نعم، لقد توقّعتُ قيام انتفاضة 17 تشرين، ولكن طبعًا لم أتوقّعْ أن تحصل في هذا التاريخ تحديدًا، كما لم أتوقّعْ أن تكون بهذه القوّة وهذا الاتّساع والعمق الشعبيّ.
بدأت إرهاصات هذه الانتفاضة باكرًا وتراكمتْ طوال سنوات، من انتشار فضائحِ الصفقات المشبوهة والسمسرات وصراعات أهل السلطة مع بعضهم البعض على الحصص ونهْبِ المال العامّ، وما رافق ذلك من "نشرهم غسيلهم الوسخ" على العلن.
تراكمت الفضائح في مختلف وزارات الدولة ومؤسّساتها، من سرقة المشاعات إلى فضائح فواتير الاستشفاء في قوى الأمن الداخلي إلى تعيينات الأزلام وترقية المحاسيب، وتعطيل الحياة السياسيّة بهدف فرض رئيسٍ بعينه لموقع رئاسة الجمهوريّة، وكذلك فضائح النفط والدواء الفاسد وطوفان مياه الصّرف الصحّي وإغراقها الشوارع والبيوت وتلوّث مياه الشرب ونهر الليطاني وانفلات الكسّارات وصولًا إلى حرائق المساحات الخضراء في الجبل وسط عجز الدولة وانكشاف ارتكاباتها. وقد لعب كلُّ ذلك دورًا أساسيًّا في تحريض الناس على حكّامهم.
ترافق ذلك مع صراعات أهل السلطة في ما بينهم على الغنائم، فكانت خطابات الوزير جبران باسيل التحريضيّة وردّ "حركة أمل" في غَزوتَي الحدث و ميرنا الشالوحي و"الحزب التقدّمي الاشتراكي" في الجبل وغيرها من أعمال العنف. جاءتْ هذه الأحداث لتزيد اليقين باستحالة أنْ تقوم السلطة بأيّ إصلاحٍ يجنّب البلدَ الوقوعَ في الهاوية. وبدلًا من إيجاد الحلول لهذه المعضلات لجأت السلطة إلى المزيد من الضرائب التي تطاول الناسَ وتفاقم من صعوبة معيشتهم وتقذفهم إلى الفقر.
ولأنّ هذا الواقعَ طاول ويطاول مختلف المناطق والطوائف والطبقات الاجتماعيّة والفئات العمريّة، جاءت ردّة الفعل شاملة، ولو بتفاوتٍ، لجميع هؤلاء في انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019. وإذا كانت انتفاضةُ تشرين بدايةً لمرحلةٍ جديدةٍ من المواجهة، إلّا أنّ التصدّي لسياسات السلطة بدأ قبل ذلك بكثير. لقد شهدتْ شوارعُ بيروتَ وصيدا والنبطية تظاهراتٍ متنوّعة، وعلى الرغم من أنّ أعداد المشاركين فيها متفاوتة ومتواضعة إلّا أنّها كانت تزداد حجمًا وتنوّعًا، مع حضورٍ فاعلٍ للمرأة والعنصر الشبابيّ فيها، ولكن بقي، في الوقت نفسه، الطابعُ الحزبيّ الملتزم أو المغادِر لهذه الأحزاب طاغيًا على هذه التظاهرات.
ويمكن القولُ انّ هذه التّظاهرات تركّزت طوال عام 2018 وتخلّلها مهرجان (الحمرا) قبل الانتخابات النيابيّة التي أجريتْ في 6 أيار/مايو من ذلك العام، لتخمد فترةً ثم تنشط في عام 2019 وصولًا إلى انفجار انتفاضة تشرين.
