من أهلها. أبو وليم، بحسب وصف الحماصنة العارفين بأحوال المدينة وأهلها، شخص عادي أقرب إلى أن يكون كسولاً حسب المعايير الاجتماعية في أزمنة السلم، صاحب دكان لبيع أفلام الفيديو وأبعد ما يكون عن التوصيفات البطولية والوطنية. ولكنه لا يستطيع أن يخرج من الحارة، هو «ابن بلد» دون فضيلة، هنا وُلد وهنا قضى عمره ويعرف تماماً أو ربما يتوجس من أن خروجه يعني الموت أو الجنون. يتحسس «الحميدية» ويشعر بحرارة هالتها، يعيد تركيب أجزائها في رأسه.
هل تعرفون الحميدية وحمص القديمة؟ المدينة القديمة في حمص تتشارك مع الكثير من المدن السورية، وربما المشرقية، بأنها معتادة على التاريخ حد الملل واللامبالاة. التاريخ موجود بإسراف، إسراف يزيل القداسة ويجعل الناس، مثلاً، ينشئون حائطاً اسمنتياً بوجه واجهة مملوكية، أو يرشّون الماء ويتوضأون عند سبيل عمره مئات السنين وربما يبصقون دون اكتراث. قد يثبتون لافتات محالهم بمسامير فوق أعمدة كورنثية، وقد تلتصق متاجر «اللانجري» بكنيسة أم الزنار الأثرية. في شهبا بمحافظة السويداء، تجد حبال الغسيل ممدودة فوق منصات تاريخية، قبالة مدرج صغير روماني على بعد أمتار من متحف الفسيفساء الرومانية. التلاصق العجيب بين العصور والأنماط والطرز المعمارية هو ما يميز مدننا. على بعد أمتار قليلة من باب شرقي وباتجاه باب الجابية غرباً، قد تلمح واجهة لمنزل دمشقي بُنيت حسب الطراز المعماري للامبراطورية النمساوية الهنغارية. «هجانة» ساحرة لا تحتاج إلى الكثير من الكلمات عن التنوع.
عن الإهمال يقول السائح: هو الجهل بالموروث الثقافي. ربما، ولكن الأهم من ذلك هو أن المكان تغلغل في إنسان هذه البقعة من الأرض حد التماهي. الإنسان هنا يستبطن أن المكان باق، غير زائل ومن منسياته، وأن العناية الفائضة تخص المواضيع الزائلة فقط. ألهذا أُدهش كل مرة أسمع هذا المقطع من درويش عن دمشق؟ «... في دمشق، ينام الغريب على ظله واقفاً مثل مئذنة في سرير الأبد؛ لا يحنّ إلى أحد؛ أو بلد؛ في دمشق؛ يواصل فعل المضارع أشغاله الأموية؛ نمشي إلى غدنا واثقين من الشمس في أمسنا؛ نحن و الأبدية؛ سكان هذا البلد...». أُدهش مثلما يدهش مزارع ياباني من لغويّ يصنف له جمله وكلماته معجمياً، ويجعل من هذا مهنة له في جامعة ما، فلغته هاهنا في قلبه، في عقله، لم يخرجها يوماً ويرفعها أمام عينيه ليراها وجهاً لوجه.
حمص، إذاً، مثل كل المدن السورية، ولكن فوق ذلك هي «أم الحجارة السود»، مدينتها القديمة سوداء الحجارة. البازلت الأسود يزيد قناعة أهلها بأنها لا تُخترق وأنها باقية بقاء التاريخ. في حمص خصوصية أخرى، هي مدينة خفرة ودمثة دون تباه ودون استعراض، جمالها لا يظهر فوراً للعيان، مآذنها متزنة ومعتدلة لا تناطح السماء.
