حَدَثَ في ربيع ١٩٦٨...
بعد ٤٥ عاماً على «انتفاضة الأهوار المسلحة في جنوب العراق»، يوشك كتاب «٤٥ عاماً وما يزال القتال مستمراً» على الصدور. الكتاب يأتي بعد تغيرات هائلة حصلت عالمياً وعراقياً وعربياً. كذلك طرأت تبدلات مذهلة في المجال النظري، وفي كل مجالات الحياة. لم يعد الكاتب وهو مشارك في الانتفاضة خاضعاً لهيمنة الحدث، والتناول الاستعادي لم يعد محكوماً باللحظة، وقطعاً ليس بسطوة أحكامها. جاء الحدث عند مفصل عالمي، نمّ عن تغيرات تاريخية عالمية فاصلة. ففترة أواسط الستينيات، كانت علامة ذكرت كأنما بما يشبه زمن «كومونة باريس» بالمقلوب. هنا كان صعود الاشتراكية وحلمها يذوي، وكان الصعود الأخير المذبوح يتحول إلى «ربيع» عالمي، من فرنسا وانتفاضتها في أيار1968 (حصلت انتفاضة الأهوار بالمناسبة في 28 أيار)، إلى حركات الشباب، إلى ربيع براغ، وقبلها، حركات الثورة وتيار الكفاح المسلح، وجيفارا في أميركا اللاتينية. الملاحظ أن ذلك الربيع تردد عبر قارتين فقط، هما أوروبا وأميركا اللاتينية، وإن العراق كان المكان الوحيد خارج هذا المدار القاري، حاضراً ومشاركاً. فانتفاضة الأهوار١٩٦٧\ ١٩٦٨ كانت الاستثناء في آسيا وأفريقيا وأمريكا الشمالية وأوستراليا، إذا خرجنا من نمط حركات «التحرر الوطني»، وهو ما لا يقتصر فقط على الانتفاضة المسلحة، بل على كل الواقع السياسي العراقي، حيث عمّت وقتها فترة من النهوض، وعرفت البلاد انشقاقات نَحَتْ كلها يساراً، شملت أغلب القوى الوطنية، بما فيها البعث والحركة القومية، بحيث ظهرت ملامح جبهة وطنية جديدة، بدأت تتشكل عملياً، مذكرة بجبهة الاتحاد الوطني، التي كانت في خلفية ثورة 14 تموز 1958.
يحكي الكتاب قصة نهاية ومعنى على المستوى التاريخي، لحدث هو من نوع أحداث الإشارة إلى البعيد، وهو يقول إن الانتفاضة كانت من زمن آخر، وإنها كانت مهيّأة للذبح لا للانتصار، مثلها مثل انتفاضة جيفارا وانتفاضة أيار 68 في فرنسا، وإنها علامة فارقة. فقد سبب النهوض العراقي انقلاباً عسكرياً استباقياً، قلب الواقع العراقي، وأخذ به للخراب والاحتلال الأجنبي، ولانهيار الدولة الحديثة بعد 82 عاماً على قيامها على يد الاحتلال الأمريكي، وهو ما يمثل مسيرة خراب لفصل تاريخي، هو تاريخ الحداثة السياسية العراقية، على صعيدي الدولة والحركة الوطنية. الغريب في كل هذا، أن يكون «الحزب الشيوعي العراقي» قد اصطف مع جوقة مؤيدي الاحتلال، وتصرف كصديق لبريمر، الحاكم الأمريكي.
تتعدد وتتباين وجهات النظر بخصوص هذا الحدث، فالذين تناولوه أدبياً، مثل الروائي السوري حيدر حيدر (برواية من كاتب الكتاب الذي نتحدث عنه هنا) اتخذوا وجهة وتصوراً يترسم مسارات الثورة والانتكاس في العالم العربي، فقارن حالتي الثورة الجزائرية والانتفاضة العراقية ومآلاتهما، والرواية المذكورة هي من أشهر الروايات العربية، ثارت حولها ضجة في مصر لأسباب جانبية، جعلت من «وليمة لأعشاب البحر» تطبع نحو عشرين طبعة، أما رواية أحمد خلف العراقي «الحلم العظيم»، فقد نفدت بعد توزيعها مباشرة، لكنها ظلت ضمن الدائرة العراقية، وركزت على الإعدادات وأجواء ما قبل الانتفاضة في بغداد، فيما عالج «طارق علي» الباكستاني الإنكليزي، رئيس تحرير مجلة «اليسار الجديد»، الموضوع بعد الاحتلال الأمريكي في كتابه «بوش في بابل» بالإنكليزية، وأيضاً عبر كاتب هذا الكتاب. فضلاً عن ذلك، هنالك تناولات لا تستحق الذكر، وتقارير حزبية جافة، وانحيازية غير مدقق فيها، أما الرأي الشائع عن هذا الحدث، فيراوح حسب القناعة والانتماء.
