العدد ٢٦ - ٢٠٢٠

لا للتفاوض والنظامُ غير قابل للإصلاح

كانت مجلة بدايات قد أعدّت لندواتٍ حول انتفاضة 17 تشرين، لكنّ الحجر الصحي حال دون انعقادها، فاستعضنا عنها بأسئلة وجّهناها إلى عيّنة معبّرة من المشارِكات والمشارِكين. ننشر في ما يلي الأجوبة، ونُلحقها بتعليقاتٍ ونبذاتٍ اخترناها من وسائل التواصل الاجتماعي، ثمّ بوثائق وبرامج عائدة لمجموعاتٍ وتنظيمات وأحزاب مشاركة.

 

١ هل كنت تتوقّع حراك ١٧ تشرين؟ ولماذا برأيك قام أصلًا، واكتسب هذا الاتساع الجغرافي والعمق الشعبي؟ وبالتالي، ما طبيعته: حركة احتجاج، حراك شعبي، انتفاضة، ثورة؟ وما تقديرك للفئات والشرائح الاجتماعية المشاركة فيه؟

كمتابعٍ للأوضاع، توقّعتُ قيام "حراك 17 تشرين"، لكنّني لم أتوقّع تاريخه.
منذ مطلع عام ٢٠١٩، تراكمتْ عوامل الانفجار. من التأخّر في إقرار الموازنة نتيجة غياب الأرقام، واستمرار نزف الودائع إلى الخارج على الرغم من معدّلات الفوائد المرتفعة، إلى خفض تصنيف لبنان المالي وغيرها من العوامل التي أدّت إلى أزمة شحّ الدولارات في ظلّ عجزٍ مستمرّ في احتياطيّ العملات الأجنبيّة لدى المصرف المركزي. بدأ الفلتان التدريجيّ في سعر الصرف الذي حذّرت منه تقاريرُ صندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي ومؤسّسات التصنيف الائتمانيّة. وسَعت السلطة السياسيّة، كما هو متوقّع، إلى تمويل العجز من جيوب اللبنانيّين عبر محاولة زيادة الضرائب وتخفيض التقديمات الاجتماعيّة لخفض العجز في ميزان المدفوعات. والهدف من ذلك إنهاءُ الموازنة للحصول على أموال مؤتمر "سيدر"، أي ضَخ دولارات عبر الاستدانة من جديد.

إضافةً إلى ذلك، نفخت ضغوطُ الولايات المتحدة الأميركية على لبنان، في حربها على "حزب الله"، في أتون الأزمة. تمّ إعدام "جمّال ترست بنك" والتهديد بالمزيد من العقوبات على مراحل عدّة كان آخرها في زيارةٍ لمساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال مارشال بيلينغسلي في ٢٢ أيلول/سبتمبر، والتي التقى خلالها رئيس مجلس النواب نبيه بري وحاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف. كما أنّ سياسة السعودية مع محمد بن سلمان هدفت إلى التأزيم المستمرّ ظنًّا منه أنها الطريقة الأمثل لمواجهة "حزب الله".

أدّى كل ذلك إلى أزمات متلاحقة، كإضرابات قطاعات مستوردي النفط والقمح والدواء اعتراضًا على شحّ الدولارات لدى المصارف وغلائها في أسواق الصيرفة، وإضرابات "الجامعة اللبنانية" والمتقاعدين العسكريّين اعتراضًا على المساس بحقوقهم، وتهافت القطاع الخاص على دولرة الأسعار، كالجامعات الخاصة وموزّعي الهاتف الخلوي. استعاد اللبنانيون ذاكرة انهيار العملة واصطفّوا طوابيرَ أمام محطات الوقود والأفران. خيّم شبح عام ١٩٩٢ الذي انتهى بالإطاحة برئيس الحكومة السابق عمر كرامي والإتيان برفيق الحريري، ثم اندلاع موجة احتجاجات من جنوب البلاد الى شمالها أواخر أيلول/سبتمبر مع مؤشرات على خلع عباءة الطائفية (إحراق صوَر الحريري في طرابلس)، خصوصًا أنّ شبح الحرب رفرف في أحداث قبرشمون.

بدا كل شيء مهيّئًا للانفجار. وقطعت ضريبة الواتساپ شعرة معاوية الطائفيّة، فانفجر الشارع على امتداد البلد المنهار اقتصاديًّا واجتماعيًّا. برأيي، شكّلت ضريبة الواتساپ (أو الفايسبوك لو أنهم قرروا غير ذلك، من يدري؟) أساسًا في اتساع رقعة الاحتجاج الشعبي، ذلك أنّ الضرائب لحقت اللبنانيّين إلى العالم الافتراضي، إلى مساحة "الحرية" الوحيدة المتاحة. كانت خطوة غبية من محمد شقير.