صبيحة مجزرة الساعة في نيسان ٢٠١١، نهضت «نسمة» من سريرها متعبة ولكن مصممة على ترتيب البيت وتنظيفه حتى آخر ميليمتر منه، وظلت تعاود الكرّة بهوس لافت طوال أشهر، وكأنها تريد إعادة وترميم حياة مدينتها بترتيب فضائها الخاص. كانت تشعر بأن فناء المحيط يسارع في تقدمها بالعمر. نسمة سيدة حمصية تنتمي إلى برجوازية المدينة، ذاكرتها المتوارثة العائلية لا يمكن فصلها عن حمص، تعبر عن ذلك بقولها إنها قد تختنق خارج حمص. في البداية كانت تقول إنه من غير الممكن بالنسبة لها أن تهجر حمص، مهما حصل. في النهاية وبعد صمود عشرة أشهر اضطرت إلى أن تترك حمص وتنزح إلى دمشق، بعد حصار بابا عمرو، في نهاية شباط ٢٠١٢. منذئذ وهي لا تتوقف عن البحث عن نقاط علاّم لحياتها المهددة والمقلوبة رأساً على عقب. ومن حينها وهي تشعر مثل كل الحماصنة الذين اضطروا إلى مغادرة مدينتهم الأم أنها معلقة في الهواء، في حالة انعدام وزن، تحاول أن تفهم حالتها النباتية، دون جدوى.
في أول أيام وصولها لدمشق، كادت نسمة أن تُصاب بانفصام. لم تفهم كيف يمكن أن يجول الناس بالشوارع دون أدنى شعور بالتعاطف مع حمص، كيف يمكنهم ارتياد المطاعم والمقاهي ومدينتها مدمرة؟ كيف يمكنهم المساهمة في إضفاء صدقية على مقولة «خلصت وسورية بخير»؟ كيف؟ لم تفهم بسمة كيف يمكن للوطن أن يكون «كبسولات» كل كبسولة في جملة زمنية وجغرافية مختلفة. بعد فترة أصبحت تدرك أن الناس وحدات ضمن جموع أكبر وأن كل وحدة تهتم أكثر لهمّها الخاص جداً الذي يمس منظومتها دون نفي التعاطف والفهم المتبادلين. ولكن هذا الأمر بحد ذاته يهدّئ من روع المهجر ويجعله يستكين لقوانين الجملة الجديدة.
مع تصاعد العمليات العسكرية في ريف دمشق ونزوح الآلاف إلى مدارس مركز مدينة دمشق، كان بعض الناشطين العاملين في الإغاثة يشتكون من تخشب الوافدين وعدم إقدامهم على أي عمل جماعي مفيد ومتضامن داخل المدرسة. اشتكوا كذلك من نزوع اللاجئين إلى هدر الموارد دون إحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين، في تلك اللحظات كانت بسمة تبتسم ابتسامة حزينة، محاولةً شرح حال المهجّر من مكانه الخاص. هو يرفض لا شعورياً الانتماء إلى الفضاء الجديد، يرفض بالكثير من المرارة والأمل في نفس الوقت أن يعود إلى داره، وأحيانا يرفض مع القليل من الحقد على الآخرين العاملين بالإغاثة والذين لم يفقدوا أمكنتهم بعد.
نشرت مجلة «الاكسبريس» الفرنسية في ايلول الماضي تحقيقاً عن الأوضاع النفسية للاجئين السوريين في لبنان. من بين ما ذكره طبيب نفسي في المقابلة أن أغلب اللاجئين في حالة شدة وأحياناً اكتئاب مستمرة ليس فقط بسبب دخولهم في حداد بعد فقدانهم أحبة، ولا لأنهم مكشوفون دون أي غطاء أمان أو حماية مواطنية، ولا بسبب اعتقالهم في بعض الحالات، بل لأنهم، في المقام الأول، فقدوا الإطار القديم الذي كان ينظّم حياتهم.
في مقالة بعنوان «حيث لامكان» كتب حسان عباس٢ عن تجربة التهجير وخروج الكثير من السوريين من أحيائهم إلى الحدائق العامة وكيف أن تناذرات نفسية تلحق بالشخص الذي خرج من ذاكرته المعلمية ومحيطه الملموس إلى اللامكان حيث الخواء وفقدان تفاصيل الذاكرة الشخصية والعائلية. أتى موريس هالباوش هو أيضاً على ذكر الخلل العاطفي والنفسي الناتج من فقدان التماس مع المكان. قال: « يلاحظ أوغست كونت أن التوازن العقلي ينتج أولاً وفي جزء كبير منه من كون الأشياء المادية التي نحتك بها يومياً لا تتغير أو تتغير بشكل بسيط وتقدم لنا صورة الديمومة والاستقرار»٣.