بالنسبة إلى هذا الفصل الذي يعرض للأشخاص والصفات، من الضروري ملاحظة خاصية إزالة «الأسطرة» من الحدث، بتناول شخصياته الملحمية، باعتبارها شخصيات حدث مكتوب عليه الذبح، له ما بعده، وهو شوط ربما كان من أسوأ ما عرفه العراق، وبما أن الكتاب يصدر اليوم والعراق يغوص في الكارثة، ويتهيأ لعبور مرحلة طويلة من تاريخه الوطني، بعد انتهاء دور ومكانة أفكار، هيمنت على حياة العراقيين طوال القرن الماضي، فإن بعث الشخصيات التي يحتويها الفصل، قد توخى مثل التحليل النظري المرافق للكتاب، نكهة الإحياء والإعادة حسب أحكام التجربة، ومسيرة التاريخ الفاصل بين الحدث، والحال الحاضر. بناءً عليه، إن هذا النمط من التذكر والاستعادة، إذا هو لم يعجب البعض، فذلك لأنهم يقفون عند مفهوم ورغبات، لم تعد، ولا كانت حية في يوم من الأيام.
من دون كل هذه التقصدات الداخلة على الحدث، لن يبقى له أي معنى، وتنتفي الحاجة لاستحضاره؛ فقد كان التحدي مركزاً في وجهتين: فإما إحضار الانتفاضة في الراهن، أو إبقاؤها محبوسة في أدراج التاريخ المعتمة والمجللة بالخرافة.
شخصيات من زمن آخر
هكذا تكون انتفاضة الأهوار، قد وقعت ضمن أكبر المنعطفات التاريخية في عموم تاريخ العراق، منذ وجوده مع بداية الحضارة، وهي بهذا المعنى المؤشر الأكبر، على وقوع الانعطاف ونضج أسبابه. فلم يكن أولئك الذين انتسبوا إلى تلك التجربة، أبناء أيٍّ من سياقات ما قبل تلك اللحظة، إلاّ أنهم أيضاً، ما كانوا يملكون ما هو لازم لهم، كي يصبحوا مؤهلين لقول كلمتهم التي تنتمي إلى مفهومهم هم، من دون وطأة الماضي من جهة، وغياب المستقبل الذي سيظل طيّ المجهول لعقود بعد ذلك التاريخ. لقد كان العراق يعبُر من مجتمع تحكمه قوانين ثابتة زراعية، لها فرادة استثنائية، إلى مجتمع تتراجع، وتكاد تختفي منه، أهم عناصر كينونته؛ فتضاؤل دور الزراعة، واختفاء مفعولها المطرد، هو ما قد مثله نظام صدام حسين، الذي كاد ينجح، من دون كل ممثلي الدول القاهرة في تاريخ العراق، في كسر القاعدة، وإلغاء الازدواج بين المستويين التاريخيين العراقيين، الأعلى المنفصل عن المجتمع، والأسفل المشاعي التكويني.