وتأكيدًا على صحّة ما ذكرتُ حول توقّع هذا الانفجار، أُوردُ هنا حرفيًّا ما كتبتُ على صفحتي الشخصيّة عبر موقع "فايسبوك" في 16 كانون الأول/ديسمبر 2018، إثر مشاركتي في مسيرة بيروت التي دعا إليها "الحزب الشيوعي اللبناني" وشاركتْ فيها "منظّمة العمل الشيوعي" و"التنظيم الشعبيّ الناصريّ" و"حزب طليعة لبنان" وسوى ذلك من جمعيات وشخصيات مستقلّة:
"أيّامٌ صعبة تنتظر الناس، وقد تدفعهم إلى الانفجار. لا بدّ من تحضير الوعاء المناسب لتوجيه غضبهم نحو مستغلّيهم كي لا يعاد استخدامُهم مجدّدًا وقودًا بيد هؤلاء الزعماء، بمواجهة بعضهم البعض. الانفجار سيحصل، ويبقى بذلُ كلّ الجهود لقيادته بالاتجاه الصحيح وإلا ستكون الخسائر مضاعفةً".
وبعد أقلّ من شهر، وبعد تظاهرةٍ في صيدا، كتبتُ على صفحتي:
"البَون ما زال شاسعًا بين الواقع المعيشيّ الصعب وبين حجم التحرّكات، ولكنّ استمرار الجهود وسدّ الثغرات مع بعض الصبر، سيضيّق هذه الفجوة".
وعلى الرّغم من هذه التوقّعات من موقع المشارك إلّا أنّ حجم زلزال تشرين كان أعظمَ وأكبرَ من أيّ توقّع.
هل ما حصل حراكٌ أم انتفاضةٌ أم ثورة؟ أفضّلُ تسميته "انتفاضة"، لأنّه أكبر من حراك، ولا يمكن في الوقت نفسه وصْفُه بالثورة التي يكون عادةً هدفُها نسف النظام القديم وإحلال آخر مختلفٍ كليًّا على كل الصعد مكانه. إلّا أنّ المشاركين في الانتفاضة، وخاصّةً العنصر الشبابي، تستهويهم تسميتُها بالثورة. وقد بدا ذلك واضحًا في عدد من الشعارات، منها "ثورة، ثورة، ثورة" و"يسقط يسقط رأس المال هيدا البلد للعمّال".
لكنّ مطالبنا وحركتنا كانت موجّهةً نحو السلطة القائمة التي نعترف بسلطتها على الرغم من كلّ العداء لسياساتها. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى مفارقة أدّت إلى هذا الالتباس في وصف الانتفاضة، إذ كانت المطالب "ثوريّة" بينما الحركة "إصلاحيّة"، وهذا انعكس على حركة المنتفضين على الأرض بين استعمال أشكالٍ من العنف المحدود وقطْع الطرقات ومحاولة دخول السراي الحكومي ومقرّ مجلس النواب بالقوّة وبين التجمّع والتظاهر السلميّ.
مطالبنا تتوجّه إلى سلطةٍ فاسدة، آملين منها الموافقةَ على قرار إلغاء ذاتها وإنهاء حكمها، بينما هي لا تزال تحتفظ بقوّتها وبكلّ أجهزتها ولديها ثقلٌ من الدعم الشعبي ومليشيات مسلّحة قوية جاهزة للقمع ودعم إقليميّ هام!
وممّا زاد الالتباسَ ورفَع مستوى التفاؤل، لا سيما وسط الشباب، خلافاتُ أهل السلطة في ما بينهم وانضمام بعضهم إلى المنتفضين. ضاعف هذا الأمرُ من منسوب التفاؤل بتحقيق تغييراتٍ جذريّة في بنية السلطة. جعل هذا التفاؤل في التوقّعات الشبابَ يعتقدون أنّ النصر قريب، وإذا لم يتحقّق ذلك خلال أشهر فنكون قد فشلنا في انتفاضتنا. لقد توهّم البعض بأنّ "تيّار المستقبل" و"الاشتراكي" و"القوات" سينقلبون على السلطة ويساهمون في رجمها فيزداد ضعفها وتجبَر على تقديم تنازلات. إلّا أن الوقائع أثبتتْ العكس.
يُدخلنا هذا الأمر إلى مناقشة مطلبَي الانتفاضة: حكومة تكنوقراط مستقلّة عن أحزاب السلطة وحكومة انتقاليّة تنظّم انتخاباتٍ مبكرة.