عشوائيات
يذكر ياسين سويحة٤ أن العشوائيات تشكل نسبة ٥٠٪ من السكن الإجمالي في سورية، وأن تهميش هذه العشوائيات، وتلاحم نسيجها الاجتماعي، جعلاها من أكثر المناطق الثائرة في عموم سورية وأكثرها تعرضاً للعنف المفرط من قبل النظام. هذا النظام الذي يستسهل تدمير هذه التجمعات السكانية بمسوّغات عديدة اجتماعية واقتصادية وسياسية مخفية ويُعمِل آلته القانونية والتشريعية بسرعة مذهلة لقوننة العنف. وهنا نعود إلى المراسيم الأخيرة التي تقضي بقص هذه الأحياء لتنفيذ مخططات عمرانية جديدة، بحسب ترتيلة شريف شحادة «نهدّم بيد ونعمّر بيد». الإنسان مغفل في معادلة النظام، وهذا ما أقصده تماماً حين أقول إنّ العمران في ظل هذه المنظومة هو البيوت، الحجارة، الاسمنت الذميم وخزانات الماء الحمراء البلاستيكية فوق الأسطح. النظام أعمى عن السكّان، يسمح متى يشاء ببناء المخالفات ولا يهدمها إن بقيت موالية وأداة للحفاظ على السلطة، حتى لو انطوت على كل المسوّغات التي يحاجج بها لتدمير عشوائيات أخرى بيد مطلقة الصلاحيات.
قبل عدة سنوات، شاع أن لدى الدولة مخططا تنظيميا يشمل شارع الملك فيصل الدمشقي في جزئه الغربي وسوق المناخلية. يبدو أن المشروع كان يهدف إلى تسهيل سياحة حجاج مقام الست رقية في العمارة وإقامة منشآت سياحية باستثمارات رؤوس الأموال الحصرية في سورية. وحين تجرأ بعض المثقفين على الاعتراض والكتابة عن الموضوع، كانت حجة النظام الدامغة حينها أن المنطقة لا تحوي آثاراً أو أوابد مهمة! منطق النسيج الاجتماعي الاقتصادي والذاكرة الجمعية في ذلك الحي لا معنى له في ذهن النظام. فالتراث غير المادي غير معترف به، لأنه تراث يتعلق بالإنسان أولاً والإنسان خارج المعادلة الفاشية بكل الأحوال.
والمفارقة العجيبة، والتي لا يمكن إلّا أن تكون خصوصية سورية في زمن البعث، هي أن المدن المخططة وفق رؤى أقرب إلى النموذج الغربي (مجمعات سكنية طابقية وفضاءات عامة مشتركة مثل الحدائق العامة والمراكز الثقافية، إلخ واختلاط طائفي نوعاً ما وسوية اقتصادية اجتماعية أقرب إلى أن تكون نسيج الطبقة الوسطى: مساكن نقابية وجمعيات) هي التي لم تثر أو ثارت متأخرة. هذا لا يعني أبداً أن الأمر بديهي لأن هذه الأحياء مرتاحة ومستفيدة من النظام ولا يهمّها إسقاطه كما ينزع بعض الكتاب والراصدين إلى التحليل. على العكس، فأفراد هذه الأحياء وشبابها خصوصاً ثائرون، لكن فعلهم الثوري يقومون به خارج أحيائهم وخارج مراكزهم الثقافية، الخالية في معظم الأوقات.