بين خالد أحمد زكي وأمين الخيّون
وفي هذا السياق الفريد وغير المسبوق، عاشت الوطنية العراقية عقود تمزّق وفقدان للرأس، وللرؤية معاً. فالفترة مدار البحث، هي فترة وجود وحياة، من دون قيادة فاعلة ولا أفكار. والمجتمعات على عكس المتداول، لا تكون دائماً في حالة اكتمال على هذا الصعيد، وكثيراً ما تمر على البشر وجموعهم فترات من السكون، أو حتى من التحركات والثورات، من دون أن تتمتع حتماً بالقيادة الضرورية، وليس غريباً أن يكون هنالك نصف، أو ربع قيادات، أو حتى أقل من ذلك أهلية، أو تظل من دون قيادات بالمرة، وهذا ينطبق على الثورات، أو الانتفاضات المنتكسة، التي تعود مرّات إلى تكرار تجربتها، في ظروف أُخرى، بينما تحاول سدّ النقص وتداركه. أما الأقسى بين تلك الحالات، فهو ما تمر به شعوب طامحة، تشعر بأنها عارية من أي غطاء، وقد تهدمت قلعتها، ولا أمل لها في بنائها، ولا تعرف أصلاً كيف تفعل ذلك. هذا بينما كان العراق وقتها يدشن مع ذاته التاريخية مغامرة انتقال دهري، وصعود في مسار الحياة والحضارة الإنسانية، وهو يتقارب على الصعيد العالمي، مع الانتقال من طور الإنتاج العضلي، إلى العقلي، ومن التطور والنشوء البيولوجي، إلى فعل العقل الحاسم، واتجاهات التحول الإنساني المنتظرة.
فترة أواسط السـتينيات، كانت علامة ذكرت كأنما بما يشبه زمن «كومونة باريس» بالمقلوب. هنا كان صعود الاشتراكية وحلمها يذوي، وكان الصعود الأخير المذبـوح يتحول إلى «ربيع» عالمـي، من فرنسا وانتفاضتها في أيـار1968 إلى حركات الشباب، إلى ربيع بـراغ، وقبلها، حركات الثورة وتيار الكفاح المســلح، وجيفارا في أميركا اللاتينيــة
تلك الفترة من الانقطاع والفراغ، لم تخلُ من محاولات متفرقة، بعضها كان ينتسب إلى الماضي وحسبه منصب ومركز على الراهن، والبعض الآخر كان يستقيم مع حالة التبديد التي طغت على المشهد، بينما ظروف الاستثناء تترسخ، وتخلق نجومها. وبالمقابل، كانت هنالك أمثلة متفرقة ومبعثرة وبلا مقومات تفضي بها إلى الكمال. وفي العموم، لم يخلُ الأمر من وجود قتلى وضحايا إصرار بلا أفق، ومحاولات عقيمة لا تفضي إلى نتيجة، وتراكمات من الخسارة. بينما كان البطل يتحول إلى أُمثولة من نوع آخر؛ فالانتفاضة المسلحة التي قامت في الأهوار وقتها، استمرت هي بذاتها موضعاً للإيحاء، بغض النظر عن الرمزية الفردية التي قد تنجم عنها؛ فالفرد الذي ينمو مع الأيام والوقائع، انتهى مع نهاية الحدث، وتحول إلى ذكرى مستحيلة التكرار، والأشخاص صاروا حاضرين، ملحقين بالحدث، كما هو حال خالد أحمد زكي الذي لم يحضر، ولا استحضر بصفاته أو ملكاته الشخصية، أو منجزه وحقيقة وحدود ما فعله. هذا بينما وضع في الظل اسم شخص أدى الدور الأهم في كل تجربة الكفاح المسلح، وتميز بروح تطابق اللحظة التي مارس نضاله خلالها، وكان متميزاً وقيادياً، هو أمين الخيون، الذي يبدو من بعيد ومن خلال الموشور التقليدي، مشاكساً وقرمطياً، غريب الأطوار، في عالم يظنه البعض جديداً، ومبتكراً، سواء لجهة التكوين التشاركي، أو على صعيد الوسائل، ومنها مسألة حمل السلاح. فأمين الخيون هو حقاً الممثل الفعلي للتيار العراقي، ضمن ظاهرة الاتجاه إلى العمل المسلح، وتصوراته ومحاولاته بهذا الخصوص تعود إلى أوقات مبكرة، ترجع إلى ما قبل تأثيرات أمريكا اللاتينية وجيفارا. فأمين كان من المشاركين في المقاومة التي جوبه بها انقلاب 1963 البعثي في الكاظمية في بغداد، حين قام مع رفاقه باحتلال مركز الشرطة هناك، واستولوا على أسلحته وجابهوا الحرس القومي ودبابات الانقلاب.