إنّ كلا المطلبين لم يكونا قابلَين للتحقّق في ظلّ ميزان القوى القائم، فمن جهةٍ، ليست السلطة ضعيفةً إلى درجة القبول بالتخلّي عن الحكم والسير بانتخابات مبكّرة قد تهدّد نفوذ "التيّار الوطنيّ الحر" وقبضة "حزب الله" عليها في ظلّ ظرف إقليميّ حسّاس سيربك العهدَ ومحورَ الممانعة، ومن جهة ثانية يتطلّب تحقيقُ الانتخابات المبكّرة قانون انتخابات دونه خلافاتٌ ومصالح بين أهل السلطة أوّلًا وبين المنتفضين في ما بينهم ثانيًا وبين السلطة والمنتفضين ثالثًا، لذا المطلب، من وجهة نظري، مستحيلُ التحقّق خلال فترة زمنيّةٍ محدودة.
وهنا لا بدّ من تبيان الروابط الخفيّة بين هذين الشعارين وشعار "نحن نطالب ولا نفاوض"، فهذه الشعارات، وإن بدتْ غيرَ مفهومة، إلّا أنّ العارفين بواقع الانتفاضة يَعون ذلك، فالانتفاضة ليست حزبًا أو بضعة أحزاب تقرّر قيادتُها البرامج وخطّة العمل وتعيّن مندوبين للمفاوضات أو ممثّلين في الحكومة. الانتفاضة غير ذلك تمامًا. لا يشكّل أكبرُ حزبٍ أو طرف أهليٍّ مشارك فيها إلّا جزءًا يسيرًا من حجم المشاركين. تضمّ الانتفاضةُ عشرات وربما مئات الأحزاب والمنتديات والتكتّلات الطلابيّة والأهليّة والمناطقيّة، وهي غنيّة جدًّا بالطاقات والكفاءات وبالإنتلجنسيا التي تعرّفت إلى بعضها البعض خلالها، ولكنّ هذا التعارف لم يكن كافيًا إلى درجة الثقة المطلقة والتسليم للآخر بالقيادة أو بالتمثيل، فهي تحوي مئات الأساتذة الجامعيّين والمحامين والاقتصاديّين وآلاف طلاب الجامعات والمدارس والمعلّمين والمتقاعدين وشخصيّاتٍ سياسيّة وصحافية وفنّية من كلا الجنسين. تحوي كفاءات "على مَد عينك والنظر" لا تعرف بعضها البعض، أو لديها تحفّظات تجاه بعضها البعض، ولدى البعض في الانتفاضة أيضًا طموحات خاصة قد تكون مشروعةً أو غيرَ متناسبة مع إمكاناتهم وحيثيّاتهم. جعل هذا الواقعُ من الاتفاق على قيادة أو ممثّلين في أي مفاوضات أو أيّ جهة تمثيليّة، حكومة كانت أم لجنة اتصالات، أمرًا ليس باليسير، إذ ليس من السهل القبولُ بأنْ يمثّلك "الآخرُ" في موقع القيادة إذا لم تكن قد اختبرتَه لفترةٍ كافية كي تتبيّن آراءه ونشاطه. كان من شبه المستحيل تحديدُ برنامجٍ جامع واختيار ممثلين وتحديد خطّة عملٍ لا يخترقها أحدٌ خلال أيّام أو أسابيع. كان لا بدّ من السير بين النقاط للحفاظ على وحدة الانتفاضة. ولهذا السلوك خسائرُه أيضًا. لذا بدا عدمُ الدّخول في الأطر القياديّة قبل أن تنضجَ الظروف أقلَّ كلفة، كان من الأفضل عدم الوقوع في فخّ التسميات في مواقعَ عدّة قبل الأوان. لذلك بدتْ بعضُ الشعارات غيرَ مفهومةٍ لأنّها جاءت لتعبّر عن واقع المنتفضين ولكنّها أقلّ استجابة للواقع السياسيّ أو لواقع موازين القوى.
لم يكن أمام الناشطين خياراتٌ سهلةٌ تضمن استمرار وحدتهم ودقّة شعاراتهم، ومع ذلك تمكّنوا خلال بضعة أشهر من تشخيص علل المنظومة الحاكمة في عددٍ هامّ من المجالات وقدّموا حلولًا خلّاقة لها.