سيان عندما يدمّر وعندما يبني
مرة أخرى نرى بفجاجة معادلة البعث. ولكن هذه المرة ليس عندما يدمر بل حين يبني. هو يبني «مسكناً» لا يقيم للمتغير البشري فيه أي حساب. يبني حالة مدينية ولكنها خامدة لأن الحالة المدينية السياسية والمواطنية الحقة خارج المسكن غير موجودة، والنتيجة جزر متقطعة من العشائر أو العائلات تخاف من الجزر الأخرى وتتجنب العمل الجماعي معها لأنها لا تعرفها. وفي زمن الثورة الكل يسيء الظن بالكل ويظنه شبّيحاً... فما بالكم بأن يقيم معه تظاهرة مثلاً؟ّ!
العشوائية هي اللابناء واللامعمار، لكن الالتقاء البشري وفق معايير أخرى ــ مناطقية، اقتصادية/اجتماعية، طائفية وغيرها ــ تجعلهم متقاربين ومجتمعين على الثورة العفوية. عندها لا يجد النظام أبداً ضيراً في تسوية اللابناء بالأرض، بكل الأحوال فهو لم يبنه والبشر فيه دون قيمة.
إلا أن الناس لا ينسون ولا يشفون بسرعة. سكان القابون أصروا في هذا الخريف على حضور مشهد تدمير بيوتهم بالجرافات. وحين الانتهاء، تقدموا ليلتقطوا بعض الإشارات والعلامات عن حياة ماضية تحفظ شيئاً من ذكرياتهم. العشوائيات ليست مساكن. هي كتل لحم بشرية ضخمة تختزن حياة مشتركة، لأجيال.
أعود الى هالباوش: «لو أن العلاقة بين المنازل والشوارع والمجموعات الاجتماعية تقتصر على العلاقة الظرفية الطارئة وقصيرة الأمد لكان الناس قادرين على تدمير منازلهم وأحيائهم ومدنهم وبناء مدن جديدة بدلها، وبمخطط آخر؛ لكن إذا كانت الحجارة قابلة للنقل، فليس بنفس السهولة يتم تعديل العلاقات والوشائج التي قامت بين الحجارة والناس. حين تعيش جماعة إنسانية طويلاً في موضع تأقلم مع عاداتها، لا تنتظم حركتها فحسب، بل أفكارها كذلك وفق تعاقب الصور المادية التي تظهرها الأشياء والمواضيع الخارجية. الآن، أزيلوا، أزيلوا جزئياً أو عدّلوا في اتجاهات المكان، في شكله، في مظهره، تلك المنازل، تلك الشوارع أو غيّروا فقط في تموضع المنازل نسبة إلى بعضها. الحجارة والمواد لن تقاومكم. لكن الجماعات الإنسانية ستقاوم وبمقاومتها، ستصطدم، إن لم يكن بالحجارة نفسها فبترتيبها واصطفافها السابق... حتى فئة السكان الأكثر فقراً لا تذعن للانتقال دون مقاومة، دون ردود فعل عدائية، وحتى عندما تستسلم فإنها تترك حتماً جزءاً من ذاتها وراءها»٥.
السوق
دوما، صيف ٢٠١٢: يخرج أبو أسامة، ذو الأربعة والثمانين عاماً من منزله ليتجه إلى دكّانه المدمر منذ أشهر، لا يبيع. لم تتجاوز مبيعاته خلال ستة أشهر ستة آلاف ليرة. إلا أنه مازال مصراً على الالتزام بمكان عمله، في منطقة البوابة من السوق القديم. قضى في المكان نفسه ثمانية وسبعين عاماً. في عمر الست سنوات، ختم القرآن وتعلم الحساب وأصبح، بحسب والده، صالحاً لدخول السوق. عرف كل تطورات السوق العمرانية والبشرية وتقلبات الذاكرة الاقتصادية لمدينته. وبإصراره على البقاء، يتمثل دور الحارس، الحارس لاستقرار المدينة الاقتصادي وللذاكرة الجمعية للمدينة، لذاكرة الأسعار والتبادلات في دوما. هو هناك رغم ما اخترق دكانه من قذائف ورصاص، يحرس الاستقرار أو استيهام الاستقرار.