مِن غسل عار العشيرة إلى الحزب الشيوعي
وكان هنالك أيضاً «أبو جعفر» المناقبي، والشخصية المتفانية من دون حساب، أو نوري كمال العاطفي، أو الملازم فاضل عباس. ومن بين هؤلاء لم يشارك الأول والثاني في العمل المسلح بأي درجة، إلا أنهما كانا حاضرين في التمهيدات التنظيمية والسياسية، وأديا دوراً في التوجيه، باعتبارهما عضوين في قيادة تيار «فريق من كوادر الحزب»، فيما كان الملازم فاضل عباس، قد شارك في القاعدة الأولى مع أمين الخيون، المشرف على التدريب على الأسلحة. وهو بالمناسبة من الهاربين من سجن الحِلّة.
ويجب في هذه المناسبة، وبصورة خاصة، رواية سيرة «موسى عطية» أو الزاير حسين الأسطورية فعلًا، وهو شخص دخل السجن في الخمسينات، بعد ان نفّذ مهمة غسل للعار بحق قريبة له، تنفيذاً لتكليف من العشيرة، ليذهب إلى نقرة السلمان، ويتحول بعد احتكاكه بالسجناء الشيوعيين إلى شيوعي، ويتعلم القراءة والكتابة، ويخرج في 1958 بعد الثورة ليصبح وكيل جريدة «اتحاد الشعب» في البصرة، قبل أن يقرر قائد الفرقة الأولى السيد حميد السيد حسين، منع وصول جريدة الشيوعيين إلى الألوية الوسطى والجنوبية، فقرر الحزب تعليم أبو صبري التصوير الشمسي، ليستبدل بمهنته الأولى مهنة التصوير، إلى أن وقع انقلاب 1963 فهرب إلى إيران مع الشاعر مظفر النواب وآخرين، حيث أُلقى القبض عليه السافاك الإيراني، وسلّم للحكومة العراقية، فظل مصرّاً في التحقيق على أن اسمه هو «الزاير حسين»، وأنه أُلقي عليه القبض خطأً، حتى أُطلق سراحه، وعاد للعمل في الحزب، وسكن مدينة الُشعلة في أطراف بغداد يزاول التصوير من جديد، إلى أن بدأت التحركات المعترضة داخل الحزب، فمال إلى جانب مجموعة «فريق من الكادر اللينيني»، الذي مهد له طريق الذهاب للأهوار، ليصبح دليلًا هناك، باعتباره من أبناء المنطقة ونشأ فيها، وهو الشخص الوحيد الذي أراد بعد نهاية التجربة الأولى أن يعود إلى الأهوار ويحيي التجربة. فرجع مجدداً إلى «بركة أبو غريب»، تحت توجيه نفس الشخص المريب، المضطلع بمهمة التصفية بالمقلوب، كما يصفه أمين الخيون. وكما هو متوقع والحالة هذه، ولأن هذا الشخص جلاب كوارث، لم تسلم بيده أية مهمة، أو تحقق أية نتيجه تذكر، أدمن تخريب كل ما مسّه، ومرّ من بين يديه الكريمتين - ومع افتراض أحسن النيات - فقد كان لا بد لموسى عطية أن يُقتَل قرب السويعديين.
الذين استبسلوا والذين تقاعسوا
كذلك ينبغي عدم نسيان رجل مثل حسين محمد حسن السويعدي، المقاتل ضابط الصف، الذي شارك في عام 1963 في انتفاضة الرشيد مع حسن سريع، وهرب ولم يقبض عليه وقتها على «موتورسيكل» عسكري، وظل في الأهوار متخفيّاً، إلى أن التقينا به خلال فترة التحضير الأُولى في هور العمارة، في «بركة أبو غريب». وأيضاً يجب تذكر شخصيات التفّت حول القاعدة الأخيرة في الدواية من أهالي المنطقة وعايشتها، مثل محيسن نايف، الذي يرتبط بغض النظر عن أية اعتبارات، بانتفاضة فلاحي الغموكة، وهو أيضاً ومن معه كانوا أصدقاء روبن هود، ومرافقي التوثّب الأول في ذلك المكان الحي النابض، وآخر مواضع الانتفاض في تاريخ العراق، بعد الحكم الحديث، أو الدولة الملكية بعد الاحتلال البريطاني.
