صلاح المرّ (مواليد ١٩٦٦ الخرطوم، السودان) فنّان معاصر يعيش ويعمل في مصر. هو رسّام ومخرج سينمائيّ ومصوّر فوتوغرافي. يمكن تعريف أسلوب رسم المرّ على أنّه مجرّد، ولكن ليس لدرجة عدم الفهم. يقول صلاح المرّ إنّ «الألوان في رسوماتي قويّة للغاية بسبب الشمس في بلدي وأيضاً بسبب الناس الذين يحبّون ارتداء ملابس ملوّنة». الموضوعات تعبّر عن قدراتٍ عاطفيّةٍ غير محدودة، ورغم أنّ اللوحاتِ لا تتضمّن أحداثاً مهمّة، يبدو أنّ كلّ وجهٍ له قصّة.
ولد صلاح المرّ في إحدى قرى الضفّة الغربية لنهر النيل الأزرق، ونشأ على تصاميم الكروشّيه المحبوكة من قبَل والدته. حيواناتٌ متخيّلة، رجال ونساء يتحابّون، دوائر ومثلّثات لا نهاية لها، والكثير من الألوان التي لم يكن أحد يراها سواه. هكذا تفتّحتْ عيناه على الفنون البصريّة. عندما كان طفلاً بدأ يرسم خطوطاً وخرابيش قبل أن يقول كلماتِه الأولى. استلهم من كل شيء من حوله: امرأة تشتكي أو تزغرد، فرقة موسيقية تعزَف، طبشور على الجدار، رسمٌ غير مكتمل لطفل، قطعة قماش تعود لامرأةٍ تقطع الطريق ورجلٍ يسير بخجَل، جلابيّة الرجل مزيّنة بالكامل أو على الأكمام. ذكريات عالقة منذ قدّم السيرك الروسيّ عروضاً لا تُنسى في الحديقة العامّة مع السكّان المحلّيّين. يأتي كلّ ذلك وغيرُه بينما يقف المرّ أمام قماشٍ أبيضَ ممدودٍ على إطارّ خشبيّ.
يمكن العثور على أعمال المرّ في مجموعاتٍ عامّةٍ وخاصّة في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا وأميركا الشماليّة، بما في ذلك متحف الفنّ الأفريقيّ المعاصر (MACAAL) ومتحف الشارقة للفنون ومؤسّسة الشارقة للفنون(SAF). كما عرضتْ لوحاته في مصر والإمارات العربيّة المتّحدة والسودان وسورية والأردن وفرنسا وواشنطن العاصمة وأوغندا وكينيا من بين مواقع أخرى. شاركتْ أعماله في معرض جماعيٍّ في المتحف الوطنيّ البريطانيّ في لندن، وهو شرفٌ نادر لفنّانٍ معاصر من السودان. تحدّثت مع صلاح عبر تطبيق «المسنجر» الإلكتروني في ربيع ٢٠١٩ وسألتُه عن مسيرته الفنيّة وعن السودان والوجوه الغامضة.
كيف بدأت بالرسم والأعمال السينمائيّة، كيف اكتشفتَ كل زوايا الفنّ الذي تمارسه؟
سأبدأ بالحديث عن الرسم لأنّه أصل الممارسات الأخرى. نشأت في قرية صغيرةٍ جنوب الخرطوم، وكانت عائلتي تعمل في صيد السمك وفي الزراعة. نشأت على نسيج الشباك التي كانوا يستعملونها للصيد. ففتّحت عيوني على الأعمال الحرفيّة. أمي كانت تشتغل في التطريز، وابي كان مهندساً فكان يرسم كل الوقت، يرسم العمارات والبيوت. هذا كلّه أثّر فيّ بشكلٍ بصريّ، فكان من الطبيعيّ أن أختار المجال البصريّ. كلّ ما حواليّ كان يثير انتباهي البصريّ بشكلٍ خاصّ. بعد ذلك المؤثّر الأكبر كان السودان. السودان بلدٌ واسع ومتعدّد الإثنيّات. يوجد في السودان حوالي ستمئة مجموعة تتحدّث أكثر من أربعمئة لغة ولهجة مختلفة. كنتُ محاطاً بثقافاتٍ مختلفة جدّاً، من الموسيقى، إلى الملامح البصريّة. ملامح الناس والوجوه كانت دائماً تثير انتباهي لأنّ الملامح كانتْ غنيّة جدّاً ومختلفة عن أماكن أخرى في العالم. كنتُ أنتبه لكلّ هذه التفاصيل والصوَر بشكل دائم. لذلك اخترتُ دراسة الفنون مع أنّه لم يكن اختياراً سهلاً لأنّ دراسة الفنون لا تعتبر مهمّةً في عالمنا. لكنّ والدي كان مهندساً فكان القرار أسهلَ بالنسبة لي. كنت حريصاً على المشاهد التي أراها وأنا صغير وتنبّهتُ إلى أنّها موجودة في كلّ تفاصيل أعمالي.
