العدد ٣٥ - ٢٠٢٢

سيطرة «الطبقة التجارية» في عهد الاستقلال الأول

من تاريخ الأوليغارشية اللبنانية - ١

ترجمة فيفيان عقيقي

 

ننشر في ما يلي وثيقتين من أرشيف الخارجية الأميركية عن الحلقة الضيّقة من رجال الأعمال المحيطة ببشارة الخوري، رئيس جمهورية العهد الاستقلالي الأول ( ١٩٤٣-١٩٥٢)، والمرتبطة به عائليًّا. وتضمّ الأسر السبع التي تسيطر على الاقتصاد وعلى السلطة السياسية. وهي الحلقة التي أطلق الصحافي اسكندر الرياشي عليها اسم «الكونسورسيوم». والجدير بالملاحظة في تلك التقارير التي وضعها موظفون في البعثة الدبلوماسية الأميركية لدى لبنان، مبلغ الصلة الوثيقة – في عهد الاستقلال عن السيطرة الفرنسية - بين كتلة المصالح المحلية والمصالح الاستعمارية الاقتصادية الفرنسية المستمرة منذ السلطنة العثمانية والمتجددة والمتّسعة في ظل الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان (١٩٢٠- ١٩٤٦).
تتضمّن الوثيقة الثانية نص محاضرة لنعيم أميوني، مساعد مدير وزارة الاقتصاد الوطني، في الكليّة الأميركية الإعدادية Junior College، يدافع فيها عن مشروع للتنمية الصناعية والزراعية يوفر المزيد من الصادرات ويقلّص نسبة الاتّكال على المستوردات الأساسية. ويساجل أميوني ضد النظرة السائدة لدى الطبقة التجارية التي تقول بأن لبنان يستطيع أن يعيش اقتصاديًّا بالدرجة الأولى على التجارة.

 

السيطرة السياسية للطبقة التجارية في لبنان

سرّي (تصنيف أمني)
برقية خارجية رقم ٣٧٢ - ٢١ كانون الثاني/ يناير ١٩٥٢
من: البعثة الأميركية في بيروت
إلى: وزارة الخارجية في واشنطن
جدول المحتويات

* ملخّص
* الجزء الأول – مسح لأهمّ الشخصيّات الثرية في الطبقة التجارية اللبنانية

I. زيادة الأهمية التجارية للبنان

  1. التجارة العامّة
  2. تجارة الترانزيت
  3. سبب الزيادة

II. أهم الثروات اللبنانية

  1. حلقة رئاسية من سبع شخصيات (حسين بك العويني، فؤاد الخوري، ميشال ضومط، هنري فرعون، جان فتّال، ألفرد كتّانة، خليل الخوري)
  2. أعضاء بارزون في المجموعة الفرنسية من خارج الحلقة الرئاسية الأساسية
  3. ثروات متنوّعة
  4. ثروات أخرى متوسّطة الحجم

* الجزء الثاني – درجة السيطرة السياسية التي مارسها قادة الطبقة التجارية اللبنانية

I. ملخّص عن إنجازاتهم
II. سيطرتهم على السياسة التجارية
III. الحلقة الرئاسية، موقعها التفضيلي
IV. المصالح الفرنسية

  1. النشاط المصرفي الفرنسي
  2. دليل على ضعف السيطرة الفرنسية

* تقييم المصادر

 

ملخّص

تضاعف نشاط الطبقة التجارية في لبنان وأهمّيتها منذ الحرب. إنّ نجاح هذه الطبقة في جعل لبنان سوقًا للتبادل الحرّ، ومركزًا مصرفيًّا، ومرفأ إقليميًّا للشرق الأوسط، أدّى إلى زيادة حيويتها وعدد أعضائها. وإذ تنطوي جوانب أخرى من السياسة اللبنانية على دلالات دينية، إلّا أن السلوك السياسي للطبقة التجارية علماني بشكل رئيسي. يحلّ الموارنة، والمؤمنون من طائفة الروم الأرثوذكس، والمسلمون السنّة والشيعة والدروز خلافاتهم، ويتّحدون بانسجام في الصفقات المُربحة. زادت هذه الطبقة توجّهها نحو الغرب الذي هو مصدر بضائعها، كما زادت مرونتها في التعامل مع جيرانها العرب الذين يستخدمون أسواقها.

تمارس هذه الطبقة كلّ السلطة السياسية التي تحتاجها لتطوير التجارة. وهو ما يُعدّ عاملًا حتميّ التوقّع في ظل معادلة سياسية ذات متغيرات عدة. كانت هذه الجماعة حذقة للغاية في تقدير قيمتها لدى كلّ من الغرب وبين جيرانها الشرقيين، بحيث لا يمكن التخلّي عنها فجأة خلال أي فورة قومية عربية، أو تأميم، أو تطرّف ديني. وبالتالي، وجبت ترجمة مشاريع مثل «المقاولون متعدّدو المشاريع» MSP «والنقطة الرابعة» و«مشروع الليطاني» بلغة الانتفاع الشخصي لإثارة اهتمام هذه المجموعة.

الجزء الأول

مسحٌ لأبرز ٢٥ شخصيّة ثرية في الطبقة التجارية اللبنانية، يلخّص النقاط الآتية لكلّ منها: (١) مصدر ثروتها، (٢) ارتباطها بالمجموعة المصرفية الفرنسية أو بالحلقة الرئاسية، و(٣) الولاءات السياسية أو التجارية الأخرى التي تؤثّر في هذا النشاط السياسي.

الجزء الثاني

يقدّم تحليلاً لدرجة سيطرتها السياسية ونقاشًا مُفصّلًا يُظهِر؛ (١) أنّ السياسة التجارية اللبنانية في كلّ من المجالين الوطني والدولي تتوافق مع مصالح هذه المجموعة، (٢) أنّ حلقة رئاسية من سبعة رجال لها امتيازات ومكانة خاصّة، و(٣) يعطي تقييمًا مميّزًا عن الوضع الحالي للمصالح الفرنسية يُظهر؛ (أ) أنّ المصالح المصرفية الفرنسية أقوى من أي وقت مضى؛ (ب) لكن ردّ الفعل الشعبي يصبّ ضدّ امتيازات فرنسية أخرى مثل كهرباء بيروت وشركة المرفأ.

bid35_p.12-13.jpeg


مسافرون على طيران ميدل ايست عقب وصولهم إلى مطار بيروت.

 

الجزء الأول– مسح لأهمّ الشخصيّات الثرية في الطبقة التجارية اللبنانية

I. زيادة الأهمّية التجارية للبنان

يتّفق رئيس دائرة الإحصاء والمراقبون الآخرون على أنّ اللبنانيين نجحوا في مضاعفة نشاطهم التجاري منذ الحرب العالمية الثانية. وبما أنّ نطاق هذا التقرير لا يسمح بتحليل جميع المواد الإحصائية المتاحة، فإن التجارة العامّة وتجارة الترانزيت تستحقّان التعليق:

1. لحِظت إحصاءات التجارة العامّة اللبنانية للسنوات الممتدة بين ١٩٤٨-١٩٥١ زيادة في حجمها بمعدل ٦٠٪ على الأقل، بالمقارنة مع أرقام فترة ما قبل الحرب ١٩٣٨-١٩٤١، فيما لم يتم التشديد على الزيادة في القيمة التي بلغت ٤٠٠٪ بسبب وجود عنصر تضخمي قوي.
هذه هي الإحصاءات السنوية للاتحاد الجمركي السوري – اللبناني باستثناء العام ١٩٥٠ الذي تمثّل الأشهر التسعة الأخيرة منه إحصاءات لبنان فقط.
تقدّم إحصاءات التجارة العامّة منذ العام ١٩٤٤ أفضل مؤشّر للمقارنة، كونها لا تشمل شحنات ترانزيت النفط بأحجامها الكبيرة التي تشوّه المجاميع من وجهة نظر تجارية. لقد حسمت البعثة شحنات ترانزيت النفط من أرقام السنوات السابقة لعام ١٩٤٤ لتوحيد الإحصاءات. وعلى الرغم من أنّ الإحصاءات تعود لكلّ من سورية ولبنان، إلّا أن لبنان مسؤول بدرجة كبيرة عن أنشطة الاستيراد والتصدير، لأنّ الشركات الموجودة في حلب ودمشق لها مكاتب فرعية في بيروت لهذا الغرض. تُعدّ إحصاءات العام ١٩٥٠، وهو العام الذي حُلّ فيه الاتحاد الجمركي السوري - اللبناني المشترك، إحصاءات مفيدة في هذا السياق، لأنّها تشكّل ٩٠٪ من حجم التجارة في العام ١٩٤٩، علمًا أن إحصاءات الأشهر التسعة الأخيرة منها تشمل لبنان فقط. مع ذلك، ولمّا كانت هذه الإحصاءات لا تتضمّن سجّلًا لحركة التهريب الكبيرة، تتناقص أهميتها بالنسبة لنا.

2. تجاوزت الزيادة في تجارة الترانزيت ٢٠٠٪. ويمكن أن تُعزى هذه الزيادة جزئيًّا إلى تراجع ميناء حيفا المنافس الذي كان يسيطر على تجارة الترانزيت نحو مناطق الانتداب البريطاني، وهي تعود جزئيًّا أيضًا إلى الطلب المتزايد من مراكز النفط في الخليج الفارسي: المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين. تميل إتاوات النفط العربي إلى التدفّق نحو بيروت.

3. يمكن أن تُعزى الزيادة بنحوٍ أكثر إنصافًا إلى تحسّن المرافق التجارية للّبنانيين أنفسهم.

- رأس المال: أثمرت أرباح الحرب زيادة صافية هائلة في رأس المال اللبناني. حقّق التربح من الحرب أكثر من نصف الثروات اللبنانية الكبيرة المُدرجة أدناه وضاعف الثروات الأخرى. هناك طبقة وسطى كبيرة، تضمّ نحو ٥ آلاف فرد، راكمت رأس المال نتيجة وجود جيوش الحلفاء وظروف السلام داخل البلاد.

- سياسة الصرف: حقّقت سياسة التبادل الحرّ الحكومية نجاحًا مُضاعفًا لأنها جعلت البلاد جزيرة حرة في بحرٍ من الاقتصادات الموجّهة. منذ العام ١٩٤٨، كان لدى سوق القطع الحرّ في بيروت مخزون كافٍ من الذهب والدولار والجنيه الإسترليني والفرنك الفرنسي لإتمام المعاملات التجارية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط. يقول حسين بك العويني، وزير المالية الذي أطلق هذه السياسة في العام ١٩٤٨، إنّ العملة اللبنانية الموضوعة في التداول زادت من ١٦٠ مليون إلى ٢٢٠ مليون ليرة لبنانيّة نتيجة لهذه السياسة.