هنالك أيضاً عبد الجبار علي الجبر، الذي فقد كفه وهو يعيد قنبلة يدوية، وقعت وسطنا في المعركة الأخيرة ونحن في مخبئنا البسيط، شبه المفتوح وغير الاحترافي، ولولاه لكنا قد أصِبنا بغالبيتنا، وقتِل البعض منّا في وقت مبكر. كذلك يجب أن لا يُنسى علي حسن بويجي، ذلك الشاب اللاهي الضحوك، الذي يسكن مدينة الثورة، وتوفي في ظروف غامضة بعد أن مرض لاحقاً إثر خروجه من السجن. وهنالك شخص آخر لا يحضرني اسمه، من بغداد، كردي فيلي، من محلة الدوريين، قضى فترة في سورية، وانتمى إلى تنظيم «الجيش الشعبي» هناك. وممن استشهدوا بالإضافة إلى خالد أحمد زكي، شخص اسمه شلش، كان عسكرياً متقاعداً برتبه ضابط صف، قاتل ببسالة ورضى مذهلَين، كأنه يتنزه، وهو متصالح مع قدره. أيضاً كان السيد درعان الذي استشهد في المعركة الأخيرة، وكان مصاباً قبلها، إذ أطلقت عليه النار خطاً، من قبل حسين ياسين الذي فقد أعصابه مع أول مجابهة، وراح يتصرف بذعر. هنالك شخص آخر اسمه عبود خلاطي، لا يستحق الكثير من التناول، أصيب هو الآخر بالذعر خلال المعركة الأولى، ولم يشارك في المعركة الأخيرة الفاصلة؛ فهو وحسين ياسين وموسى عطية تركونا في اليوم الثاني من معركتنا مع القوات التي كانت قد نصبت لنا الكمين، وذهب الثلاثة بقرار منا، تخفيفاً للعدد، ولكي يقوموا بما يمكنهم من مساعدة، إذا استطاعوا الوصول إلى التنظيم.
غير أن هؤلاء، ما عدا الشهيد أمين الخيون، هم من التجربة الأخيرة، أي تجربة أهوار الغموكة، وهذا لا يعني كل التجربة التي لم تبدأ أصلاً في هذا المكان، وهذا ما تم غمطه وإغفاله كلياً، بسبب التركيز على التجربة الأخيرة الأكمل، ولأن من كتبوا عنها هم ممن لم يتعرفوا إلى كل مجريات العمل المسلح في الأهوار، ولا يعرفون خلفياته وفتراته المختلفة، من أمثال ذلك الشخص الذي كتب شذرات جانبية عن التجربة، متصوراً أن ما عرفه هو، يعكس التجربة بأبعادها وخلفياتها. ويشمل ذلك أيضاً ما قد صدرعن «القيادة المركزية» بعد عام 1969، أي بعد أن صُفّيت قيادة عزيز الحاج، ليحتل المدعو نجم محله؛ فذلك التقريرعن الحدث استند إلى أقوال كل من الشهيد موسى عطية وحسين ياسين، وربما المدعو عبود خلاطي، واستُكمل من ثم بما قاله البقية من المعتقلين من التجربة الثانية، أي إنه كان يركّز حصراً على التجربة المذكورة. هذا فضلاً عن الموقف من أمين الخيون وتجربته. ويدخل هنا ما هو متعارف عليه من خصائص العمل السياسي الحزبي آنذاك إجمالاً، من ميل إلى إبراز النواحي الخاصة، والقريبة، أو التي ينتمي إليها كاتب الرأي أو التقرير، مع تقصد غمط دور الآخرين، والذين يختلف معهم خصوصاً. والمذكور، أو «نجم» كان على خلاف مع أمين الخيون، ووقع أصلاً تصادم داخل تيار «فريق من كوادر الحزب»، قمت أنا شخصياً فيه بدور فاصل، بتكليف من الاتجاه الذي ملت إليه وقتها، وكنت منه أصلاً، والذي يقف فيه الشهيد خالد أحمد زكي. فذهبت إلى القاعدة الأولى، قرب القرنة، وأعلنت موقفاً مناقضاً لموقف أمين الخيون، انتهى بأن سَحَبتُ مجموعة من الرفاق، ممن ينتمون إلى تيارنا، وعدت وإياهم إلى بغداد، وهذا جانب ينبغي أن يوضح، أو يذكر على الأقل لمزيد من استكمال الصورة. فما كنت قد عكسته في المرة الأولى، وأدليت به لحيدر حيدر في «وليمة لأعشاب البحر»، كان مركّزاً على التجربة الأخيرة هو أيضاً، حتى يتفق مع بعض الاعتبارات الروائية، التي قبلت التعامل معها في حينه.
