يرى المكتب السياسيّ للحزب الشيوعيّ اللبنانيّ أنّ مشروع موازنة عام 2020، الذي أُقرّ اليوم في المجلس النيابيّ، هو وجهٌ آخر من أزمة النظام السياسيّ بمؤسّساته الدستوريّة كلّها. وبغضّ النظر عن دستوريّة هذه الموازنة المعدّة من قبَل الحكومة المستقيلة أو قانونيّتها، إلّا أنّ إقرارَها في ظلّ القمع الذي يتعرّض له المنتفضون، وبحضور رئيس الحكومة الجديدة من دون وزراء حكومته، وتبنّيه لمشروع الموازنة نفسه يشكّل سابقةً تستدعي كل الإدانة، لتجاهلها لما حدث في لبنانَ منذ السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأوّل، حين انتفض الشعب اللبنانيّ ولا يزال من أجل التغيير السياسيّ وإعادة صياغة سياساتٍ اقتصاديّةٍ ونقديّةٍ وماليّةٍ بديلة، وصولًا إلى قيام دولةٍ مدنيّةٍ ديمقراطيّة واقتصادٍ منتِجٍ وعدالة اجتماعيّة.
إنّ الذهاب إلى المجلس النيابيّ بمشروع موازنة أُعدّ قبل 17 أكتوبر يعني أنّ السياسة الماليّة – من حيث هي وارداتٌ وضرائبُ ونفقاتٌ وإدارةُ دَينٍ عامّ – لم تستجبْ إلى مطالبِ اللبنانيّين، الذين يريدون سياسة ماليّة مختلفة عمّا سبق. فاللبنانيّون يَنشدون إصلاحًا ضريبيًّا شاملًا، يتضمّن رفع الضرائب على الأرباح والريوع، وفرضَ ضريبةٍ على الثروة وعلى توريث الثروات الكبرى، كما ينشُدون معالجة خدمة الدين العامّ التي ارتفعتْ تكلفتُها في مشروع الموازنة إلى أكثرَ من 6 مليارات دولار أميركيّ، وتقع أعباؤها على كاهل الطبقات المتوسّطة والعاملة بينما تذهب فوائدُها إلى القلّة القليلة في الداخل والخارج. وهم يتطلّعون كذلك إلى إعادة هيكلة سياساتِ الإنفاق العامّ، التي يجب أن تهدف إلى الاستثمار في البُنى التحتيّة وزيادة الإنفاق الاجتماعيّ من أجل مواجهة آثار الانهيار الاقتصاديّ، وتراجُع مداخيل العمّال والموظّفين اللبنانيّين بفعل ازدياد البطالة، وتراجع سعر الصرف في السوق الموازية، وتخفيض الأجور في العديد من المؤسّسات.
يرى الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ أنّ سياسةَ الحكومة الجديدة ما هي، عمليًّا، إلّا استمرارٌ للحكومة السابقة التي أطاحت بها الانتفاضةُ ورفضتْ ضرائبَها وورقتَها الإصلاحيّةَ، وبالتالي مشروعَ موازنتها الذي جرى تمريرُه اليوم في المجلس النيابي. ويجدّد الحزب على أنّ حلّ الأزمة يقضي باتّباع خارطة طريقٍ سياسيّة جديدة، قوامُها حكومةٌ انتقاليّةٌ من خارج منظومة المحاصصة المذهبيّة، التي برهنتْ على أنّها لا تُنتج إلّا حكوماتٍ مستنسَخةً والسياسات نفسها التي أوصلتْ لبنان إلى الانهيار. وتتضمّن أيضًا إقرارَ رزمةٍ من القوانين، بما فيها قوانينُ استثنائيّة، لحماية حقوق العمّال والفئات الاجتماعيّة الفقيرة والمتوسّطة من تَبعات الانهيار الماليّ، وترسيخ استقلاليّة القضاء كشرطٍ لاستعادة المال العامّ المنهوب، وإعادة هيكلة بُنية النظام الضريبيّ والدَّين والإنفاق العامّ والقطاع المصرفيّ، بالتزامن مع إقرار قانونٍ انتخابيٍّ على أساس النسبيّة خارج القيد الطائفيّ، مع خفض سنّ الاقتراع إلى 18 عامًا وإجراء انتخاباتٍ نيابيّةٍ مبكّرة على أساسه. إنّ هذا المسارَ من شأنه أن يعيد تكوين السلطة على أسسٍ مدنيّةٍ وعلمانيّةٍ وديمقراطيّةٍ تعكس تطلّعاتِ شعبنا المنتفض من أجل التغيير.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.