٦ آذار/مارس ٢٠٢٠
نهشت القوى الطائفيّة لحمَ المصارف المحليّة بعدما أغرتْها بزواجٍ مديدٍ ووفّرتْ لها "المطارف والحشايا" عبر مسلسل سندات الدَّين العامّ وفوائدها الخياليّة، كما لم يفعل أعتى ملوك العرب وأسخاهم. كذلك تولّت هذه السلطة بشكلٍ منهجيٍّ ومستدامٍ توسيط مصرفها المركزيّ في عمليّة النهب هذه، وهو المؤتمَن في الدستور والقوانين على مراقبة عمل المصارف وحماية سلامة أموال المودعين وتأمين استقرار سعر صرف العملة الوطنيّة.
ولخشيةٍ في نفسها من مآل هذا الزواج المصلحيّ، لجأت المصارف بشكلٍ حثيث ومنظّمٍ إلى وضع يدها على أموال المودعين، فيما كانت تُراكم عامًا بعد عام الأرباح السهلةَ والمكافآتِ والمخصّصات الفاحشة، وتحوّل النصيب الأكبر منها بانتظامٍ إلى خارج الديار. وها هي المصارف تكمل اليوم "دورة العنف" ضدّ المودعين، عبر قرارها الأحاديّ بوقف تحويل الأمول إلى الخارج وبوضع سقوفٍ استنسابيّةٍ ومتناقصة على السحوبات المصرفيّة.
وببساطةٍ لا تضاهيها بساطة، تمكّنت النواة الضيّقة، التي تجمع كبار القيّمين على الدولة الطائفيّة العميقة وكبار المصرفيّين، من نهب وتبديد ودائع وادّخارات المواطنين الذين أمضَوا شقاء العمر في جمعها، في أكبر وأسرع عمليّة نهبٍ منظّم قلّما شهد التاريخ مثلها. وها هم المواطنون الذين أُذِلّوا ووقفوا في طوابير أمام المصارف طلبًا للنزر اليسير اليسير من ودائعهم، لا يلوون على شيء من هذه الودائع إلّا في شكل أوراق وحساباتٍ دفتريّة محفوظة في خزائن المصارف أو على شبكات أنظمتها الإلكترونيّة.
وفيما تدور الدائرة على منوالها ويدور معها الطاقم الحاكم ووزراؤه الجدد من دون بصيرةٍ أو تبصّر مفتقرين إلى أيّ رؤية أو خطّة مستقبليّة فعليّة، يرزح عموم الناس الآن أمام الآتي الأعظم: جاء إجراء المدّعي العام المالي بمنع التصرّف بمزيدٍ من التدهور في سعر صرف العملة الوطنيّة، مزيدٍ من الغلاء وارتفاع الأسعار، مزيدٍ من التراجع في القوّة الشرائيّة للأجور والمداخيل ومعاشات التقاعد، مزيدٍ من البطالة وخفض ساعات العمل، مزيدٍ من الهجرات ذات الطابع شبه القسريّ، مزيدٍ من الأخطار المحدقة بأنظمة التموين والصحّة والتعليم والحماية الاجتماعيّة... مع ما يستتبعه هذا كلّه من تفاقمٍ غير مسبوقٍ في حجم ظاهرة الفقر والجوع التي باتتْ تهدّد بتعميم الفوضى في طول البلد وعرضه.
أمام هذه المخاطر الوجوديّة، نتوجّه إلى شعبنا بالنداء التالي: إنّ أقصر الطرق لاختصار جلجلة الآلام يكمن في تصعيد الانتفاضة الشعبيّة وتصليب عُودها وتنظيم صفوفها في معركةٍ سوف تكون لا محالةَ طويلةً ومعقّدة، وصولًا إلى فرض انتقالٍ سلميٍّ للسلطة يحرّر البلد والشعب من المنظومة السياسيّة ونظامها الطائفيّ، التي قامت على مدى عقود بتقويض أسس استقرار عيشهم اليومي وبإيصالهم إلى الانهيار.
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.