والحقيقة أنني لم أعد أتذكر الأشخاص الذين أسهموا في التجربة الأولى، أو «القاعدة» التابعة لما أطلق عليه أمين الخيون وقتها اسم «منظمة الكفاح المسلح»، وهي المنظمة التي ظلت قائمة، حتى بعد مجيء البعثيين للحكم عام 1968، وهروب أمين الخيون من السجن (تمكن من الهرب من سجن الموقف العام في باب المعظم بمساعدة من حارس ينتمي إلى الحركة الكردية قبل تصفية «القيادة المركزية» عام 1969). يذكر بالمناسبة أن الموقف العام نفسه، جرت فيه محاولة هروب بحفر نفق تحت الأرض، باتجاه الطريق العام في باب المعظم، إلا أن إدارة المعتقل اكتشفت النفق، وجرى ترحيلنا وقتها إلى سجن بعقوبة، ومن قام بتلك المحاولة، لجنة السجن الحزبية، التابعة لـ«القيادة المركزية». وأتذكر من التجربة الأولى جميل الخيون، أخا أمين، وهو نائب ضابط في القوة الجوية. كذلك كان الملازم فاضل عباس، هناك، وكان أمين الخيون يتردد على القاعدة التي أُقيمت أول الأمر في موضع وسط المسافة الفاصلة، بين القرنة والجبايش. أعتقد أن اسمها «الخرفية». وكان المتطوعون يصلون إلى القرنة عند التقاء النهرين، دجلة والفرات أولاً، وهناك يُستقبَلون ويؤخَذون بالمشاحيف إلى الجباشة التي اتُّخذت مقراً، أو ما كنا نطلق عليه اسم «القاعدة».
لا بد من التعرض لنقطتين في هذا الخصوص: الأُولى تتعلق بالخلاف الذي نشأ بين تيار «فريق من كوادر الحزب» و«وحدة اليسار»، وأدى إلى الانفصال عن أمين الخيون والعودة إلى إقامة «قاعدة» جديدة، والتجربة التي خاضها أمين الخيون قبل تجربة الغموكة، وأسباب فشلها. لقد فقد أمين الخيون بنتيجة تلك التجربة أخاه جميل، الذي اختفى في ظروف غامضة، ولم يعرف عنه اي شيء لحد الآن. ولم يكن لأمين بطبعه وتصوراته، إلا ان يضع نفسه في عزلة، من دون أن يستطيع تعويض هذا النقص بنجاحات في المجال العسكري؛ فالذي عرف عن المواجهة الوحيدة، التي جرت بين مجموعته والقوات الحكومية، أنها لا تدل على حذاقة من الناحية العسكرية، والظاهر أن الوشاية قد أدت دوراً في إيقاع أمين في أيدي رجال الأمن في الناصرية؛ فقد قام شخص، لم يعد يحضرني اسمه، بالاتصال بالحكومة، وتعاون مع أجهزة الأمن، وهو شخص من «الحلة»، جاء في وقت لاحق في حدود عام 1973، إلى مقر جريدة «طريق الشعب» في بداية صدورها، وكنت آنذاك أعمل فيها، في شارع السعدون، والتقى أحد قادة الحزب، ولست أدري ما عرض عليه، لكنه عموماً كان في وضع بائس ورث.
قصة «الرفيق نجم»
يبدو لي أن مشكلة أمين الخيون، نتجت من ميل «نجم» إلى الاندماج بـ «القيادة المركزية»؛ فهذا كان هدفاً واضحاً له، وبما أنه لم يكن مقبولاً، وتحوم حوله الشكوك، فلقد مال إلى استخدام العمل المسلح في الأهوار كأداة ضغط، واستعمل بدهاء وبراعة هذا الجانب. وإذا صحّت الأخبار القائلة بأن علاقة كانت تربطه بعبد الرزاق النايف، وأنه كان جزءاً من خطة التدبير المتعلق بانقلاب 17 تموز عام 1968، فإن تصرفات كثيرة ومواقف تصبح مفسرة. إن مسألة التدبير الاستثنائي، للمتغير الفاصل في تاريخ العراق المعاصر، والذي انتهى بصيغة حكم البعث، وقيادة صدام حسين، تنطوي على فصول غائبة، أوسع بما لا يقاس من تلك التي تبدّت، أو تظهر على السطح. ومسألة الكفاح المسلح وانتفاضة الأهوار، كانت بالفعل المحور الذي حرك وأدى إلى بلورة التدبير الدولي المذكور.