17 تشرين ثورة أو انتفاضة شعبيّة مشروعة، ولا فرق بين المصطلَحين، شاركت فيها كل الفئات والشرائح الاجتماعية (كانت مشاركة الفلاحين المشاركة الأضعف) في وجه سلطة طائفية سارقة. جرّبت كل الأطراف الخارجية والداخلية أن تركب موجتها، وجهدت السلطة لإطفائها، لكنها صمدت في الشارع إلى ما قبل أزمة الكورونا.

 

٢ أبرز شعارين رُفعا في الحراك هما «حكومة تكنقراط مستقلّة عن أحزاب السلطة» و«حكومة انتقالية تنظّم انتخاباتٍ مبكرة». ما رأيك بهذين الشعارين وبقدرات قوى الحراك على تحقيق أيٍّ منهما؟

برأيي وبحسب ملاحظاتي، أبرز وأهمّ شعارين رُفعا هما إلغاء الطائفية السياسيّة وإسقاط حكم المصرف لأنهما يصوّبان على أصل البلاء. أمّا رأيي في حكومة تكنوقراط مستقلّة عن أحزاب السلطة وحكومة انتقالية تنظّم انتخابات مبكرة فهو أنها آليّات دستورية للتغيير، غير أنّها لن تؤتي أكلها إن لم تعالجْ أصل البلاء: الطائفيّة والرأسماليّة.
٣ ما أبرز إنجازات الحراك؟ هل كان المطلوب برأيك أن يحقّق إنجازات/إصلاحات معيّنة، وما مداها؟ وما هي برأيك أبرز المطالب المعيشيّة التي كان يُفترض بالحراك أن يسعى إلى تحقيقها؟

للحراك إنجازاتٌ عديدة منها توحيدُ شارعٍ لبنانيّ عابرٍ للطوائف وإسقاط حكومة تحت ضغط الشارع وزعزعة حكم الطوائف والمصارف وكسر هيبته وكذلك كسر هيبة أجهزة القمع إضافةً إلى فتح الباب أمام تغيير وطنيّ لبناء دولة عدالة اجتماعية. برأيي، على الحراك الابتعاد عن المطالب الإصلاحية في نظام غير قابل للإصلاح والتوجه نحو الخيارات التغييرية الجذريّة. وليس على الشارع تفكيك الصراع إلى مطالب معيشية متفرقة، فأصل البلاء واحد وآخِر الدواء الكيّ.
 

٤ ما رأيك بشعار «نحن نطالب ولا نفاوض»؟ في غياب التفاوض، هل هناك من سبيلٍ آخر غير أن تتولى السلطة تنفيذ سياساتها ويكتفي الحراك بالاحتجاج؟

هذا الشعار محقّ بكلّ تأكيد، فكيف لشعب مظلوم أن يفاوض ظالميه؟ يجب أن يكون التعاملُ الوحيد مع هذه السلطة محاكمتها على تدميرها البلد وشعبه ومستقبلهما. إنّ كل سبيل للوصول إلى تحقيق المطالب المحقّة وإصلاح البلاد لا يمرّ بمحاكمة المسؤولين عن تدمير البلد لا يعوّل عليه.
 

مطالب وأنشطة "خيمة اعتصام حلبا"

لم أجر تقييمًا نهائيًّا لمرحلة ما قبل الكورونا، لكن من الدروس الأساسية التي أستخلصها من الحراك أنّ تنظيف الشارع من أحزاب السلطة ودعاة النيوليبرالية والمنظمات غير الحكومية والجمعيّات يجعل النضال أدقّ وأوضح.

بالنسبة لمطالب خيمة اعتصام حلبا فهي على الشكل الآتي:

- إلغاءُ الطائفيّةِ السياسيّة.
- تشكيلُ حكومةِ إنقاذٍ وطنيةٍ بصلاحيات استثنائية من خارجِ أحزاب السلطة وأعوانها.
- تأميم المصارف وتحميلها مسؤولية الدين العام.
- إقرار قانون استقلالية القضاء وإطلاق يده لاسترجاع الأموالِ المنهوبةِ ومحاسبة النظامِ المصرفيِّ-السياسيِّ الفاسدِ.
- إجراءُ انتخاباتٍ نيابيةٍ مبكرةٍ بعد إقرارِ قانونٍ انتخابيٍّ خارجَ القيدِ الطائفي.
- عقدُ جلسةٍ تشريعيّةٍ علنيّةٍ متلفزةٍ لمجلسِ النوابِ يقرُّ فيها قوانينَ الإصلاحِ المطلوبة.

أما أبرز النشاطات لخيمتنا فهي:

- إغلاق المؤسسات الحكومية من ١٧ تشرين الأول/أكتوبر وحتى إعلان التعبئة العامة.
- تنظيم حلقات حوارية ونقاشات عن الأزمة والحلول.
- أوّل من خاض المعارك مع كارتيل المصارف والأجهزة الأمنية المدافِعة عنه لتحصيل حقوق صغار المودعين (أشهرها معركة بلوم بنك في حلبا).
- طرد محافظ عكار.
- مكافحة التهريب.
- طرد نواب عكار من بلديّة حلبا.

العدد ٢٦ - ٢٠٢٠

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.