مؤتمر صحافي، بيروت ١١ تشرين الأوّل ٢٠١٨
موقعنا وموقفنا معروفان، وموقع القوى الطائفيّة وزعمائها معروف، نحن لا نختلف معهم، نحن نختلف عنهم.
مسؤوليّتهم عن الوضع المزري الذي وصلنا إليه كاملة، ولكنّنا نعتبر أنفسَنا شركاء في المسؤوليّة عن المستقبل، لأنّ السياسة بالنسبة إلينا مسؤوليّة.
تحفّظْنا حتى اليومَ عن الكلام على خطورة الوضع الماليّ والاقتصاديّ، لا لجهلنا بالموضوع، ولا لقلّة اهتمامنا به، بل لرفضنا المساهمةَ ببثّ القلق، خاصّةً بغياب من يريد ويستطيع التعاملَ مع الأسباب والنتائج. ولكنّنا لم نعتبر يومًا أنّ النظام السياسيَّ والاقتصاديّ في لبنان يمكنه أن يؤدّي إلى شيءٍ غيرِ الأزمات.
الوضع اليومَ مختلف: عمّ القلقُ، الفوائدُ ترتفع، وتوقَّفَ التسليف، والصحافة المحليّةُ والأجنبيّة تتداول الأخبارَ عن المخاطر الماليّة في لبنان يوميًّا وبالتفصيل، والعقوبات جاهزة، والإغراءات حاضرة، والانتهازيّون كُثر، وبدأ تقاذف المسؤوليّات، وجاء إلى لبنان منذ يومين مبعوثٌ فرنسيّ خاصّ لتجميد حالة التفكّك المستشرية.
`الخيار الأوّل هو خيارُ مَن ينوي الهروب من البلد مع ماله وعائلته عند أوّل منعطف، الخيار الثاني هو خيار أصحاب المصارف والأموال الحريصين على استمراريّة مؤسّساتهم ومستقبلها في لبنان، لأنّه من غير هذه الخطوة لا مستقبلَ لأحد، والمجتمع سيتغيّر إلى شيءٍ جديد لا نعرفه.
مسؤوليّة المصارف ليست فقط تُجاهَ أصحابها، بل هي أوّلًا تُجاهَ المودعين، وتُجاه الاقتصاد والإنتاج. مصرف لبنانَ عمل ما يُعمَل، وما لا يُعمل، لكسب الوقت، لكنّ غياب القرار السياسيّ الذي يجب أن يستفيد من الوقت أهدره، كما أهدر الثمن الغالي الذي دُفع لكسبه.
لزعماء الطوائف نقول:
سنة ١٩٩٢ عشنا أزمةً ماليّةً كبيرة، برأينا وبالأدلّة مفتعلَة، وظهَرَ بعدها وفي سياقها النظامُ السياسيُّ الذي سيطر على لبنان لمدّة ٢٥ سنة. نحن اليومَ أمام مشهدٍ شبيهٍ، لكنّه غيرُ مفتعَل، وبالتالي البديل ليس جاهزًا ولا واضحًا، ولا يستطيع أحدٌ أن يتنبّأ بالنتائج أو يسيطرَ عليها، أكانت هذه النتائج نظامًا جديدًا أم فوضى.
نحن نعرف، وأنتم تعرفون، أنّه لا حكومة، ولا مجلس نواب، ولا أيّة مؤسّسة جدّيّة في لبنان، لأنه أساسًا لا توجد دولة. ونعرف أنّكم لا تستطيعون أن تثقوا ببعضكم، ولا يستطيع اللبنانيّون أن يثقوا بكم، رأس مالكم الوحيدُ هو قلق الناس الذي صرفتموه نوّابًا، وتحاولون منذ خمسة أشهر صَرفَه وزراءَ لتجميع صلاحيّاتٍ بلا مسؤوليّات.
جزءٌ كبير منكم ربَطَ مصيره برهاناتٍ على خارجٍ، يَظهر يوميًّا تخبّطُه بمشاكله الخاصّة.
