٢٢ كانون الثاني ٢٠٢٠
مئة يومٍ مرّتْ على انطلاق الانتفاضة الوطنيّة والشعبيّة التي تستهدف تغيير قواعد إنتاج السلطة في لبنان وإجراء التغيير المطلوب في بنية النظام السياسيّ الطائفيّ، عبر حكومةٍ وطنيّة انتقاليّة، ذات صلاحيّاتٍ استثنائيّةٍ ومن خارج المنظومة السياسيّة الحاكمة، تتولّى إقرارَ قانون انتخابات نسبيٍّ خارج القيد الطائفيّ واستقلاليّة القضاء واسترجاع المال العامّ المنهوب وتحميل التحالف السلطويّ–الماليّ تَبعات الأزمة الاقتصاديّة والماليّة التي وصلتْ إليها البلاد.
إنّ المنظومةَ الحاكمةَ تعود بعد مئة يومٍ من القمع والاعتقال والاعتداء على المنتفضين، وبشكلٍ استفزازيٍّ وتحت غطاء حكومة "تكنوقراط ومستقلّين"، إلى استخدام الآليّات عينِها في تشكيل الحكومات السابقة، من حيث اعتماد المحاصصة وغياب البرنامج وتسمية الوزراء الجدد وبتمثيلٍ وازنٍ لأصحاب المصارف والرأسمال، وتوزيع الحقائب، وتدوير الزوايا بزيادة عدد الوزراء، فأتت بالوكيل بدلًا من الأصيل.
إنّ المنظومةَ الحاكمةَ بتشكيلها حكومةً كهذه، تتحمّل مسؤوليّةً سياسيّةً عن ذلك بكونها ضربتْ عرضَ الحائط بمطالب الانتفاضة، فعمّقت الأزمة بموقف الاستهتار بمخاطرها، وكذلك أيضًا فإنّ استقالة المعارضة السلطويّة ومحاولتها استغلال الانتفاضة لتحقيق مكاسبَ فئويّة ضيّقة تنفيذًا لأجنداتٍ خاصّةٍ أو خارجيّة، لن تعفيَ هذه المعارضةَ من تحمّل المسؤوليّة الأساسيّة عن الأزمة.
إنّ هذا المشهدَ السياسيّ يؤكّد من جديدٍ أنّ الأزمة التي يعيشها البلد هي أزمة نظامه السياسيّ الطائفيّ ونهْجه الاقتصاديّ قبل أن تكون أزمةً حكوميّة، وتَعامي المنظومة الحاكمة عن هذا الأمر أكبرُ دليلٍ على ذلك بأنّ لا نيّةَ ولا مصلحةَ لديها بتغيير أيٍّ من السياسات والسلوكيّات التي أدّت إلى تفاقم الأوضاع، محذّرين من عواقب التمادي في سياسات القمع والترهيب والتخويف بحقّ المنتفضين، لأنّ الآلافَ المؤلّفة التي نزلت إلى الشوارع والساحات لن تخرج منها قبل تحقيق مطالبها المحقّة.
إنّ مفتاح الخروج من الأزمة الحاليّة لن يكون إلّا من خارج تلك السلطة ومنظومتها الحاكمة، وبالتالي فإنّ التغييرَ في بنية النظام السياسيّ أصبح مطلبًا آنيًّا. وعليه، فلا ثقةَ بهذه المنظومة، ولا ثقةَ بحكومة المحاصصة الطائفيّة والسلطويّة، ولا بدّ من الاستمرار في الانتفاضة الشعبيّة وتجذيرها في معركةٍ طويلة النفَس ضمن برنامجٍ يحمل رؤيةً سياسيّة واضحة، من شأنها تحقيقُ التغيير الجذريّ والانتقالُ بلبنان من الدولة الطائفيّة والمذهبيّة إلى الدولة العلمانيّة الديمقراطيّة.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.