- السياسة السياحية: دعمت السياسة السياحية هذا الدور التجاري، إذ سمحت بمجيء الزائرين من جميع دول الجامعة العربية خلال أشهر الصيف. وتستقطب السياسة السياحية نحو ٢٥ ألف زائر سنويًّا من دول الجامعة العربية، الذين يأتون بسبب جداول أسعار النقل الجذّابة التي وضعتها الحكومة اللبنانية. يرافق المستوردون اللبنانيون الزوّار إلى السوق الحرّة في المرفأ، ويعرضون عليهم المخزونات المتوفّرة، والتي يمكن شراؤها بأسعار تنافسية مخفّضة. انظر تقرير البعثة عن السياحة، العدد ١٩٥، ٩ تشرين الثاني/ نوفمبر ١٩٥٠.

زادت هذه الأصول من ثروة المجتمع التجاري وعززت حيويته. يمتلك قادة هذه الطبقة قناعات قوية مُتعلقة بالسياسة التجارية، ويمارسون درجة من السيطرة السياسية تجلّت في سلسلة من مرافق التجارة الحرّة، التي تشمل جميع السياسات التي تعزز موقع بيروت كعاصمة تجارية في الشرق الأدنى: سياسة التجارة الحرّة، وسوق القطع الحرّة، وسياسة رسوم الاستيراد المنخفضة، وسياسة العملة القوية، والسياسة السياحية الإقليمية المصمَّمة لتوسيع الأسواق اللبنانية في الشرق الأوسط. لحسن حظ الغرب، إنّ هؤلاء القادة موجّهون بالكامل نحوه ويقومون برحلات مُتكررة إلى أوروبا أو الولايات المتّحدة. ولحسن حظ الشرق الأوسط، إنّ الخبرات التجارية لهؤلاء تُمكِّنهم من تقديم السلع والكماليات بأسعار أقل مقارنةً مع أي مكان آخر في الشرق الأوسط أو أوروبا أو أميركا.

يهدف مسح الشخصيات البارزة إلى مناقشة أصول ثرواتهم، وأنشطتهم التجارية الرئيسية، وعلاقاتهم السياسية، كخطوة أوّلية قبل إجراء تقييم لسيطرتهم السياسية.

bid35_p.18-19_.jpg


في أحد شوارع بيروت، ١٩٤٨

 

II. أهم الثروات اللبنانية

1. الحلقة أو المجموعة الرئاسية (من ١ إلى ٧)

١- حسين بك العويني

منذ سقوط المدير الفرنسي لـ«بنك سوريا ولبنان» رينيه بوسون (يُناقش الموضوع في الجزء الثاني)، يمكن تصنيف حسين بك كأهم شخصية مالية في لبنان. هناك أربع حقائق تجعله متميّزًا بشكل لافت:
شخصية مالية. بصفته وزير مالية سابقًا ورئيس وزراء سابقًا، فقد كان شخصية بارزة في تطوير مرافق التجارة الحرّة، لا سيما سياسة التبادل النقدي الحرّ التي أطلقها في العام ١٩٤٨. وبوصفه شخصية مالية من القطاع الخاص، تقدّر ثروته بنحو ١٥ مليون ليرة لبنانية، معظمها في المملكة العربية السعودية.
الروابط مع المجموعة الفرنسية: لديه الروابط الأقوى مع المجموعات المصرفية الفرنسية من بين كلّ الشخصيّات اللبنانية المحلّية. نظّم العويني معظم المعاملات النقدية مع مصرف الهند الصينية في بيروت عندما كان مديرًا لمصرف الهند الصينية في جدة. ارتبط بشكل وثيق مع رينيه بوسون في «بنك سوريا ولبنان» بسبب العلاقات المتبادلة بينهما، ولطالما اعتبرته المصالح الفرنسية رجلها، عدا أنّه عضو في عدة مجموعات تجارية كبرى في لبنان، بما فيها مجموعة «الاتحاد الوطني» (Union Nationale).
الروابط السعودية: جمع حسين بك العويني ثروته في المملكة العربية السعودية حيث عمل لمدة عشرين عامًا مع إبراهيم شاكر لصالح [عبد العزيز] ابن سعود، تحت إدارة نجيب صالحة، وهو درزي من جبل لبنان، واليد اليمنى لابن سعود. ارتبط بعقود عمل مع كلّ من ابن سعود وتابلاين (Tapeline) في السعودية، وكلّما أرادت الملكيّات العربية استبدال دولاراتها بالذهب، كان، بصفته مديرًا لمصرف الهند الصينية في جدة، ينظّم تحويلات الذهب والدولار في بورصة الذهب في بيروت.
عضو في الحلقة الرئاسية: هو عضو صميمي في الدائرة الرئاسية، كون الرئيس يحبّه، وسبق أنّ عيّنه رئيسًا لحكومة انتخابات العام ١٩٥١. وهناك احتمال قويّ لاختياره رئيسًا للوزراء كونه أحد أقوى السياسيين المسلمين.
يتّفق المراقبون الأميركيون واللبنانيون على أنّ حسين بك العويني رجل حسن النيّة. وعلى الرغم من أنه عضو في المجموعة الفرنسية بشكل أساسي، فإن من المحتمل أن يوافق على أي نشاط للولايات المتّحدة قد يصبّ في المصلحة الوطنية مثل مشروع الليطاني. في الواقع، هو من الزعماء اللبنانيين الذين قد يكتسبون أهمّية أكبر مع تراجع الفرنسيين.

٢- فؤاد الخوري

شخصيّة من الحلقة الرئاسية: بصفته شخصيّة رئيسية في مجال البناء، حقّق شقيق الرئيس ثروة كبيرة قبل الحرب، إذ ورث من خلال زوجته أعمال والدها مستورد مواد البناء درويش حدّاد، وسيطر على كلّ من معمل الإسمنت في شكّا وصناعة البلاط. باعتباره عضوًا في المجموعة الرئاسية، يحصل فؤاد الخوري على الأفضليّة في جميع مشاريع البناء الحكومية الكبيرة مثل مطار بيروت الدولي ومبنى البريد والتلغراف الجديد. في قسمٍ تالٍ، يتّهمه جبرايل المرّ بتأمين الإسمنت لكلا المشروعين بسعر ثابت أعلى من أسعار الولايات المتّحدة مُضافًة إليها تكاليف الشحن ورسوم المرفأ المحلّي والنقل الداخلي.
الروابط مع المجموعة الفرنسية: أبرمت الامتيازات الفرنسية الكبيرة عقودًا ضخمة معه من أجل الحفاظ على موقعها التفضيلي داخل الحلقة الرئاسية. تشتري شركة المرفأ الحديدَ والإسمنت منه، تمنحه شركة كهرباء بيروت عقود شبكة التوزيع - أعمدة الخطوط المصنوعة من الفولاذ والإسمنت التي تُستخدم لدعم كابلات الطاقة. يُعدّ الشيخ فؤاد الخوري إحدى الشخصيات الرئيسية في المجموعة التجارية الفرنسية – «مؤسسة الدراسات والتنفيذ الصناعي والزراعي والتجاري» (SERIAC) – التي تمنح الأعمال والامتيازات والمشاريع إلى الرأسماليين الموالين لفرنسا، وسوف يتمّ التطرّق إليها لاحقًا. تشير الشائعات إلى أنّه يملك أكثر من ١٤٠ مليون ليرة لبنانية مستثمَرة في مصارف أوروبية وأميركية مختلفة.

٣- ميشال ضومط

امتداد لبناني للفرنسيين: يرتبط ميشال ضومط بالمجموعة الفرنسية من خلال أنشطة مصرف الهند الصينية. أعاد والده ٥٠ ألف جنيه إسترليني إلى البلاد من اتحاد جنوب أفريقيا في العام ١٩٢٥. تزوّج ميشال ضومط من ابنة ألبير عسيلي، صناعي نسيج، قبل الحرب عندما كان عسيلي يواجه أوضاعًا صعبة. جمعا معًا ثروة تقدّر بنحو ٥٠ مليون ليرة لبنانية خلال الحرب، وهي مقسّمة على ثلاثة أشخاص بالتوازي: اثنين من آل العسيلي وميشال ضومط.
يقول أحد المصادر إنّ ضومط حقق أرباحًا طائلة من خلال المضاربة على مشتريات الذهب عبر مصرف الهند الصينية. بنى فندق البريستول بتكلفة مليوني ليرة لبنانية خلال الحرب. ولديه مليونا ليرة لبنانية أخرى في استثمارات متنوّعة. يمتلك شقيقه ٤ ملايين ليرة لبنانية غير مستثمَرة في أنشطة تجارية.
عضو في الحلقة الرئاسية: عندما كان جبرايل المرّ ينتقد الفساد ضمن الحلقة الرئاسية، لاحظ أنّ ميشال ضومط كان أحد المقاولين الذين قاموا بأعمال الحفر في مطار بيروت الدولي بسعر ١٧٠ قرشًا للمتر المربّع، في حين أن أي مقاول محلّي كان ليقوم بالعمل نفسه مقابل ١١٠ قروش فقط. يمتلك ميشال ضومط نفوذًا في الأوساط السياسية من خلال حبيب أبي شهلا.

٤- هنري فرعون – نائب بيروت

المجموعة الرئاسية: عضو قوي في المجموعة الرئاسية، وشريك ميشال شيحا، شقيق زوجة الرئيس. يدير الاثنان مصرف فرعون وشيحا. بصفته أحد مستشاري الرئيس في السياسة التجارية، أعدّ ميشال شيحا مؤخرًا ورقة لافتة عن السياسة اللبنانية، عرضتها وزارة المالية على البعثة [الدبلوماسية الأميركية]. وبما أنّها تناقش في الصحافة وفي كلّ الدوائر الرسمية، فقد تمّ تلخيص نقاطها الأساسية في الجزء ٢، القسم ١ أدناه.
ورث فرعون عقارات في ضواحي بيروت. وعندما بنَت الحكومة شوارع حول المدينة، ارتفعت قيمة العقارات، وتمكّن من تحقيق ثروة بنحو ٣ إلى ٤ ملايين ليرة لبنانية. وبما أنه يدير حلبات سباق الخيل لصالح دونّا ماريّا سرسق، فقد حقّق أرباحًا كبيرة من هذه المؤسّسة الشعبية التي تفتح كلّ يوم أحد. حصل عمّه ميشال على ٣ إلى ٤ ملايين ليرة لبنانية من خلال عقود مع شركة IPC والبريطانيين.