وعلى المستوى التنظيميّ، تعرّف الناشطون في كلّ ساحةٍ إلى بعضهم البعض، ونجحوا في إيجاد أطر تنسيقيّةٍ وبناء جسور من الثقة بات معها التوصّل إلى أطر قياديّةٍ وتنسيقيّة بين الساحات أمرًا أيسرَ ويقوم على دعائم أكثر قوّة وثباتًا. كانت تجربةُ الانتفاضة ما قبل الكورونا شرطًا ضروريًّا كي تنجح في ما بعد على جميع المستويات. كان لا بدّ من هذه التجربة كي نمضي بوعيٍ وثقة نحو تخطّي الثغرات. لقد أظهرتْ انتفاضة تشرين أنّ شعبنا يملك إمكاناتٍ هائلة، الأمر الذي سيشكّل حافزًا لنا كي نتقدّم نحو الأمام، وكابوسًا للسلطة في المستقبل. لقد علّمتنا التجربةُ أنّ لا تغيير مرتجًى إلا بالصّبر والنفَس الطويل، وأنّ الخارجين من الحكومة بسبب صراعٍ على المصالح هم حلفاءُ طبيعيّون لزملائهم داخلَها عند الشدّة، وألّا نراهن على وقوفهم الموقّت ضمن صفوفنا. تعلّمنا أنّ تحطيم نُصب زعماء الطوائف وفضْح ارتكاباتهم هو الشرط الضروريُّ لإطلاق رعاياهم من حظيرة الطائفة إلى رحاب الوطن، وهذا ما أثبتتْه صحوةُ الطائفة السنّيّة وحيويّتها بعد انفضاح ارتكاباتِ قياداتها وضعفها.
لقد أسقطت التجربة كلَّ رهانٍ على أي دور إيجابيّ لـ"حزب الله" في مكافحة الفساد كما ادّعى وحاول إقناعَنا، بعدما تحوّلَ من راعٍ وموزّع للمغانم إلى مشارِك أساسيّ في وليمة الفساد. تعلّمنا أنّ لا إصلاحَ مرتجى بوجود هذه القيادات الفاسدة مهما موّهتْ مواقفَها، وأنّ سياسيّينا ومصارفنا وحاكمَ مصرف لبنان في سلّةٍ واحدة، وأنّ الإلقاء باللائمة على أحدهم وإهمال الآخر موقفٌ مشبوهٌ ومضلّلٌ وخاطئ. وعَيْنا أنّنا بتنا أكثرَ انكشافًا على الخارج، وأنّ هذا الخارجَ قادرٌ على أن يفرض الإصلاحات على سياسيّينا إن أراد ذلك، وأنّه يمسك بحبل خلاصنا من الهاوية التي أوصلونا إليها، ولكنّه سيفضّل إجراء التسوية مع هذه السلطة الفاسدة كما جرى مع العميل عامر الفاخوري، إذ تؤكد الأحداثُ ما ذكرتُه على صفحتي بتاريخ 18/ نيسان/ أبريل 2019:
"إنّ سياسة طبقتنا السياسيّة تهدف إلى إفلاس البلد ووضعه تحت خطر المجاعة أو الرضوخ والانصياع للأوامر الخارجيّة المتعلّقة بالمترتبات المطلوبة من لبنان لتمرير صفقة القرن وترسيم الحدود بما يناسب إسرائيل، ولن يكون سلاح "حزب الله" بعيدًا عن الموضوع. وستلجأ أميركا إلى عرقلة مشروع استخراج الغاز والنفط من بحرنا لتحقيق هذه الغاية".
نعم كنّا بحاجةٍ إلى كل هذا الوقت وهذه التجربة كي يتعرّف بعض الجمهور المسيحيّ على خطأ رهانه بدعم الزعيم القويّ والتيار القوي لاسترداد امتيازاتٍ لا يستفيد منها إلّا الأقاربُ وأصحابُ رأس المال والأزلام والمحاسيب. لقد كانت معظم شعارات الانتفاضة صائبةً وكلٌّ منها يحتلّ الصدارة في مناسبةٍ معيّنة، من شعار "يسقط حكم الأزعر"، عند التعرض للاعتداء، إلى شعار "يسقط حكم المصرف"، إلى شعار "كلّن يعني كلّن". تعكس هذه الشعارات وعيًا وجرأةً تسجَّل للمنتفضين. بات لكلّ ساحةٍ قيادة من دون تسمية، وللساحات أطرٌ تنسيقيّة غير رسميّة فرضتْها الظروفُ والحركةُ والضرورة.