والأهم أن نرى أن هذا التدبير كان قد شمل شبكة واسعة من القوى والشخصيات، وجرى ضمن حساب ودراسة مدققة للتوازنات ومواقع واتجاهات سير مختلف القوى والتيارات. وفي ما خص هذه النقطة بالذات، أو هذا الجانب من جوانب الانتفاضة المسلحة في أهوار العراق، يبدو من بعض الوقائع أن «نجم» بالفعل لم يكن شخصاً لا تحوم حوله الشبهات، أو أن إطلاقها باتجاهه قد جاء من فراغ وبلا أساس. وبالنسبة إلى موضوع اعتقاله اللاحق، وأخذه إلى الديوانية للتحقيق بخصوص علاقته بالعمل المسلح، من الصعب وضعه في خانة الحدث العادي والبريء؛ فهو بعد أن تم التحقيق معه، بكل «أدب واحترام»، أُطلق سراحه في بغداد، وعاد ليمارس عمله في مكتبه الهندسي، وهذا أمر مستغرب جداً في تلك الفترة، وفي وقت احتدم فيه التركيز الأمني على العمل المسلح، وكل من يمتّ له بصلة. وبينما أطلق سراح «الشخصية الوطنية» الكبيرة، من الاعتقال على حسب رأي «القيادة المركزية» في بيانها الصادر حول اعتقاله، كانت قوى الأمن والأجهزة البعثية الحديثة العهد، بقيادة ناظم كزار، تهيئ لتصفية «القيادة المركزية»، فاعتقلت قيادتها، وعلى رأسها عزيز الحاج، زعيم التنظيم المذكور، بينما المناضل بلا نضال، السيد «نجم» في مكتبه الهندسي في قلب بغداد، وظل فترة هناك، مهما قصرت، إلى أن قرر الذهاب لتسلّم مهماته، أو «وظيفته» الجديده في كردستان، كوريث لعزيز الحاج، ومن يومها بدأ فصل جديد من فصول تصفية ما بقي من تنظيم «القيادة المركزية»، الذي لم يبق له أي أثر يذكر اليوم.
لم تتسنَّ لـ «نجم» الفرصة كي يفرض نفسه على «القيادة المركزية» تماماً قبل تصفيتها، ولست متاكداً بالضبط، إذا كان هو قد أصبح وقتها عضواً أصيلاً في «القيادة»، أو مكتبها السياسي، أو لا. ومع أنه كان يقترب بخطوات سريعة من هدفه، إلا أنه ظل يحتاج إلى هيبة مفعول العمل المسلح وقوته، لكن من دون تحمل تبعاته. وحين بدأت العمليات المسلحة، في 28/ 5/ 1968، كان هو قد أصبح قريباً من نوال مقصده. هذا فيما لم يوفّق أمين الخيون، فأصيب بسلسلة من الخيبات والفشل، بالدرجة الأولى على مستوى الكوادر، وفيما عدا الصراف صادق على ما أتذكر، لم يتمكن هو من استقطاب سوى أشخاص متدني الوعي والخبرة. فلم يصبح هؤلاء عنصراً مساعداً، وضرورياً للحد من اندفاعات أمين، ونزعته المغامرة وفرديته. ولأنه كان ميالاً للارتجال، والتعويل على المظاهر الثورية، ولا يحسن التعمق أو السرية والانضباط، فلقد كان متوقعاً له أن لا يوفّق في مهمته. وهنالك جانب آخر ضغط عليه، هو شعوره بالحاجة الماسة للمال، فلقد كان يصرف من دون حساب للمستقبل. وسرعان ما تبدد المبلغ الذي بحوزته، والذي صودر من مديرية التقاعد العامة في الكرخ، على ضخامته وقتها، فاضطر إلى تكرار المغامرة، واختار هذه المرة السرقة، وتقصّد بنكاً في مدينة الناصرية، فقرّر السطو عليه، وهناك على مقربة من البنك، نُصب كمين له، وأُلقي القبض عليه، وأُرسل إلى نقرة السلمان.