٥- جان فتّال

المجموعة الرئاسية: عضو آخر في هذه المجموعة تربطه علاقة مصاهرة بأسرة الرئيس. جنى ثروته من التربّح في زمن الحرب وخصوصًا من خلال استيراد السلاح لصالح الجيش اللبناني، والانخراط في أعمال المضاربة بالفرنكات السويسرية لصالح الحكومة اللبنانية.
مع ذلك، يتخصّص فتّال في استيراد الأدوية، وتُعدّ شركته من أكبر شركات استيراد الأدوية في الشرق الأدنى. معروف عنه أنه كان وراء شائعة تفشّي التيفوئيد الكاذبة في سورية عام ١٩٥٠، التي أدّت إلى بيع كمّيات كبيرة من الأدوية المضادّة للوباء.
عضو لبناني في المجموعة الفرنسية: عضو في «مجموعة الاتحاد» الوطني (Union Nationale) الفرنسية للتأمين، وعمل مع المدير الفرنسي لـ«بنك سوريا ولبنان» رينيه بوسون. أنهى للتو بناء مبنى فتّال الجديد ولعلّه أجمل المباني في بيروت، وفيه سوف تستقرّ مكاتب فتال وكتّانة والاتحاد الوطني. أسوةً ببوسون، انخرط بكثافة في أعمال المضاربة خلال فقّاعة القطن في منطقة الجزيرة– القسم السوري– في العام ١٩٥١. ويؤكّد مراقبون أنّه خسر الكثير بسبب فشل بذور القطن في تلك المنطقة.
تصل ثروة فتّال إلى ٤-٥ ملايين ليرة لبنانية، من ضمنها مليونا ليرة مُستثمرة في التجارة.

٦- ألفرد كتّانة وأخوته

المجموعة الرئاسية: يدور الأخوة كتّانة في فلك المجموعة الرئاسية، وإن لم يكونوا ضمن الحلقة الداخلية. يرتبط فرانسيس كتّانة المقيم في نيويورك بالعائلة الرئاسية عن طريق المصاهرة.
انخرط الأخوة كتّانة في أنشطة مختلفة قبل الحرب، لكنهم جمعوا ثروتهم الأساسية من بيع الشاحنات إلى إيران خلال تلك الفترة. تشير الروايات إلى أنّ الأخوة كتّانة لجؤوا إلى حيلة لإخراج رؤوس أموالهم من إيران بعد أن مُنِع شحن الذهب منها، إذ عادت الشاحنات من طهران بناقلات سرعة مُغلّفة بالذهب، وقد أفاد الجيران بأنّهم استيقظوا في الساعة الرابعة صباحًا على الأخوة كتّانة وهم يعملون على انتزاع الذهب عن أجزاء الشاحنات في مرآب منزلهم.
الروابط الأميركية: بصفتهم وكلاء لعدد كبير من الصناعيين الأميركيين، فإنّهم ينخرطون بأعمال استيراد وتوزيع هائلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولديهم فروع في جميع العواصم والمدن المُهمّة. تتصدّر كرايسلر وجنرال إلكتريك قائمة تضمّ أكثر من ٥٠ وكالة أخرى يمتلكونها. يدير أحد الأخوة، فرانسيس، فرع نيويورك الذي ينظّم عمليّات الشراء في الولايات المتحدة.
الروابط الفرنسية: على الرغم من الروابط الأميركية المتينة، يشير المراقبون إلى أنّ الأخوة كتّانة مرتبطون بشكل وثيق بكلّ من الدائرة الرئاسية والمجموعة المصرفية الفرنسية. نظرًا إلى أن معظم مضاربات الأخوة كتّانة حصلت من خلال «بنك سوريا ولبنان»، فقد وضعهم مدير المصرف رينيه بوسون في ضائقة كبيرة في العام ١٩٥١، عندما طالبهم بمبلغ ٨ ملايين ليرة لبنانية كانوا قد اقترضوها من المصرف، وعندما تدخّل الرئيس شخصيًّا لإنقاذ مصالحهم، رأى المراقبون أنّ هذه الخطوة قد تُعزى إلى إحسان الرئيس، لكن من المحتمل أن يكون للمصاهرة والعلاقات التجارية وزن أكبر.
تتجلّى علاقة الأخوة كتّانة بالفرنسيين في اتجاهات أخرى. ألفرد كتّانة هو عضو في مجلس إدارة شركة كهرباء بيروت وامتياز الطاقة الفرنسي البلجيكي. كما أنه عضو في شركة تأمين الاتحاد الوطني لبوسون. انخرط الأخوة كتّانة، إسوةً ببوسون وفتّال، في المضاربات خلال فقّاعة القطن في منطقة الجزيرة السورية في العام ١٩٥١، ويرجّح أنهم سوف يخسرون مثلما خسر هؤلاء نتيجة تلف المحاصيل وتفشّي الحشرات والجفاف ونقص العمالة.
تقدّر ثروة الأخوة كتّانة في لبنان بنحو ١٢ مليون ليرة لبنانية، معظمها مرتبط باستثمارات عقاريّة ومخزونات سلعيّة ضخمة. ويُعتقد بأنّ الثروة الموجودة في الولايات المتحدة أكبر بكثير.

٧- الشيخ خليل الخوري، ابن الرئيس

المجموعة الرئاسية: على الرغم من أن الشيخ خليل الخوري لا يملك ثروة كبيرة، إلّا أن قائمة شخصيات المجموعة الرئاسية الأبرز لا تكتمل من دون مناقشة أنشطته. يمارس الشيخ خليل، بصفته وسيطًا للمصالح الرئاسية، سيطرةً اقتصاديةً أكثر من أي شخصية أخرى مذكورة أعلاه.
أنشطة المجموعة الفرنسية: إنّه محامي الشركات الفرنسية الكبرى ذات حقوق الامتياز مقابل أجر مرتفع للغاية. عيّنته كلّ من شركة كهرباء بيروت وشركة المرفأ محاميًا لها لقاء أتعاب تبلغ ١٠٠ ألف ليرة لبنانية سنويًّا. تنامت ردود الفعل الشعبية ضدّ هذين الامتيازين الممنوحين لأجانب لأنّهما يدرّان أرباحًا هائلةً على حساب الاقتصاد اللبناني تفوق الأرباح الأخرى مجتمعةً، مستفيدين من جداول رسوم المرفأ وتعرفة الكهرباء المرتفعتين للغاية. تنبّه الموظفون وأبناء الشعب مؤخرًا إلى كون امتياز الطاقة معفيّا من الضرائب، فيما تدفع شركات الكهرباء اللبنانية الضرائب. طالب وزير المالية فيليب تقلا، الذي كشف عن هذا الأمر، الفرنسيين بتعديل شروط الامتياز، التي سبق أن تستّر عليها الشيخ خليل بصفته مدافعًا عن هذه المصالح. وهناك أدلّة على أن المجموعة الرئاسية لن تكون قادرة على دعم هذه الامتيازات لفترة أطول. (انظر الجزء ٢ أدناه، المجموعة الفرنسية).
يعتقد المصدر أنّ الخوري يتحكّم في صحيفة «الأوريان» (L’Orient) الناطقة باللغة الفرنسية، التي نشرت العديد من المراجع الكاذبة، وعرضت انتقادات بنّاءة عن مشروع الليطاني الذي وضعه مهندسون فرنسيون. إنّ التكلفة الرخيصة للطاقة التي يقدّرها مسح مشروع الليطاني بثلاثة قروش في غضون سنوات هي بطبيعة الحال غير مرحّب بها من قِبَل شركة كهرباء بيروت التي تتقاضى ٩ قروش لكلّ كيلوواط/ ساعة.
أعضاء بارزون في المجموعة الفرنسية من خارج الحلقة الرئاسية الأساسية
لا تضمّ هذه المجموعة أيًّا من الامتيازات الفرنسية، بل شخصيّات لبنانية محلّية صنعت ثرواتها من خلال الارتباط بالفرنسيين. وبالتالي، كلما فُقِدت السيطرة الفرنسية خلفتها هذه الشخصيّات على الساحة المحلّية. ويزعم مسؤولو البعثة الفرنسية أنّ الشركات الفرنسية لم تستغلّ اللبنانيين بل إن هذه العلاقات المحلّية هي التي تستغلّهم.

٨- جورج كرم، نائب في البرلمان اللبناني

ورث جورج كرم ثروة بشارة كرم. وبصفته أكبر مستورد للأخشاب والنشارة، فإنّه يستورد بشكل أساسي من رومانيا، وأيضًا من السويد والولايات المتحدة.
الروابط الفرنسية: ارتباطه بالفرنسيين واضح في «الاتحاد الوطني» (Union Nationale) و«الخطوط الجوية اللبنانية» (Air Liban) ومجموعات أخرى يرعاها بوسون. تبلغ قيمة ممتلكاته، النقدية والمُخزّنة، نحو ٧ إلى ٨ ملايين ليرة لبنانية.

٩- ميشال الصحناوي وأولاده

يُعدّ أهم مستورد حديد في لبنان. استُخدِم معظم هذا الحديد في فورة البناء الجارية حاليًّا. على الرغم من أنّ عائلة الصحناوي، وهي من أصل سوري، لديها روابط سياسية قويّة في سورية، إلّا أنّ قوّتها السياسية في لبنان ليست كبيرة.
الروابط الفرنسية: يستورد ميشال وأنطوان الصحناوي من بلجيكا ولوكسمبورغ وفرنسا، وبصفتهما وكلاء لـ UCOMETAL – «اتحاد تجارة الفولاذ البلجيكية»، و COLUMETA في لوكسمبورغ. استورد الصحناوي الحديد من بيتسبرغ خلال الحرب العالمية الثانية. وفي وقت مُبكر من الحرب الكوريّة، اشترى الصحناوي كمّيات ضخمة من الحديد والصلب قبل ارتفاع الأسعار، وحقّقا بالفعل أرباحًا هائلة. يعتبر مخزون الشركة من الحديد، الذي يُحتفظ به عند مستوى ثابت، من الأصول الضخمة في الشرق الأدنى، لا سيما الآن في ظل نقص العرض في جميع أنحاء العالم. لدى الصحناوي أسهم في «الخطوط الجوية اللبنانية» ومجموعة شركات فرنسية أخرى.
تبلغ ثروة الأخوين الصحناوي نحو ٢٥ مليون ليرة لبنانية من العقارات والنقد والبضائع.

١٠- ميشال قطّار

الروابط الفرنسية: يمتلك الأخوة قطّار، بصفتهم أعضاء في المجموعة الفرنسية، أسهمًا في «الاتحاد الوطني للتأمين» و«الخطوط الجوية اللبنانية». خلال الحرب، ارتبط ميشال قطّار بشركة إيطالية وتولّى إدارتها، وجمع ثروة من بيع بكرات الحرير إلى الجيش البريطاني. باعتبارهم مصنّعي ملابس صوفية، فقد باعوها بأسعار خياليّة خلال الحرب العالمية الثانية وجنوا أرباحًا كبيرة.
تتراوح ثروتهم بين ٥ و٦ ملايين ليرة لبنانية موزّعة على ثلاثة أشقاء.