كارثة سوق حلب لا تقتصر على العمارة التي ترجع إلى القرون الوسطى فحسب. الكارثة عمرانية وليست فقط معمارية. السوق هي حافظة حلب الاقتصادية، حلب العاصمة الاقتصادية لسورية والسوق احدى العلامات المسجّلة لهذه الهوية. رُوي أن أصحاب المحال المحترقة (حوالي خمسمئة محل تجاري) كادوا أن يجّنوا، ففوق الخسارة المادية الهائلة لكل محل تعيش منه عدة عائلات، هذه المحال تركات عائلية عريقة في معظم الأحيان، وشاهد على تاريخ المدينة الاقتصادي.
إنها الأمكنة (التي تشغلها الجماعات)، ــ يكتب هالباوش ــ حيث تتشكل الآراء عن قيمة الأشياء وحيث يتم تناقل ذكريات الأسعار، الأمكنة هي وحدها القادرة أن تكون دعامة للذاكرة الاقتصادية»٦. «إن تساءلنا كيف يتم حفظ هذه الذكريات وكيف نجدها، فلنلاحظ أن الشرط الضروري للتبادل، هو أن يعرف الزبون في أي مكان يمكنه أن يجد التاجر، أو بالعكس كيف يمكن للبائع أن يصل للشاري في مكان محدد يعرفه. لا ينتج من ذلك أن كل عملية شراء وكل عملية بيع لها موضع فحسب، بل كذلك أن هناك مناطق من الفضاء محددة تماماً لا يمكن للحياة الاقتصادية أن تستقر دونها ودون أن نمتلك عنها ذكرى. إنهم التجار الذين يعلّمون زبائنهم ويذكّرونهم بسعر كل سلعة. الشارون، ماهم إلا شارون لا يشاركون بالحياة وذاكرة الجماعة الاقتصادية إلا عندما يلجون دوائر التجّار أو عندما يتذكرون أنهم ولجوها». «هذا هو دور تجار المفرق: ينبغي عليهم أن يساهموا في استقرار الأسعار بشكل كاف حتى يستطيع المستهلكون الشراء. هذا ليس إلا تطبيقاً خاصاً لوظيفة على كل مجتمع أن يقوم بها : بينما يتغير كل شيء دون توقف، عليه أن يقنع أعضاءه بأن لاشيء يتغير، على الأقل خلال وقت معين وبالنسبة لأمور معيّنة. على مجتمع التجار كذلك أن يقنع زبائنه بأن الأسعار لن تتغير، على الأقل خلال الوقت الذي يحتاج إليه أولئك ليأخذوا قرارهم بالشراء. لا يمكن لهذا المجتمع من التجّار أن يطلع بهذا الدور ما لم يستقر هو نفسه، وأن يثبت في بعض الأمكنة، حيث يتجمد التجار مع بضاعتهم بانتظار الشارين».
الأرض
مع بداية الثورة كنت أسمع أهالي الكثير من المناطق الثائرة، وخاصة في المجتمعات الريفية والزراعية، يتحدثون عن «الأرض». أهالي المعضمية والمزة وبرزة ودوما ودرعا في سردياتهم عن الظلم الذي لحق بهم من النظام، يكررون هذه المفردة: الأرض. استولت الدولة على أراضيهم ولم تعوضهم إلا بالفتات. وشركات رامي مخلوف تستولي على الأراضي بقرصنة قلّ نظيرها ثم تستثمرها أو تبيعها لأصحاب استثمارات خليجيين أو تستثمرها هي مباشرة.
يصعب على ابن المدينة أن يتمثل الأرض ضمن السياسي. الأرض؟ هل هي كناية عن السياسة وعن علاقتهم بالحاكم؟ في اجتماع مع نساء داريا الثائرات كن يكررن تأكيداً على عدالة قضية السوريين: « القضية بسيطة: غاصِب ومُغتصَب وأرض والمظلوم سينتصر!».