كيف قرّرت الانتقال من الرسم إلى مجال صناعة الأفلام؟
كنت أبحث في البصريّات ووجدتُ أنّ بعض الأمور في السودان يجب أن تسجَّل بطريقةٍ أخرى، متل الأفلام الوثائقيّة. حرصت على هذه الفكرة وبدأت أتعلّم بعض التقنيّات كالتصوير والمونتاج. بعدما أنتجتُ أوّل فيلمٍ وثائقيٍّ عن شمال السودان، انتبهت أنّ لديّ موهبةَ العمل في السينما. كان عندي أفكارٌ كثيرة لأفلامٍ وثائقيّة، لكنْ كنت أفكّر فيها من منطق الدراما، فأنتجتُ أفلاماً مثل «عصفور الجنّة» و«دموع التماسيح». أنتجتُ حوالي الثمانية أفلام. بعض الأفلام التي أنتجتُها نالتْ جوائز. لكنّني عملتُ بالأفلام لفترةٍ قصيرة لأنّني أصلاً رسّام والرسم حرْفتي. بعد إنتاج الأفلام رجعت للرّسم، لكنّ هذه الفترة كانت مفيدة.
هل تعتقد أنّها كانتْ مفيدةً لأنّها فتحتْ لك مجالاتٍ أو لأنّها منحتْك نظرة مختلفة إلى الرسم؟
الأفلام فيها حركةٌ والرسم هو بطبيعته ثابت. الأفلام سمحتْ لي بأن أفكّر بالتقنيّات الخاصّة بالرسم.
عندما رأيت اللوحات التي انتجْتَها انتبهت إلى الوجوه. الوجوه لها ملامحُ خاصّة باسلوبك الخاصّ ويوجد نوعٌ من اللغز فيها. هل يمكنك أن تحدّثنا قليلاً عن الوجوه والوحي وراءها.
أثناء دراستي اليوميّة، لأنّني أمارس الرسم يوميّاً، أخصّص وقتاً طويلاً لدراسة رسم الوجوه. أظنّ أنّ رسم الوجوه هو من أكثر الأشياء التي تُظهر طباع الانسان. من الوجه يمكننا أن نفهم باقي تفاصيل الانسان. لكنّ هذا جزءٌ من اللوحة ويعبّر عن تفاصيل الشخص المرسوم في اللوحة.
الوجوه لها أهمّيّة كبيرة في لوحاتك خصوصاً أنّ الخلفيّة ليست دائماً مهمّة أو فيها تفاصيل كثيرة. هل يستطيع الناظر أن يعلم أين رسمت اللوحة.
في السودان وجوهٌ كثيرة لأنّ السودان بلد مختلط الإثنيّات والعرقيّات. السودان ليس بلداً عربيّاً بالكامل ولا بلداً أفريقيّاً بالكامل. هو بلد مكوَّن من الإثنين. بالتالي الناس في السودان يتدرّجون في ملامحهم من الأفريقيّة إلى العربيّة. وأظنّ أن اللغز يأتي من هذا الاختلاط.
كيف تقوم بالبحث والرسومات اليوميّة، وكيف تفكّر وترسم وجوهاً جديدة؟
أنا ملتزمٌ بالرسم وأعتبر أنّه عمل جدّيّ، وليس عملاً له علاقةٌ بالمزاج أو بالإلهام. أنا أتواجد يوميّاً في المرسم من الساعة الثمانية والنّصف صباحاً إلى الساعة الرابعة عصراً. حتى لو لم أرسم يجب أن أقرأ أو أطالع كتباً مصوّرة من أجل أن أمرّن عقلي البصريّ. لكنْ في جميع الأوقات أنا أنتبه إلى الناس، وأركّز على تفاصيلهم وملابسهم أينما كنت. كلّ يوم أكتشف تفاصيل وملامح جديدة، في الناس وفي الحيوانات، في الحركات والانفعالات التي أتعرض لها يوميّاً. أنا حريصٌ على إظهار هذه الملاحظات في الأعمال اليوميّة والتمارين التي أمارسها يوميّاً.
لو لم تولد في السودان، ولم تعش في مصر، هل تظن أن ذلك كان غيّر رسوماتك؟
أتيت إلى مصر وكنت راشداً ووصلت إليها مشبعاً من عبق السودان. وجودي في مصر سهّل علي الكثير من الأمور، ومنحني حرّيّةً في التنقّل والرسم بطريقة أسهل. حتى المطربون والممثّلون يأتون إلى هنا لأنّ الحركة الفنّيّة أفضل. قبل مصر عشت في كينيا، وهذا أثّر فيّ كثيراً، فأنا متيّمٌ بأفريقيا. الإحساس الأفريقيّ عندي كبير جداً وأنا فخور بهذا.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.