١١- غابرييل طراد

الروابط الفرنسية: امتصّت المصالح الفرنسية مصرف G. Trad and Co.، الذي يُعتبر من الثروات القديمة القليلة التي يعود تاريخها إلى أيام الأتراك. ويُعدّ غابرييل طراد الوريث الأساسي للعائلة، إذ ورث المصرف الذي يمتلك أصولاً بقيمة مليون ليرة ذهبيّة، و٢ إلى ٣ ملايين ليرة لبنانية في العقارات. بصفته مصرفيًّا قديمًا ذا سمعة طيّبة، لم يقم بأي أنشطة تربّحية خلال الحربين العالميتين، لكنه استثمر في العقارات.
بما أن مصرف طراد كان يمثّل مصرف
«كريدي ليونيه»، فقد أقنعه بوسون بالاندماج مع المصرف بعد الحرب، وبات لدى الشركة الجديدة Credit Lyonnais (G. Trad & Co.)، مدير فرنسي يُدعى السيد دو مونتاليفيه. وسّع «كريدي ليونيه» نطاق أعماله ليشمل جميع الأنشطة المصرفية وخصوصًا تجارة العملات التي يزاولها لصالح المصرف الرئيسي [في باريس]. تُعدّ هذه العمليّة من أصول المصرف الأمّ، إذ سمحت له بالانخراط في أنشطة الصرافة في لبنان، التي يحظرها القانون الفرنسي في فرنسا.

١٢- آل صبّاغ

الروابط الفرنسية: دمج الأخوان، روبير وبيارو، مصالحهما مع المصارف الفرنسية بطريقة مشابهة لما فعله طراد وفق ما ورد أعلاه. بتوجيهات فرنسية، حوّلا «مصرف صبّاغ» القديم إلى «مصرف الهند الصينية» الفرنسي، الذي يُعدّ أهم مصارف الصرافة. يملك روبير صبّاغ ٥ ملايين ليرة لبنانية نقدًا وبالعقارات. ويملك بيارو ضعف هذا المبلغ لكونه يملك ٨٥٪ من أسهم «شركة مياه بيروت». تدرّ هذه الأسهم دخلًا صافيًا بقيمة ٣٠٠ ألف ليرة لبنانية سنويًّا. تُستخدم هاتان الثروتان لإدارة «مصرف الهند الصينية» الفرنسي و«المصرف التجاري الإيطالي».

١٣- جوزيف سالم

كان جوزيف سالم وشقيقه التوأم نقولا نائبَين في البرلمان اللبناني؛ ونقولا نائب في الوقت الحالي. ينشط الأخوان سالم في السياسة اللبنانية منذ أيام الأتراك حين كان والدهما يمثّل بيروت في [مجلس المبعوثان] باسطنبول.
الروابط الفرنسية: بصفته عضوًا في مجموعة بوسون للتأمين، كان جوزيف سالم عضوًا في مجلس إدارة «الاتحاد الوطني للتأمين» و«شركة المياه» و«بنك سوريا ولبنان». وارتبط الأخوان سالم أيضًا ببعض الأعمال مع شركة «تابلاين» في شركة بناء، وامتلكا معمل «كوكا-كولا»، ولكن هذه ليست مصالحهما المهيمنة.

١٤- جوزيف خديج

الروابط الفرنسية: يمتلك هذا المستورد الكبير للبضائع والسلع الفاخرة الفرنسية تأثيرًا كبيرًا في الدوائر التجارية، لأنه يملك فروعًا في كلّ من فرنسا وليون. إنّه المرجع الأعلى للروابط الفرنسية في لبنان، ورئيس جميعة التجّار. ثروته ليست ضخمة.
ثروات متنوّعة

١٥- ألبير عسيلي

اكتسب العديد من ورثة آل العسيلي ثرواتهم من صناعة المنسوجات القطنية خلال الحرب. على الرغم من أنّ عسيلي يدير الصناعة الآن، لكن كما ذكر أعلاه، زوّده ميشال ضومط برأس مال الأنشطة التي نُفّذت خلال الحرب، وحقّقت ربحًا بقيمة ٥٠ مليون ليرة لبنانية موزّعة بينهما. بيعت المنسوجات بأرباح ضخمة خلال الحرب، ومن حينها وجد آل العسيلي أسواقًا أخرى للغزل في أفريقيا وإنكلترا وأماكن أخرى. حاليًّا تستثمر العائلة الأموال في الفورة الزراعية السورية، وشيّدت مبنى إداريًّا كبيرًا في وسط بيروت. تقدّر ثروة آل العسيلي بنحو ٢٥ مليون ليرة لبنانية موزّعة على أربعة ورثة على الأقل.

١٦- سليمان عريضة

يتأتّى رأس مال عريضة في الأصل من المكسيك التي هاجر إليها أعضاء أقدم من العائلة. بعد عودتهم إلى لبنان، حقّق الأخوة الثلاثة، سليمان ويوسف وجورج، نحو ٢٠ إلى ٢٥ مليون ليرة لبنانية من صناعات النسيج خلال الحرب. يمتلك كلّ من يوسف وسليمان ٣ ملايين ليرة لبنانية. استثمر يوسف عريضة رأس ماله في فندق «أمباسدور» في بحمدون، وبنى سليمان منزلًا عصريًّا واسعًا في بيروت وباعه بمليون و٥٠٠ ألف ليرة لبنانية. أمّا جورج الذي أنفق ٣ ملايين ليرة لبنانية لشراء يخت هتلر، فلم يُعدّ شخصيّة تجارية وازنة. على الرغم من أنّ ابنة جورج متزوّجة من الشيخ خليل الخوري، إلّا أن الأخوة عريضة ليسوا ضمن الحلقة الرئاسية، لا بل هم معارضون للنظام الحالي إلى حدّ ما. الشاب كارلوس عريضة، ابن يوسف، ناشط جدًّا في الحلقة التجارية.

١٧- أسعد جبر

يعود أساس ثروة جبر إلى ما جُمِع خلال هجرته إلى الساحل الغربي لأفريقيا. أمّا الأرباح المحقّقة من البيرة والزيوت النباتية في زمن الحرب فقد رفعت هذه الأرباح إلى ٣ ملايين ليرة لبنانية. يشترك أسعد جبر مع ثلاثة آخرين في ملكيّة «مصنع البيرة اللبناني»، ويمتلك جميع حقوق ملكيّة مصنع زيت نباتي كبير. أنفق مؤخرًا ٣ ملايين ليرة لبنانية في توسيع مصنع النسيج الخاص به، ولديه علاقات وثيقة مع حسين بك العويني الذي زوّده بـ٢٥٪ من رأس المال.

١٨- صائب سلام، نائب في البرلمان اللبناني

روابط الأقلية المسلِمة: يتمتّع الأخوة سلام، والذين يُعدّ صائب بك أبرزهم، بأهمّية سياسية واقتصادية في لبنان. باعتبارهم من أبرز العائلات المسلمة في بيروت، فإنهم يشاركون الأقلية المسلمة رأيها بأن اتحادًا أوثق مع سورية وجامعة الدول العربية سوف يؤدّي إلى حلّ معظم مشاكل لبنان الاقتصادية.
الروابط الأميركية: دخل آل سلام في شراكة مع شركة «بان أميركان العالمية للطيران» في تطوير «شركة طيران الشرق الأوسط»، وهو ما عدّ دليلاً على تقاربهم مع الولايات المتحدة. مشروعهم المالي الأنجح هو «شركة طيران الشرق الأوسط» التي يمتلكون ٦٤٪ من أسهمها، خصوصًا أنّ القيمة الأساسية للأسهم البالغة ١٥ مليون ليرة باتت تساوي الضعفين الآن. تبلغ قيمة معدّات النقل التي يملكونها نحو مليون ليرة لبنانية، والآلات والأراضي والمباني نحو مليوني ليرة لبنانية. حقّقت هذه الشركة نحو مليون ليرة لبنانية خلال العام الماضي، مع ذلك لا يمكن التقليل من أهمّيتها لأنّها تملك خطّ الشحن الجوي المباشر بين بيروت والكويت والظهران. وقد اهتمّ آل سلام أيضًا بمشروع «فندق إنتركونتيننتال» لبناء فندق كبير في بيروت، وكانوا مستعدّين لوضع معظم رأس المال المحلّي عندما علّق «فندق إنتركونتيننتال» المشروع بسبب الوضع العالمي في العام ١٩٥٠ (انظر تقرير البعثة الدبلوماسية الأميركية عن السياحة، البرقية رقم ١٩٥ في ٩ تشرين الثاني/ نوفمبر ١٩٥٠).
لطالما كان صائب بك مهتمًّا بتوسيع علاقاته الأميركية. وبما أنّه كان يشعر بالسيطرة الكبيرة التي تمارسها المصارف الفرنسية في المناقصات الحكومية، فقد زار Chase National Bank في نيويورك طالبًا فتح فرع له في بيروت ليمنح المجموعات خارج الدائرة الفرنسية فرصة لتقديم مناقصات للمشاريع الحكومية. ومن المُحتمل أن يتواصل بعض شركائه مع السفير لوك في هذا الإطار.
الرؤية الصناعية: بنى الأخوان سلام معملاً للزيوت النباتية المُهدرجة بكلفة مليوني ليرة لبنانية، وباعتبارهما صناعيَّين، فإنهما يعارضان بشدّة مزاعم ميشال شيحا عن أن لا مكان للصناعة في لبنان.
بنى الأخوان سلام قرية نموذجية بالقرب من صور تبلغ قيمتها ٢ إلى ٣ ملايين ليرة لبنانية. أمّا استثماراتهما الضخمة في العقارات بالقرب من مطار بيروت الدولي فقد كانت عبارة عن مضاربات خطرة لم تحقّق أرباحًا حتّى الآن.
القوة السياسية: بصفته شخصية سياسية إسلامية قويّة، قد يصبح صائب بك سلام رئيسًا للوزراء في المستقبل.

١٩- إميل البستاني، نائب في البرلمان اللبناني

ارتباطات بريطانية: يمتلك إميل البستاني شركة المقاولات والتجارة اللبنانية التي تقوم بأعمال بناء لصالح «شركة نفط العراق» IPC، لذلك هو مرتبط بشدّة بالبريطانيين. بصفته أحد قادة المعارضة، فإنّه يثير النقاشات في جميع القضايا. تتراوح ثروته بين ٣ و٤ ملايين ليرة لبنانية.

٢٠- إيلي أبو جودة، نائب في البرلمان اللبناني

أنفق نحو ٢٠٠ ألف ليرة لبنانية على حملته الانتخابية الأخيرة. يملك شركة تأمين جديدة.