الفَطِنُ منكم قلِقٌ، مصلحتكم ومصلحة المجتمع أن نطوي إرث الحرب، وأن نُقلع عن التحيُّن والمحاصصة والإنكار، وأن نبدأ مسار تصحيحٍ ماليٍّ واقتصاديٍّ وسياسيٍّ يوفّر الأمان للمجتمع، بقرارٍ سياسيٍّ إراديٍّ واضح.
مَن كان منكم مستعدًّا للمشاركة بإنقاذ المجتمع، وإنقاذ نفسه، نحن جاهزون لملاقاته.
للدول والمؤسّسات الخارجيّة التي تَعتبر نفسها معنيّةً بما يجري عندنا نقول:
استعملتُم بلدنا تارةً كساحةٍ لتصفية الحسابات بينكم، وطورًا كحالةٍ معاقة تستوجب الضبط، وفي كلتي الحالتين كان تدخّلكم ضدّ مصالح مجتمعنا وأطال أمدَ نظامٍ فاشل، وبناءً على معرفتنا بالواقع وبحسابات اللاعبين نتخوّف جدّيًّا من أن يكون مؤتمر سيدر حلقةً من هذه الحلقات.
العاقل منكم، ومَن يعتبر أنّ له مصالحَ فعليّةً في هذه المنطقة، يعرف أنّ الفوضى إذا وصلتْ إلينا بعد أن دمّرت الإقليم، سنكون نحن ضحاياها، ولكن في هذا الشرق، وعلى شاطئ هذا البحر، ليس أكيدًا أن يستطيع أحدٌ أن ينأى بنفسه عن النتائج.
من مصلحتكم، ومن مصلحة مجتمعنا، أن يتمّ التعاطي بعقلانيّةٍ مع كل مَن يختار مسار التصحيح الإراديّ، بهدف تأمين استقرارٍ اجتماعيٍّ في منطقةٍ مشتعلة، وبهدف تثبيت بديلٍ عن المتاجرة بالغرائز والدين والرعب الماليّ، وعن تأصيل الشعور بالهزيمة، وعن السعي لإرغام الشعوب على التنازل عن الكرامة والحقوق.
الإجراءات العمليّة لتنفيذ التصحيح الإرادي موجودة، تمّ دَرْس كل الاحتمالات ونتائجها، وتم تحديد الإجراءات الاستباقيّة وتعيين مؤشرات الرصد وتصوّر الردود على مختلف التطوّرات الممكنة. ولو كنّا بصدد عملٍ استعراضيٍّ لعرضْناها في الإعلام.
نحن نعتبر أنفسنا مسؤولين، مع غيرنا، عن أمن هذا المجتمع، ونحن جدّيّون، وقادرون معرفيًّا وسياسيًّا، على أن نلتقيَ مع كل مَن يرى نفسه جاهزًا للتشارك بالمسؤوليّة.
الأزمات ممكنٌ أن تحصل، وممكنٌ أن تتأجّل، وإن حصلت فهي ليست وليدة صدفة، وليست نهاية التاريخ، وتأجيلها لا يمكن أن يكون غايةً بذاته. اجتناب الأزمات، وحُسنُ إدارتها إذا حصلت، والاحتفاظ بالمقدّرات الماليّة اللازمة لمواكبة فترة التصحيح اقتصاديًّا واجتماعيًّا، داخليًّا ومع المحيط، كلّها مسائل تتعلّق بوضوح المشروع السياسيّ الذي يحمله السياسيّ المسؤول.
نحن في حركة "مواطنون ومواطنات في دولة" هدفنا المساهمةُ الحاسمة في بناء دولة مدنيّةٍ وديمقراطيّةٍ وقادرةٍ وعادلة، وهذا المشروع حاجة حيويّةٌ لمجتمعنا، وهو أيضًا حاجة حيويّة للمنطقة التي نعيش فيها وللعالم، وهو أيضًا وأيضًا حاجة حيويّة لكرامة كلّ فرد، وهو ما يعطي المعنى الفعليَّ للتضحيات التي قدّمَها، ويمكن أن يقدّمَها، الناس، وهم مستعدّون.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.