يبدو أن عقل النظام يدرك هذه المسألة أكثر مني. ففي حرقه لبساتين ريف دمشق وغابات اللاذقية المعمرة ومعصرة الزيتون في برزة والزيتون في إدلب وقبلاً القمح في درعا، كان يدرك تماماً أن الأرض أيضاً تحمل ذاكرة جمعية لأهل البلد. في دوما مثلاً، مازال يُشار إلى الأراضي باسم مالكيها الأوائل: أرض الشيشكلي، أرض الغزي، أرض الخانم، أرض البارودي، حتى لو تعاقب على ملكيتها عشرات العائلات في ما بعد. وربما لهذا تشيع التعابير الفذة المستعارة من الحقل الدلالي للأرض مثل «سنزرعها بطاطا» في الإشارة إلى أي منطقة ثائرة. أي أنهم سيمحون الأرض ويؤسسسون لذاكرة طارئة وسريعة.
«... الفكر الجمعي لا يأخذ بعين الاعتبار القوانين، بتجرد من كل الظروف المحلية حيث تُطبق تلك القوانين. الفكر الجمعي يرتبط بالأحرى بهذه الشروط، إلا أن هذه الشروط والظروف شديدة التنوع، لأنه بتوحيد القواعد، لم يكن هناك سبيل لجعل خصوصيات الأراضي ذات صبغة واحدة وكذلك ظروف الأشخاص، لم يكن ممكناً جعلها تحمل صبغة واحدة. لذلك، في الريف، أيّ اختلاف في وضع المكان يحمل بعض المعاني القانونية. في ذهن كاتب عدل الريف أو عمدة القرية، البراري والحقول والغابات والمزارع والدور تخبر عن حقوق الملكية وعن عقود البيع والرهون، أي عن سلسلة من الأفعال والمواقف الحقوقية، لا تعكسها الصورة المجردة والبسيطة للأرض بالنسبة إلى شخص غريب ولكنها تتراكب في الذاكرة القانونية للمجموعة الإنسانية الفلاحية. هذه الذكريات مرتبطة بالأجزاء المختلفة للأرض. وإن اتكأت الذكريات الواحدة فوق الأخرى، فذلك لأن قطع الأرض المرتبطة بها تتجاور في الواقع. وإن تُحفظ الذكريات في فكر الجماعة فذلك لأنها مازالت مقيمة فوق أرضها، ولأن صورة الأرض مستمرة مادياً خارجاً عنها، ويمكن لهذه الأخيرة أن تعاود الإحاطة بالأرض»٧.
«يحصل أن يغير الناس أماكنهم وأن يحصل تحوّل في استعداداتهم الفطرية وقدراتهم وقواهم وسلطتهم. إلا أن شخصاً أو مجموعة من الأشخاص لا تكتسب حق الملكية على أرض أو شيء إلا انطلاقاً من تلك اللحظة التي يقبل بها مجتمعهم وجود رابط ما بينهم وبين تلك الأرض أو ذلك الشيء أو أن ذلك الرابط ثابت بثبات الشيء نفسه. هنا نحن أمام اصطلاح اجتماعي يقسر الواقع، بما أن الأفراد يتغيرون بشكل مستمر. أي مبدأ نقترحه لتأسيس حق الملكية لا يكتسب أي قيمة ما لم تتدخل الذاكرة الجمعية لضمان تطبيقه. كيف سيُعرف مثلاً إن كنت أول من شغل هذا الجزء من الأرض أو أن هذه الخيرات هي صنيعة عملي إن لم تتم العودة إلى حالة مسبقة قديمة تؤكد أن الوضع كما هو عليه لم يتغير؛ مما من شأنه أن يضع موضع المواجهة ما بنيت عليه حجتي في الملكية وادعاءات الآخرين، كيف يمكن ذلك إن كانت الجماعة لإنسانية لا تحمل ذكراه ؟ لكن الذاكرة التي تضمن استمرار هذا الوضع تستند هي نفسها إلى استمرارية الفضاء كما هو، أو على الأقل استمرارية الجماعة في سلوكها في ما يتعلق بهذا الجزء من المكان»٨.