٢١- أحمد الداعوق، وزير لبناني خلال الانتداب الفرنسي

لديه نحو ٣ ملايين ليرة في ملكيّات عقارية. [شغل منصب رئيس الوزراء بين عامي ١٩٤١ – ١٩٤٢، ثم اختير مرة جديدة للمنصب في ١٩٦٠ واستمر فيه لعدة أشهر].

٢٢- توفانكجيان، ش.ج.

جمع ثروة من بيع أسطول من شاحنات Oldsmobile إلى إيران وروسيا خلال الحرب العالمية الثانية. يملك وكالة Oldsmobile في الوقت الحالي. هو أرمني وبعيد عن السياسة اللبنانية.

٢٣- آل سرسق

تعود ثروة عائلة سرسق إلى أيام الإمبراطورية العثمانية. على الرغم من أنّ نشاطها خمُد بالمقارنة مع ما كان عليه في السابق، إلّا أنها لا تزال تملك ثروة عقارية ضخمة، وشققًا ومنازل، وحلبة سباق، إلخ. خسرت العائلة الكثير من الممتلكات في حيفا، إلّا أن مكانتها الاجتماعية في بيروت والإسكندرية لا تزال موازية لوضعها الاقتصادي السابق. أنفق ألكسندر سرسق مبالغ طائلة للحصول على موقع ضمن لائحة انتخابية تضمن وصوله إلى البرلمان نائبًا عن البقاع. دفع هذا المبلغ إلى صبري حمادة وإبراهيم حيدر.

٢٤- البطريرك عريضة

الروابط الفرنسية: بصفته بطريرك الكنيسة المارونية، كان المونسينيور عريضة مُخلصًا للفرنسيين بشدّة. رعى البطريرك عريضة تطوير معمل الإسمنت في شكّا، ولا يزال يملك نحو ٢,٥٠٠ سهم فيه بقيمة مليون ليرة. ويملك أيضًا ٢,٥٠٠ سهم في امتياز كهرباء قاديشا الذي يغذّي طرابلس وتبلغ قيمته نحو ٧٠٠ ألف ليرة. ولديه سبعة مبانٍ في بيروت وعقارات في سيدني بأستراليا. سيطر المونسينيور عريضة على أموال الكنيسة المارونية لسنوات، وكان نشطًا في العمليّات التجارية.

٢٥- عبد الرحيم دياب

الروابط البريطانية: تطوّرت أنشطة آل دياب الضخمة في الاستيراد بالتعاون مع البريطانيين أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها. كانوا يستوردون معدّات السباكة، ويصنعون كمّيات ضخمة من المواد الخام المستوردة. خلال الحرب، زوّدوا البحرية البريطانية بمعدّات السباكة. ولديهم وكالة Best Niagara البريطانية التي باتت موجودة في معظم الأبنية في بيروت.
ثروات أخرى متوسطة الحجم

هناك ما لا يقلّ عن خمسة أشخاص آخرين لديهم استثمارات ضخمة في العقارات، ولكن لم يُدرَجوا ضمن المسح لأنهم غير نشطين تجاريًّا. جمع «ريموند منتورة» ثروة من شحنات الخردة إلى دول الستار الحديدي في العام ١٩٥١ لكن التفاصيل غير معروفة.

إلى جانب هذه المجموعة الرائدة، يوجد في لبنان بين ١٥٠ و٢٠٠ شخص تتراوح ثرواتهم بين ٥٠٠ ألف ومليون ليرة لبنانية. يشكّلون على الأرجح الطبقة التجارية في بيروت، وهم أكثر نشاطًا من العديد من الشخصيّات المهمّة المذكورة أعلاه. نسبة الشخصيّات التجارية بينهم أعلى بكثير بالمقارنة مع المجموعة أعلاه التي تحتوي على الجزء الأكبر من الشخصيّات الصناعية.

 

الجزء الثاني - درجة السيطرة السياسية التي مارسها قادة الطبقة التجارية اللبنانية

على الرغم من أنّ الطبقة التجارية في لبنان لا تهتمّ بالسياسة بالدرجة الأولى، إلا أنّها ناجحة في ممارسة سيطرتها السياسية على جميع أنشطة الحكومة ولا سيّما الأنشطة المهمّة في المعاملات التجارية، والحفاظ عليها. حتى التنازلات الحكومية المقدّمة في مجال السياسات مع «جامعة الدول العربية» ليست إلّا تعبيرًا عن مساومات هذه الطبقة.

تُعتبر الطبقة التجارية علمانيّة، فهي لا تهتم إلّا عرضيًّا بالانقسامات السياسية للمجموعات الدينية والعرقية. وعلى الرغم من وجود ولاء خفي بين القادة التجاريين الذين بمعظمهم من الطائفة المارونية، وبين الفرنسيين الذين حَموهم لمدة قرن، فإن من اللافت أنّ المسلمين السنّة والشيعة والدروز والموارنة ورجال الأعمال الأرثوذكس، وحتّى البطاركة يندمجون بانسجام تامّ في عمليات مُربحة.

يتطلّب تحليل هذه السيطرة السياسية معاينة ثلاثة عوامل: (١) مصالح المجموعة التي تحدّد السياستين التجاريتين الوطنية والدولية؛ (٢) تمتّع مجموعة أو حلقة رئاسية من سبع شخصيات تجارية بمكانة متميّزة تمكّنها من الحصول على عقود معظم المشاريع الحكومية؛ (٣) الشخصيات المصرفية الفرنسية التي تعمل مع القادة التجاريين وتمارس السيطرة ماليًّا وبالوكالة داخل الحلقة الرئاسية. قد يحدث تعديل جديد نتيجة عدم تمكّن الحكومة من تقديم دعم تفضيلي للامتيازات الفرنسية لأنّ ردود الفعل الشعبية ضدّها أصبحت كبيرة للغاية.

I. ملخّص عن إنجازاتها

إنّ تلخيص إنجازات الطبقة التجاريّة منذ الاستقلال في العام ١٩٤٣ هو بمثابة تمهيد أساسي للمناقشة التحليلية، إذ لا ينبغي إغفال منظور مساهماتها البنّاءة في تنمية لبنان والشرق الأوسط. أبرز هذه الإنجازات:
إقامة سوق قطع حرّ في بيروت، حيث يمكن لجميع دول الشرق الأوسط الحصول على الذهب والدولار والجنيه الإسترليني والفرنك والدينار وأي عملة أخرى مرغوبة لأغراض تجارية.
وضع سياسة تخزين بعيدة المدى. حوّل التجار اللبنانيون السوق الحرّة في المرفأ إلى مركز تجاري لشحن السلع والكماليّات المُصنّعة في أوروبا والولايات المتحدة إلى جميع دول الشرق الأدنى.

تعتبر الزيادة المُحقّقة بنسبة ١٠٠٪ في المخزونات بمثابة أصول إقليميّة في الوقت الحالي الذي بدأت تظهر فيه ندرات الحرب. ظلّت أسعار هذه السلع منخفضة للغاية لدرجة أنّ جوزيف خديج (رقم ١٤ أعلاه) قال إنّ أسعار الجملة في بيروت هي أعلى بنسبة ١٠٪ فقط من مستويات ما قبل الحرب الكورية، في حين أنّ الأسعار في أوروبا هي أعلى بنسبة ٦٠ إلى ٨٠٪.
تقديم تسليفات بأسعار فائدة متدنية نسبيًّا للاستثمار في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط. يقدّر ألفرد كتّانة استثمار نحو ٦٠ مليون ليرة لبنانية بفائدة ١٢-١٨٪ في الفورة الزراعية السورية الكبيرة، مقارنة مع ٢٤-٣٠٪ للتسليفات المعروضة في حلب.
إقامة سلسلة من المشاريع الحكومية بعيدة المدى مثل مطار بيروت الدولي، ومبنى البريد والتلغراف الجديد، ونظام الهاتف الآلي، وتحسين مرفأ بيروت. وعلى الرغم من أنّ معظم انتقادات الفساد في الدوائر الحكومية تركّز على هذه المشاريع، إلّا أنه لا يمكن إنكار مساهماتها الكبيرة التي تصبّ في المصلحة الوطنية.

II. سيطرتها على السياسة التجارية

بلغت سياسة التجارة الحرّة شكلها الناضج في العام ١٩٤٨، إلّا أن الكتّاب اللبنانيين يصرّون على أنّها تعبير عن الموهبة التجارية الموروثة من الفينيقيين. تتضمّن سياسة عدم التدخّل الحالية: تجارة حرّة، تحرير نظام الصرف، سوقًا حرّة في المرفأ، وقد تضاف إليها سياسة رفع الرسوم الجمركية إذا لم يتمّ التوصل إلى حلّ مع سورية قريبًا. يعود الفضل المباشر إلى حسين العويني (الشخصية رقم ١ في هذا المسح)، الذي بصفته وزيرًا للمالية في العام ١٩٤٨، أطلق هذه السياسة بعد سنوات الحرب حين كان الاقتصاد خاضعًا للسيطرة الكاملة، فيما يعود الفضل غير المباشر إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء الأسبق رياض الصلح، وكذلك إلى مجلس الوزراء الذي وضع السياسة لصالح المجموعة التجارية. وعلى الرغم من أنّ عمليات التبادل غير المشروعة في زمن الحرب وتهريب الذهب كشفت عن أهمّية نظام التبادل الحرّ الناشئ، إلّا أنّها لا تخفّف من سطوع هذه الفكرة المُلهمة الموروثة.
رأي الغالبية. المستشاران اللذان ساعدا في تطوير أفكار الرئيس هما المدير الفرنسي السابق لبنك سوريا ولبنان رينيه بوسون، وشقيق زوجته ميشال شيحا. مؤخرًا، أعدّ ميشال شيحا، الشريك المصرفي لهنري فرعون (الشخصية رقم ٤)، مقالًا لافتًا عن السياسة التجارية اللبنانية. تتمّ مناقشة هذا المقال على نطاق واسع في الدوائر الحكومية والصحافة، ويمكن تلخيصه على النحو الآتي:

سياسة التجارة الحرّة هي الخيار الغرائزي لشعب تكمن أصوله الرئيسية بالكفاءة التجارية لا الموارد الوطنية. يريد لبنان تجنّب العِلل التشريعية والمالية في أوروبا من خلال اتباع سياسة نقدية موثوقة. بصفتهم تجّارًا أفرادًا، يجب أن يتمتّعوا بالحرّية الكاملة من أجل اتخاذ القرارات بسرعة، وتنفيذ الأعمال المُربحة بجرأة. يجب أن يتمتّعوا بالحرّية للتعامل مع الغرب الذي هو مصدر سلعهم المُصنّعة. أمّا دورهم في جامعة الدول العربية فيكمن بتوزيع البضائع والخدمات، والتحوّل إلى بيضة قبّان وسط الطموحات المُتضاربة لأعضاء الجامعة العربية. لا شكّ أنّ الوطنية أمرٌ عظيم، لكن الحقوق المشروعة لبلد ما يجب أن تخضع في كثير من الأحيان للاحتياجات الدولية.