لم تكن طريقُ الانتفاضة معبّدة في صور والجنوب. أصرّ الثنائيُّ الشيعيُّ على وأدها منذ بدايتها عبر الاعتداء على المتظاهرين وفي غزو خيَم الاعتصام وإحراقها. شغل تفكيرَهم تحدّي المتظاهرين سلطتَهم ومحاربتهم الفساد في إحدى أبرز ساحاته. ركّزوا إعلامهم على نظريّةٍ مفادُها أنّ لا هدفَ للانتفاضة إلّا مواجهة المقاومة. كان مشروعُهم تصويرَ الانتفاضة في كل المناطق والمساحات وكأنّها استهدافٌ للشيعة، وأنّ المطلوب تكاتف الشيعة ضدّ المؤامرة التي تُحاك ضدّهم. احتاجوا إلى خنق الانتفاضة في المناطق الشيعيّة قبل كلّ شيء لنجاح مشروعهم. هدّدوا الكثيرين في لقمة عيشهم، ومنهم أهالي المنتفضين الذين هدّدوهم بمصالحهم، وشهّروا بسمعة ووطنيّة الناشطين وسمّوا قياداتٍ على هواهم ليسهل ترهيبها. نجحوا في تحييد البعض لضيق لقمة العيش، لكنّ الانتفاضة استمرّت وفشِلَ مشروعُهم لأنّ معظم أصحاب الانتفاضة من الشيعة ومن أبطال مقاومة العدوّ الصهيونيّ في جبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانية. جعل تضامنُ الساحات وكثافة الندوات وتبادلُ الزيارات وتشابه الآراء والمواقف للمنتفضين وكأنّهم في حزبٍ قَيْد التكوين اسمه "حزب الانتفاضة"، حزبٌ أو تجمّع أو سمّه ما شئت، لكنّه شيءٌ موجود ومحسوس وجِدّيّ.
لقد أدركْنا في الجنوب أهمّيّة الصمود لتأكيد شمول الانتفاضة مختلفَ الطوائف والمذاهب. حاولوا منع تواصل ساحات لبنان مع ساحات الجنوب واعترضوا "بوسطة الثورة" التي شكّلت رمزًا يناقض بوسطة عين الرمانة الشهيرة، فردّ الجنوبُ ببوسطةٍ عبرتْ من الجنوب إلى مختلف المناطق. أصرّ المنتفضون على الصمود في ساحات الاعتصام، وتضامنت الساحات مع بعضها البعض. لقد عنى لنا كثيرًا في صور دعمُنا من قبل ساحات النبطيّة وكفررمان وصيدا بعد الاعتداءات التي تعرّضنا لها، وكذلك دعْمنا من قبَل وفود المثقّفين والفنّانين ومختلف الناشطين، وهذا يصحّ على باقي الساحات. ومن المؤسف أنّ وباء كورونا اعترض استكمالَ إنضاجها.
ليست الحركةُ الشعبيّة بعد انتفاضة تشرين كما قبْلها. لم تعد الاستكانة والخنوع والخوف على حالها، كما تعزّزت ثقة الناس بقوّتهم وقدرتهم على التغيير. وإذا كانت بعض نتائج انتفاضة تشرين قد بدأتْ بالظهور كما حصل في نقابة المحامين ومواقف القضاء وفي نقابة المهندسين وفي بروز حركة "مهنيّون ومهنيّات" وعودة الشمال، وطرابلس تحديدًا، إلى لعب دوره الهامّ وعودة الحياة إلى شوارع الجنوب والبقاع والجبل، فإنّ إنجازاتٍ أخرى تنتظرنا في المستقبل مهما حاولت السّلطة إعاقة ذلك.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.