أمكنة الله السورية
الجوامع والكنائس في سورية في حالة وفرة قد تجعل المرء يتكاسل في طلبه للروحانيات، يتكاسل لأنه يعرف أنه حين يحتاج إلى الله سيجد بيته بيسر، هناك في رأس الحارة. وبيوت الله تلك قديمة قدماً يجعلنا في كل مرة ندخلها نستدعي باللاشعور اجتماعات جماعتنا وحالتهم الوجدانية الموحدة في كل صلاة أقاموها وفي كل مناسبة فرح أو حزن. حين طال الدمار الكنائس كما حدث في كنيسة أم الزنّار السوداء العريقة في حمص، أو مآذن وقبب الجوامع كما حدث في جامع خالد بن الوليد أو كما حصل أخيراً في الجامع الأموي الكبير في حلب، عبّر أهل حمص وأهل حلب ببساطة وصدق وعمق عن مشاعرهم: قالوا إنهم اختنقوا. اختنقوا. فجامع سيدي خالد والجامع الأموي في حلب علامة مركزية في عمران حمص وهويتها. وجامع سيدي خالد والجامع الأموي ثابتان في مكانهما، يذكّران الناس بأن لا خطر في توحدهم كجماعة، ما عليهم سوى التجمع في صحن الجامع لإقامة الصلاة مرة واحدة.
«تأتي لحظات، تكون الكنيسة فيها فارغة تقريباً أو فارغة تماماً وفي لحظات أخرى، تكون أبوابها مغلقة حيث لا شيء إلا الجدران والجماد. حينها تكون الجماعة مبعثرة. ولكنها تتماسك وتستمر كما كانت. لا شيء يدعوها للاعتقاد أنها تغيرت أو توقفت عن الوجود، على شرط أن يبقى مؤمنوها، خلال ذلك الوقت المقتطع، قادرين على المرور أمام الكنيسة، أن يروها من بعيد وأن يسمعوا أجراسها وأن تبقى صورة اجتماعاتهم وطقوسهم واحتفالاتهم التي حضروها في ذلك المكان حاضرة أو أن يتمكنوا دائماً من استدعائها مباشرةً. ولكن كيف سيتيقنون بأن مشاعرهم الدينية لم تتغير، أنهم مازالوا كما كانوا وأنه لا يمكننا أن نميز عندهم الماضي من الحاضر إن لم تضمن لهم ديمومة الأمكنة ذلك؟»٩.
أما أنا، فسآخذ بترديد تعويذتي الدمشقية الخاصة، بكل أنانية، من فوق البقعة التي بدأ ينحسر عنها الماء، من مكاني الضيق، كتميمة للشفاعة للأماكن من الخراب أو كتطيّر يستشرف الخراب ويستعجل الشفاء من متلازمة البتر والجنون. أستدعي الجوامد باستظهار أسمائها حتى أقول إننا هنا وإن التاريخ فينا، عميق تحت الجلد، وإننا لن ننسى: العفيف الأنيس والأنيق بعمارته الفرنسية من زمن الانتداب، المزة الشرحة وصبارتها العريقة، ساروجة ثرية أول القرن الماضي، سريجة، الباب الصغير، البدوي وحارة المغاربة ومدحت باشا والحميدية، الكلاسة والحمامات المملوكية، القلعة، الأموي الهجين العريق، القيمرية، القشلة، باب توما وحنانيا والعازرية، باب شرقي، الأمين، باب السلام، العمارة الجوانية والبرانية وستنا رقية، المناخلية، شارع الملك فيصل، والأثر البسيط الذي بقي للتراموي الفرنسي...
- ١. Halbawachs, M. La mémoire collective, Paris, Albin Michel, 1997. p.197.
- ٢. حسّان عباس، «حيث لا مكان»، السفير، ٧/٩/٢٠١٢
- ٣. هالباوش، المصدر ذاته، ص ١٩٣
- ٤. ياسين سويحة، «الفاشيّة إن تكلّمت: العشوائيات في سورية مثالًا»، مجموعة الجمهورية لدراسات الثورة السورية، تشرين الأول ٢٠١٢
- ٥. هالباوش، المصدر ذاته، ص ٢٠٠
- ٦. هالباوش، المصدر ذاته، ص ٢٢٣.
- ٧. الباوش، المصدر ذاته، ص ٢٠٥.
- ٨. هالباوش، المصدر ذاته، ص ٢١٥
- ٩. هالباوش، المصدر ذاته، ص ٢٢٧
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.