تكمن النتيجة الطبيعية لهذه العقيدة بعدم رغبة الطبقة التجارية اللبنانية في خوض غمار الصناعات الثقيلة. تعرف الشخصيّات التجارية أنها لا تستطيع منافسة الصناعات البريطانية والفرنسية والأميركية، وأنّ التوسّع الصناعي الذي حقّق أرباحًا في سنوات الحرب بات يشكّل إحراجًا خطيرًا الآن، لأنّ اللبنانيين لا يجدون أسواقًا لتصريف الفوائض الصناعيّة مرتفعة الثمن، وبالتالي، لا ترغب الطبقة التجارية بنشوء طبقة صناعية تعاني من مشاكل التوظيف والبطالة، عدا أنها تنظر إلى التصنيع كأرض خصبة للعديد من المشاكل بما فيها الشيوعية.

هذا هو رأي غالبية الطبقة التجارية. ويضيف إميل بستاني ملاحظة هامشية عن رفع جميع الرسوم الجمركية إذا لم يتمّ التوصّل إلى اتفاق تجاري مع سورية قريبًا.
رأي الأقلية الذي تمثّله الطبقة الصناعية. سارع الصناعيون إلى الردّ بأنّ الصناعة اللبنانية يمكنها توفير جزء كبير من السلع الاستهلاكية التي تُستورد من أوروبا والولايات المتحدة. احتجّ صائب بك سلام، (الشخصية ١٨ أعلاه) الذي يمتلك مصنعًا لهدرجة الزيوت النباتية، بأنّ شيحا لا يعبّر عن رأي الغالبية. كتب الصناعيون مقالات افتتاحية في الصحف المحلّية عن أنّ الصناعة ليست عدوة الشعب. تستجيب الحكومة لمطالب الصناعيين إلى درجة معيّنة، وفي بعض الأحيان تفرض تعرفات حمائية على عدد صغير من السلع، مثل واردات المفروشات، لتجنّب البطالة أو أي أزمة بين الصناعيين. منذ حلّ الاتحاد الجمركي السوري اللبناني، أجرت الحكومة محادثات كثيرة مع المسؤولين السوريين للحدّ من هذه الضائقة. مع ذلك، نجحت الطبقة التجارية في حلّ المشكلات من خلال إيجاد أسواق في أفريقيا وكذلك في دول الشرق الأوسط.

III. الزمرة الرئاسية، موقعها التفضيلي

تعريف

تتكوّن الحلقة الرئاسية من سبعة رجال يتمتّعون، بحكم مكانتهم التفضيلية مع الرئيس، بأفضل فرصة للاستفادة من المشاريع والعقود والامتيازات الحكومية. تضمّ المجموعة (المدرجة في المسح أعلاه من ١ إلى ٧): حسين العويني، فؤاد الخوري، ميشال ضومط، هنري فرعون، جان فتّال، ألفرد كتّانة، والشيخ خليل الخوري.

تُعتبر المصاهرة أو أواصر الدم مع الرئيس عاملاً ذا أهمّية خاصّة في تكوين المجموعة، إذ يرتبط خمسة من الأعضاء السبعة بالرئيس بصلات القربى تلك. فؤاد الخوري هو شقيقه؛ خليل الخوري ابنه؛ جان فتّال وفرانسيس كتّانة متزوّجان من بنات أخي زوجته، التي هي من عائلة شيحا. هنري فرعون هو شريك ميشال شيحا، شقيق زوجة الرئيس. وميشال شيحا متزوّج من شقيقة هنري فرعون. إنّ الحاجة إلى صداقة مسلم ثري قوي من صفّ الرئيس سوف تكون وراء انضمام حسين بك العويني.

رُبِطت ثلاثة امتيازات فرنسية بهذه الدائرة بالوكالة وهي: «بنك سوريا ولبنان» (الذي مثّله بوسون سابقًا)، وشركة المرفأ، وكهرباء بيروت. أمّا مواقعهم التي ضعفت فسوف تُناقش أدناه.

رسم توضيحي لنشاط المجموعة – التهم المحيطة ببناء مطار بيروت الدولي

يقول وزير الأشغال العامة السابق، جبرايل المرّ، إنّ المثال الكلاسيكي على فساد هذه المجموعة يكمن في بناء مطار بيروت الدولي. طرح المرّ فكرة إنشاء مطار دولي كبير للبنان خلال السنوات الأولى التي تلت الحرب عندما كان وزيرًا للأشغال العامّة، والتي تخلّلتها زيارات لعدّة فرق من الخبراء لمعاينة ودراسة مرونة المشروع. استشار المرّ في المرّة الأولى المهندسين العسكريين الموجودين في القاهرة، ثمّ فريقًا من خبراء الكهرباء من شركة «وستينغهاوس»، ومجموعة من المسؤولين من إدارة الطيران المدني، وأخيرًا مجموعة من شركة طيران «بان أميركان» العالمية. وصلت تكلفة الخطّة الأساسيّة التي تتوافق مع مشورة فرق الخبراء الأربعة إلى ٢٤ مليون ليرة لبنانية بما فيها تكاليف استملاك الأراضي، والمعدّات الكهربائية، والحفر، والمواد الخام، والبناء. يطالب المرّ بإجراء تحقيق في مجلس النواب بعد أن أنفقت الحكومة نحو ٤٥ مليون ليرة لبنانية على المشروع، وهناك معركة قويّة بين الحكومة والنقّاد في الصحافة.
معدّات كهربائية. يقول المرّ إنّه استحصل على رأي تحكيمي في بند المعدّات الكهربائيّة، التي نصح بها كلّ من شركة «وستينغهاوس» وإدارة الطيران المدني وبلغت تكلفتها الإجمالية نحو ٤٢ ألف دولار بالإضافة إلى ١٠٠ ألف ليرة لبنانية للتركيب. قُسِّمت العقـود بين International Standard Electric وSadir-Carpentier، وارتفعت التكاليف إلى أكثر من مليون دولار، تضاف إليها عقودٌ أخرى. ردّت الحكومة بأنّ المعدّات التي طُلِبت بداية لم تكن كافية، وأنّ عمليات الشراء الجديدة تمّت بناءً على نصيحة المهندس السويسري ماتليس.

يتفق المراقبون على أنّه جرى شراء كمّيات كبيرة من المعدّات غير الضرورية لإرضاء غرور مسؤولي المطار، وتوفير أرباح لشركة Sadir-Carpentier.
حدّد التجّار وملّاك الأراضي تكاليف استملاك العقارات بـ٥ ملايين و٥٠٠ ألف ليرة لبنانية في العام ١٩٤٨. إلّا أن التكاليف التي تتحمّلها البلاد، ارتفعت بالتواطؤ، إلى ٩ ملايين و٥٠٠ ألف ليرة لبنانية بداية، ووصلت إلى ١٣ مليون ليرة لبنانية حاليًّا، ولا يوجد سقف لها.
وجّه المرّ اتهامات متعلّقة بتكلفة إزالة التربة والحفر في المطار الجديد، والتي شكّلت عبئًا على الخزينة نتيجة تآمر المقاولين الذين هم أعضاء في المجموعة المذكورة أعلاه. على الرغم من أنّ تكلفة أعمال الحفر في بيروت تبلغ ١١٠ قروشٍ للمتر المكعب، إلّا أنّ عقود الأعمال أبرمت بـ١٧٠ قرشًا للمتر المكعّب. وبما أنّ ملايين الأمتار المكعبة من أعمال الحفر كانت ضرورية، خسرت البلاد ملايين الليرات اللبنانية لصالح ثلاثة مقاولين هم: ميشال ضومط وألفرد كتّانة وصبّاغ من شركة Regie de Travaux.
بصفته وكيلاً لمصنع الإسمنت في شكّا، باع الشيخ فؤاد الخوري الباطون بسعر ثابت يتجاوز تكلفة استيراده من الولايات المتحدة مضافًا إليها رسوم الشحن البحري والمرفأ والنقل الداخلي. كان على مسؤولي إدارة الطيران المدني إقناع هيئة المطار بأن لا حاجة إلى ثلاثة مدرّجات بطول ٨ آلاف قدم لمطار بيروت الدولي بل يكفي وجود مدرجين. يشار إلى أنّ الشيخ فؤاد هو أيضًا عضو في هيئة المطار.
اتهمّ المر أيضًا امتياز شركة كهرباء بيروت بتحقيق أرباح لا مبرّر لها على حساب المصلحة الوطنية. يقول إنّ هيئة المطار دفعت لشركة كهرباء بيروت ٥٠٠ ألف ليرة مقابل مدّ الكابلات من المحوّل الكهربائي في ضاحية بيروت إلى المطار، بينما أخبره أحد مهندسي الشركة سرًّا أنّ التكلفة الفعليّة بلغت ١٥٠ ألف ليرة فقط.

لإنصاف الحكومة، لا بدّ من الإشارة إلى وجود اعتبارات خاصّة خلف انتقادات المرّ، فهو عندما وضع مخطّط المطار، كان يهدف إلى تنفيذه بأدنى كلفة وشراء ما هو ضروري لجعله مطارًا جيّدًا. وبعد أن أقنع الحكومة بالمشروع، حرص خلفاؤه وهم جزئيًّا ذوو نزعة وطنية، على جعله تحفة مطليّة بالذهب. وبالتالي فإنّ جميع مشترياتهم كانت للحصول على أفضل المعدّات.

مع ذلك، يمكن القول وبثقة تامّة إنّ اتهامات المرّ تنطوي على أكثر من ٥٠٪ من الحقيقة.

IV. المصالح الفرنسية

بلغت ردود الفعل الشعبية ذروتها من خلال المطالبة بمراجعة عقود الامتيازات الفرنسية في مجلس النواب في ١٥ كانون الثاني/ يناير ١٩٥٢، ما جعل إجراء تقييم خاصّ للمجموعة الفرنسية ضروريًّا في هذا الوقت. مع ذلك، لا تؤثّر ردود الفعل الشعبية بأي شكل على الشخصيّات المحلّية الواردة في المسح والمرتبطة بالمجموعة الفرنسية، لأنّها تمتلك الآن سلطة تفوق ما كانت تمتلكه سابقًا، وبالتالي إذا غادرت الامتيازات الفرنسية، سوف ترتّب هذه الشخصيّات الأمور بما يضمن استيلاءها على هذه المصالح. أيضًا، لا تؤثّر ردود الفعل الشعبية بأي شكل على المصارف الفرنسيّة المسؤولة جزئيًّا عن زيادة النشاط التجاري في لبنان. لقد أدّى التحالف السعيد بين المصرفيين الفرنسيين والشخصيّات المحلّية إلى ازدهار هائل.

