العدد ٢٦ - ٢٠٢٠

تكتيكات دفاعية لا هجومية

١

الطبقات الشعبيّة هي اليوم في موقع الدفاع عن النفس بإزاء الهجمة الأوليغارشيّة، القاسية عليها لتدفيعها تكلفة الكارثة الاقتصاديّة التي تسبّبت بها إمّا هذه الأوليغارشيّة وإمّا عجز هذه الأوليغارشيّة أمام حزب الله، الذي، وإن كان له موطئ قدَم داخل هذه الأوليغارشيّة، لكنّه خارجها إلى حدٍّ كبير، والذي وإن كان خارجَها فهو الحارس عليها بمعنيَي الحراسة المتقلّبَين: حاميها وحابسها. خصمها والحكم. مثلما أنّ قانون "تفاوت التطوّر" ينطبق أيضًا على تفاوت علاقة كل حزبيّةٍ أوليغا-شعبيّة بناسها والضغط الاجتماعي الذي يمارسونه بوتائر مختلفة.

 

٢

كل وهْمٍ يريد نقل الطبقات الشعبيّة من تكتيكات دفاعيّة إلى تكتيكات هجوميّة في الظروف الحاليّة لا يعود لها بالنفع. يعني، لا يمكن للطبقات الشعبيّة أن تطرح على نفسها اليومَ نَقلَ السلطة السياسيّة إليها، قبل أن تنبثق من رحم الطبقات الشعبيّة أشكالُ تنظيمها البديل، وسلطتها البديلة، نفسها، وليست شغلة هذه الطبقات إبدال تكنوقراطيٍّ بآخَر. وينبغي الاعتراف بأنّ الأشهر الماضية لا تبعث كثيرًا على التفاؤل فيما خصّ تطوير أشكالٍ من الديمقراطيّة المباشرة الشعبيّة. بل إنّ الحوافز التي شكّلها الطابعُ اللامركزيّ للانتفاضة لم تستثمَر على هذا الصعيد، إذ بقيَت التصوّرات المركزويّة مسيطِرةً على مناخ الانتفاضة.

 

٣

التكتيكات الدفاعيّة تعني أيضًا أنّه من موقع الخطّ الشعبيّ التحرّري في الانتفاضة، خطّ الطبقات الشعبيّة فيها، فإنّ الخروج من ربقة الاستعباد بالمديونيّة أساسيّ، شرط أن يرتبطَ بمنظار إعادة توزيع الثروة، ابتداءً من رفض تدفيع الطبقات الشعبيّة اليومَ، أي العدد الأكبر من سكّان البلاد - وليستْ مجرّد هوامش مهمّشين -، فواتير الكارثة الاقتصاديّة والاجتماعيّة.

بالتوازي، يتطلّب هذا تطويرَ آليّات التخفيف الضريبيّ عن كاهل الطبقات الشعبيّة، والدفاع عن الحقّ بالعمل، والحقّ بأجر العمل، والحقّ بالمدَّخَر من أجور العمل.

 

٤

وكل هذا كان الغائبَ الأكبر في خطاب حسان دياب البارحة رغم أنّ الخطاب نفسَه لحظةُ انعطافٍ في مألوف الخطابات الحكوميّة، لحظةٌ ما كان لها أن تحصل إلّا بتقاطع الانتفاضة والانهيار. من جهةٍ، لم يعد للدولة الكثير لتسدّده، ومن جهةٍ ثانيةٍ لم يعدْ من الممكن للدولة بعد هذا المناخ، الانتفاضة، أن تدفع للدائنين من دون أخذ الطبقات الشعبيّة وقَومتها بالمنظار.

وفي آخر الأمر وأوّله مساران لا واحد: تحرّر الدولة من المديونيّة العامة، وتحرّر الناس من الديون الخاصّة للمصارف. طبعًا، كلمة تحرّر جذريّة لكنّها أيضًا واسعة، وتحتمل الكثير من التدرّج، شرط الخَطْو باتّجاهٍ جِدّي ممنهَجٍ في هذا المجال.

العدد ٢٦ - ٢٠٢٠

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.