مع ذلك، أثارت ردود الفعل الشعبية موجة غضب عارمة تجاه ثلاثة امتيازات كبرى، ومن المرجّح أن تفشل الدائرة الرئاسية في الاستمرار بتوفير الدعم غير المشروط للامتيازات الكبرى الذي تمتّعت به في الماضي، وهي شركة كهرباء بيروت، شركة المرفأ، وسكة حديد دمشق حمص ومتفرّعاتها، التي تصدّر، بحسب النقّاد، نحو ٥٠ مليون ليرة لبنانية سنويًّا [من أرباحها للخارج]. يمكن اعتبار الهجوم الذي شُنّ في البرلمان مع سقوط رينيه بوسون في العام ١٩٥١ دليلاً على أنّ الفرنسيين ينزلقون سياسيًّا من المواضع التي يرغبون بممارسة سيطرتهم الاقتصادية عليها.
النشاط المصرفي الفرنسي - رينيه بوسون: يُعتبر رينيه بوسون الشخصيّة الرئيسة للمجموعة، وهو المدير السابق لـ«بنك سوريا ولبنان» الذي أدار ورعى توسيع النفوذ المصرفي الفرنسي في لبنان قبل إقالته في العام ١٩٥١. كان بوسون، قبل سقوطه، أقوى شخصيّة مالية في لبنان، وتجاوز بنفوذه الشخصيّات السبع الأولى في الدائرة الرئاسية. لو أعدّ هذا التقرير في ١٥ كانون الثاني/ يناير ١٩٥١ بدلًا من ١٥ كانون الثاني/ يناير ١٩٥٢، لكان احتلّ المركز الأوّل في المجموعة الرئاسية متجاوزًا حسين العويني.
بنك سوريا ولبنان: إنّ برقية البعثة [الدبلوماسية الأميركية] رقم ٦٦٩ الصادرة بتاريخ ١٣ حزيران/ يونيو ١٩٥١، وكتبها مارون جلخ بعنوان «تأثير بنك سوريا ولبنان الخاضع للسيطرة الفرنسية على النظام المالي في لبنان»، قدّمت تقريرًا كاملًا عن أنشطة هذا المصرف، الذي استطاع الاحتفاظ بسيطرته على النظام المصرفي اللبناني، كونه مصرف الإيداع بالنسبة للخزينة اللبنانية، ويمتلك ودائع بقيمة ٤٠ مليون ليرة لبنانية تحت الطلب ومُتاحة للاستخدام. على الرغم من أنّ المصارف الأخرى يمكنها تقديم القروض، إلّا أنها لا تملك سيولة كبيرة بالليرة اللبنانية. لذلك، بما أنّه يمتلك ليرات لبنانية، كان يمكنه تقديم قروض كبيرة من دون المخاطرة بتخفيض قيمة العملة. ونظرًا إلى أنّ الحكومة تدفع للمقاولين بالليرة اللبنانية في العام التالي للسنة التي تجري فيها الأشغال، يجب على المقاولين الاقتراض من المصارف لتنفيذ أي مشروع كبير، ويجب على المصارف بدورها أن تعود إلى «بنك سوريا» للحصول على قروض بالليرة اللبنانية لأنّ جميع المصارف الفرنسية والإيطالية وحتى البريطانية في إيران والشرق الأوسط لا تملك رأس مال كبيرًا في لبنان. بهذه الطريقة يتحكّم «بنك سوريا» بجميع السلف الممنوحة للمشاريع الحكومية مثل بناء المطار، مبنى البريد والتلغراف، والهاتف الآلي.

يمارس المصرف الجزء الأكبر من سيطرته بشكل غير مباشر عبر المصارف الفرنسية الأخرى لتجنّب الانتقادات. وبالتالي، إذا وافق على قرض لمشروع حكومي، فمن المحتمل أن تجري الترتيبات من خلال المصرف الوطني للتجارة والصناعة (أفريقيا)، فيما يتعهّد «بنك سوريا ولبنان» بزيادة ائتمان المصرف الوطني للتجارة والصناعة حتى مبلغ مساوٍ لحجم القرض.
زيادة أنشطة الصرف: رعى بوسون توسيع المصالح المصرفية الفرنسية من خلال تشجيع مصرفَين فرنسيين كبيرين على التحالف مع مصرفين محليّين قديمين للقيام بأنشطة التبادل. استحوذ كريدي ليونيه على مصرف طراد (انظر رقم ١١ أعلاه في المسح) حتى يتمكّن من القيام بعمليات التبادل التي لا يمكنه القيام بها في فرنسا. ورعى بوسون تغييرًا مشابهًا من خلال تحويل مصرف صبّاغ إلى مصرف الهند الصينية. نظرًا إلى أن النشاط الرئيسي لمصرف الهند الصينية هو تجارة الذهب، فقد ساعده بوسون من خلال شراء الذهب منه لتأمين التغطية الذهبية للّيرة اللبنانية. هذا المصرف حرّ في شراء الذهب لأنّه ليس مصرف الإصدار. أمّا المدير الفرنسي نيلهوم، فهو صديق مقرّب لبوسون، وربما يكون بوسون أستاذه. يُذكر أنّ بوسون شريك في هذا المصرف، وبالتأكيد شريك في معظم معاملات الذهب. لا يمكن المبالغة في التشديد على أهمّية ارتباط وزير المالية السابق حسين بك العويني، في هذه المرحلة، [ببوسون وبنك سوريا ولبنان] لأنّه مدير مصرف الهند الصينية في جدة، وعضو في مجلس إدارة مصرف الهند الصينية في لبنان.

منذ سقوط بوسون، يُعتبر نيلهوم، مدير مصرف الهند الصينية، أقوى شخصية في الأوساط المالية الفرنسية.
مجموعة SERIAC (بوسون): إنّ مؤسسة الأبحاث والتنفيذ الصناعي والزراعي والتجاري (SERIAC) هي الخليفة المباشر للمكتب الفرنسي الاقتصادي للحرب (OEG)، الذي قدّم أعمالاً وامتيازات ومشاريع لدعم الرأسماليين المقرّبين من فرنسا. والهدف المُعلن لهذه المؤسّسة تنظيم جميع المعاملات التجارية بين سورية ولبنان وفرنسا برعاية بوسون. وقد تمثّلت المصارف الآتية فيها:

  • المصرف الفرنسي للتجارة الخارجية
  • المصرف الوطني للتجارة والصناعة (أفريقيا)
  • كريديه ليونيه

محامو المجموعة هم: الوزير السابق حميد فرنجية. فؤاد الخوري، شقيق رئيس الجمهورية، وهو أيضًا عضو في المجموعة، ويؤمّن لها المواد اللازمة لإنجاز مشاريعها الإنشائية بسعر ثابت.

لم تحقّق مجموعة SERIAC سوى نجاح جزئي في السيطرة على الصادرات والواردات الفرنسية لأنّ وزير الاقتصاد كمال جنبلاط شنّ حملة إعلامية قويّة لمنعها من تحقيق أهدافها منذ تشكيلها.

حاولت SERIAC السيطرة على تصدير الحمضيات لكنها لم تنجح. وتعمل المؤسّسة على بناء مجمّع ضخم في وسط بيروت، من المفترض أنّ يضمّ مكاتب وشققًا سكنية. هناك قصّة منتشرة على نطاق واسع في بيروت تفيد بأنّ بوسون نصح راهبات المحبّة اللواتي يمتلكن العقار بالاقتراض من «بنك سوريا ولبنان» بمعدّلات فائدة عالية لبناء جزء من المشروع، مع علمه الكامل بأنهنّ لن يتمكنّ من سداد مدفوعات الفائدة، بما يؤدّي إلى مصادرة ممتلكاتهنّ الثمينة. لا يمكن للمفوّضية التحقّق من التفاصيل الدقيقة.
مجموعة بوسون للتأمين (Union Nationale): عندما نظّم اللبنانيون شركة الاتحاد الوطني للتأمين، وافقوا على أن يكونوا وكلاء Union Nationale لأنّ بوسون وعدهم بمنحهم عقود تأمين الامتيازات الفرنسية الكبيرة: شركة المرفأ، شركة كهرباء بيروت، إدارة الأشغال العامّة، الخطوط الجوية اللبنانية... الشخصيّات الرئيسية في هذه المجموعة الخاضعة للسيطرة الفرنسية هي:

  • جوزيف سالم
  • جان فتّال
  • ألفرد كتّانة
  • حسين بك العويني

بنَت هذه الشركة مبنًى إداريًّا كبيرًا بجوار المرفأ، ومنزلاً فخمًا في القسم السكني من المدينة.
انتقادات للمصارف الفرنسية: يوجّه المراقبون في الأوساط التجارية في بيروت الانتقادات الآتية:
تتحكّم المصارف الفرنسية في التجّار والتسليفات وجميع المشاريع الكبرى من خلال النقد والتسهيلات الائتمانية. وتمارس سلطتها في تفضيل الرأسماليين الموالين لفرنسا على حساب جميع المجموعات الأخرى. وتميّز بين التجّار بالطريقة نفسها خدمةً للمصالح الفرنسية.
طوّرت الدوائر المصرفية تقنيات خفيّة لإفساد موظّفي الدولة. في التعاطي مع الموظّفين الذين يتعالون على قبول رشوة، كانت تمدّهم بمعلومات داخلية عن بورصة الذهب حتى يتمكّن الموظف من شراء الذهب عندما يكون منخفضًا وبيعه عندما يكون مرتفعًا. بلّغ صديق مدير «مصرف الهند الصينية» نيلهوم عن هذا الأمر إلى مصدر موثوق للغاية من البعثة. لا يحمل هذا النظام أي مخاطر على المصرفي أو المسؤول الحكومي.
دليل ضعف السيطرة الفرنسية
سقوط بوسون: ذات مرّة، أشار مراقب على مستوى وزاري إلى أن كلّ خطوة مهمّة قام بها الفرنسيون في لبنان منذ الحرب كانت بمبادرة من رينيه بوسون. ومنذ أن أقاله مجلس إدارة «بنك سوريا ولبنان» في باريس من منصبه في أوائل ربيع العام ١٩٥١، انتشرت تكهّنات عن سبب إقالته. وأبرز التخمينات المنطقية في لبنان هي:
خلافات بوسون مع فيليب تقلا: يُعتبر فيليب تقلا، وزير المالية الحالي، أحد الموظّفين الذين يتمتّعون بدعم شخصي كبير من رئيس الجمهورية أسوةً بالأعضاء السبعة في الدائرة المذكورة أعلاه. خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حارب بوسون تقلا، ويبدو أنّه نشب عداء شخصي بينهما. بعد الانتخابات، أصرّ تقلا على الحصول على وزارة الماليّة وكان له ذلك. وبما أنّ مدّة الامتياز الممنوح لـ«بنك سوريا ولبنان» على وشك الانتهاء قريبًا، لم يكن بوسع المصرف أن يتحمّل وجود مدير يتعامل بعداء شخصي مع وزير المالية.
مفتّش المصرف: بما أن مصرف لندن العثماني لديه حصّة بنسبة ٢٥٪ في «بنك سوريا ولبنان»، فقد بعث بمفتّشـــــــــــــــــه، غوسلينغ، إلى المصرف منذ أكثر من عام. ومن المحتمل أنّه أبلغ عن صفقات بوسون الشخصية ونشاطاته إلى المكتب الرئيسي للمصرف العثماني ومكتب باريس لـ«بنك سوريا ولبنان».
حياة بوسون الشخصية: تعرّضت حياة بوسون الشخصية إلى الكثير من الانتقادات وخصوصًا في سورية. انزعج السوريون عندما بنى شقّة فخمة لعشيقته الكونتيسة دي لا رو، ومكتبًا للرئاسة. أثيرت بعض التساؤلات حول نزاهته وصدقه. أفاد أحد حرّاس المصرف في دمشق، ويُدعى بودون، بأنّ المصرف أغلق مكتب بوسون عندما تلقّي برقية فصله، وعُيِّن موظفان فرنسيان حارسين عليه، فيما سُفِّرت الكونتيسة إلى باريس على متن أوّل طائرة لشركة الخطوط الجوّية الفرنسية.
الاستثمارات الشخصية: تقول المصادر إنّ بوسون أدار المصرف مثل الديكتاتور، وغالبًا ما استثمر أموال المصرف في مشاريع خاصّة به. تقول يولاند دورافور، وريثة ثروة دورافور، التي عادةً ما تستضيف كبار موظّفي المصرف ونظراء منيلهوم من «مصرف الهند الصينية»، إنّها سمعتهم يتداولون السبب الذي أدّى إلى سقوط بوسون، وهو ارتباطه بقرض بقيمة ١٦ مليون ليرة لبنانية حصل عليه معمار باشي، مستورد سوري من حلب يدير مصرفًا في الجزيرة. وبما أن موسم القطن انهار في الجزيرة في ذلك العام، كانت أموال المصرف، على الرغم من وجود مؤونات المقابلة، مقيّدة بالكامل بحيث اضطر المصرف إلى تأجيل بناء مبنى إداري في وسط بيروت بعد بدء أعمال الحفر فيه. وتعتقد البعثة أنّ هناك بعضًا من الحقيقة في هذه الرواية خصوصًا أنّ معمار باشي كان ضمن مجموعة اقترضت هذا المبلغ الكبير.
طلب مراجعة الامتيازات الفرنسية: يشير طلب صادر في ١٥ كانون الثاني/ يناير ١٩٥٢، يقضي بمراجعة عقود الامتيازات الفرنسية من قبل مجلس النواب، إلى أنّ ردود الفعل الشعبية تجاه الامتيازات أصبحت قويّة، بما يحتّم على الحكومة سحب دعمها الكامل لهذه المجموعة. وهو لم يُعدّ أمرًا ذا أهمّية خاصّة للبعثة التي أدركت أنّ العديد من الامتيازات الفرنسية الكبيرة، وليس فقط شركات النفط، هي التي تجني أرباحًا كبيرة من لبنان. وهو أمر مهمّ للولايات المتحدة أيضًا لأنّ هذه الشركات كانت وراء الاعتراضات التي طاولت مشروع النقطة الرابعة. وقد أدرك وزير المالية فيليب تقلا هذه الحقيقة أيضًا ووجّه انتباه الرأي العام إليها.

السيّد فيليب تقلا هو الرجل المثالي لمراجعة الشركات ذات الامتيازات لأنّ الحماية المُكتسبة من الرئيس تمنحه الدعم نفسه الذي يحظى به محامو الامتيازات وأصدقاؤها في الدائرة الرئاسية. وبما أنّه يتمتّع بثروة خاصّة من والد زوجته الذي يتربّع على رأس مصرف لبنان والمهجر الذي تتدفّق إليه أموال المهاجرين اللبنانيين، فهو محصّن عمليًّا تجاه ضغوطات مجموعات المصالح.

يقول السيّد تقلا إنّه إذا كان لا بدّ من فرض ضرائب على شركات الكهرباء اللبنانية، فلا ينبغي إعفاء أصحاب الامتيازات الأجانب من ضرائب مماثلة. تتلقّى شركة كهرباء نهر إبراهيم اللبنانية مبلغ ٤٠٠ ألف ليرة مقابل الكهرباء التي توزّعها على شركة كهرباء بيروت، وتدفع ١٢٥ ألف ليرة منها كضرائب. فيما توزّع شركة كهرباء بيروت الطاقة نفسها مقابل ٨٠٠ ألف ليرة لبنانية وهي مُعفاة من الضرائب.

فوجئت الحكومة اللبنانية والبعثة بردود الفعل الشعبية العنيفة تجاه الامتيازات، والتي ظهرت عندما نوقش الموضوع في مجلس النواب. شنّ كميل شمعون و«الحزب الاشتراكي» هجومًا على شركة كهرباء بيروت، وحدّدا مَواطن الضعف فيها، قبل أن يطالبا بتأميمها. اتهم شمعون شركة كهرباء بيروت والعديد من الشركات الأخرى بأنها تجني ٥٠ مليون ليرة لبنانية من لبنان على شكل أرباح سنوية، فيما المجموعات الصناعية والمستهلكون في المنازل غير راضين عن الخدمة التي تقدّمها الشركة، وقد ضجّت الصحافة بهذه الهجمات لأكثر من أسبوع. لم يستشهد المنتقدون بالأرباح العالية، والخدمة السيّئة، والتكاليف الباهظة فحسب، إنّما أيضًا بعدم تحقيق الامتياز أي شيء لتلبية احتياجات الطاقة المتوقّعة في البلاد أو العمل على تطوير مشاريع الطاقة الكهرومائية. قمع رئيس مجلس الوزراء، عبد الله بك اليافي، مطلب التأميم بحجّة عدم تثبيط الاستثمارات الأجنبية في لبنان، لكن البرلمان صوّت بغالبية ساحقة على مراجعة امتيازات شركة المرفأ، وسكّة حديد دمشق حمص ومتفرّعاتها، وشركة كهرباء بيروت، لإلغاء الامتيازات الخاصّة الممنوحة في عهد الإمبراطورية العثمانية والانتداب الفرنسي والتي تتعارض مع مصالح البلاد العليا.

يُعتبر ردّ الفعل الشعبي مهمًّا لأن الرئيس سياسي ذكي ولن يفضّل مجموعة امتيازات أجنبية لا تحظى بشعبية لدى الناس. ويمكننا القول بثقة تامّة أن مناصبهم كأعضاء مميّزين في الدائرة الرئاسية مُعلقّة على الأقل حاليًّا. ومن المُحتمل أن تكون معارضتهم لمشاريع التنمية الأميركية المُقترحة مثل مشروع استجرار الطاقة من الليطاني أقل صخبًا في المستقبل القريب.

المصادر

جبرايل المر، وزير الأشغال العامة السابق
جوزف أوغورليان، مساعد مدير عام وزارة المالية
نجيب علم الدين، رئيس موارد الشرق الأدنى
فريد حلو، رئيس شركة مياه القرى الجبلية
إدوين فالنجا، المدير الفرعي لـ«بنك سوريا ولبنان»
ألفرد كتّانة، أحد الأخوة كتانة
دونالد بيكر، ممثل كيلي سبرينغفيلد للإطارات
مصطفى نصولي، مدير دائرة الإحصاء
في وزارة الاقتصاد الوطني
فيليب تقلا، وزير المالية
يولاند دورافور، وريثة ثروة دورافور، وتعرف معظم المصرفيين الفرنسيين في المدينة
ميشال شيحا، لبنان في العالم: آفاق للمستقبل
مقابلات من ١٥ دقيقة إلى ساعة واحدة مع الشخصيّات الآتية:
حسين بك العويني، وزير المالية السابق أنطوان صحناوي، رئيس شركة صحناوي أخوان لاستيراد الحديد
نيقولا سالم، نائب في البرلمان اللبناني، وشقيق جوزيف سالم
جوزيف خديج، رئيس جمعية التجّار اللبنانيين
صائب بك سلام ومالك سلام، نائبان في البرلمان اللبناني
إميل بستاني نائب في البرلمان اللبناني

تقييم المصادر:

جبرايل المرّ، يُعتبر وزير الأشغال العامة السابق من أصدق موظفي الدولة في لبنان. منذ أن وضع تصوّره لإقامة مطار بيروت الدولي وحظيت فكرته بقبول عامّ، بات المصدر الأدقّ للمعلومات المتعلقة بالمشروع. وبما أنّ رئيس الجمهورية وقف ضدّه في الانتخابات الأخيرة التي خسر فيها، فإن انتقاداته تحمل درجة من المرارة الشخصية لا ينبغي إغفالها.
فريد حلو، شقيق وزير الخارجية شارل حلو، ورئيس شركة المياه التي تزوّد القرى الجبلية بالمياه. كمسؤول تنفيذي لديه معرفة وثيقة بالشخصيّات التجارية الرائدة وثرواتها، قدّم لنا مصادر وتقديرات ووصفًا للصلات الأسرية لـ ٢٥ شخصيّة بارزة. وبما أنّه صديق مُقرّب لمعظم أعضاء المجموعة، كانت معلوماته دقيقة ولا تحتوي على مواد مهينة.
نجيب علم الدين، درزي، رئيس موارد الشرق الأدنى، وتربطه علاقات عمل مع صائب بك سلام. قدّم التعبير الأوضح عن آراء المجموعة المسلمة. معرفته بالشؤون المالية اللبنانية جعلته مصدر معلومات قيّمًا عن عمل المصرفيين الفرنسيين والامتيازات الفرنسية. معلوماته دقيقة.
جوزف أوغورليان، مساعد المدير العام لوزارة الماليــــــــــــة، يعرف السياسة التجارية اللبنانية ويعبّر عن النقاط الأساسية لرأي الغالبية. زار الولايات المتحدة مرّتين ضمن مهمّات مالية رسميّة. معلوماته دقيقة. قدّم إلى ممثل البعثة عرضًا عن كتاب ميشال شيحا «لبنان في العالم: آفاق للمستقبل».

هارولد ب. ماينور
مسؤول تنفيذي أميركي

 

 

 

 

العدد ٣٥ - ٢٠٢٢
من تاريخ الأوليغارشية اللبنانية - ١

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.