خالد أحمد زكي وقوّة الإيمان
على العكس من ذلك، كان «نجم» محاطاً بكوكبة من الكوادر القادرة على القيادة والتنفيذ، وعلى إعفائه من الاضطلاع بالمسؤوليات المباشرة، وتركه حرّاً في مكتبه، يزاول عمله العادي. والأهم من ذلك، أنه كان يحظى بولاء خالد أحمد زكي، وهو شخص صادق ومخلص، كان يعاني من عقدة نقص «الخارج»، فهو كان يعمل لسنوات خارج العراق، وبالذات في لندن. وعُرف هناك بمواقفه المخالفة لسياسات «الحزب الرسمي»، لا بل كان اسماً بارزاً في موجة الاحتجاج على تلك السياسات في أوروبا، وبين الطلبة خصوصاً، ومعجباً بتيارات اليسار الجديد، وتيارات الكفاح المسلح الأمريكية اللاتينية، وأفكار وتجربة جيفارا، وكتابات ريجيس دوبريه.
والحقيقة أنه كان مشبعاً بتجربته تلك، ومعتزاً بها لدرجة الوهم، أو الاقتراب من نزعة الاستشراق. غير أن تكوينه الصادق وتفانيه وإخلاصه، كانت غالبة على سلوكه. ومع محبتي الخاصة لهذا الشخص، وصداقتي العميقة معه، فإنني لم أكن أستطيع منع نفسي، من الشعور بأنه غير منسجم في مكان ما مع المهمات التي يميل إلى إيكالها لنفسه، ويظل مصرّاً على الاضطلاع بها، بدافع قوة مبادئه وإيمانه. فهو على سبيل المثال، لم يكن مؤهلاً جسدياً للعمل الصعب الشاق في الأهوار. والنزعة الأرادوية في هذا المجال، لم تكن مفيدة دائماً وفعالة، بسبب ضخامة الصعوبات، وتعددها، وزيادة وتيرتها المستمرة. وقد ظهر ذلك التناقض بيّناً في حالات عديدة، سوف أتطرق لها في أماكن أخرى، بدا هو خلالها أعجز من أن يمارس مهماته على الوجه الأكمل وسط ظروف قاسية، أو يكون مهيّأً لحفظ الجماعة التي يضطلع بقيادتها، ويحقق من ثم منجزات أو انتصارات ويراكمها. وهنا
كما في حالة أمين الخيون، أدت قلة الخبرة، وربما عدمتوافر الأشخاص المناسبين للمهمة، أضافة إلى أخطاء كانت في هذا المجال الدقيق غير قابلة للاستدراك، وسرعان ما تنتهي إذا ارتُكبت، إلى انهيار التجربة وفشلها.
وبالعودة إلى بدايات تجربة خالد، عند وصوله إلى بغداد، فقد شعر بعد عودته إلى العراق، أو أشعِر بوضوح من قبل قيادة الحزب، كما سبق أن ذكرت، بأنه غير مرحّب به؛ فماضيه ودوره المعارض في لندن كانا يسبقانه، ولم تتح له فرصة الاحتكاك الفعلي بالتنظيم العادي، ووضِع في ميدان من العمل الحزبي، كانت تقف وراءه عقلية شيطانية خبيرة بالألاعيب، وأساليب التخلص من المآزق. ففي عامي 1965 1966، بدأت «اللجنة المركزية» تعمل على تصريف النقمة والتململ الداخلي، بين كوادر الحزب وقواعده. فلجأت أحياناً إلى اتخاذ إجراءات صُورية توحي بأن الحزب ميّال إلى اعتماد سياسة عنفية إذا اقتضت الضرورة. وفي هذا السياق، أُقيم جهاز سري سمي «خط حسين»، وجرى لاحقأ تغيير اسمه إلى «خط هاشم» كان اسم خالد أحمد زكي، الذي بقينا نناديه به، هو «أبو هاشم»ـ وكان المفترض بهذا الجهاز أن يقوم بالمهمات الخاصة، من استخبارات ومراقبة وتأمين للسلاح، والبدء بالتدرب على استعماله، والقيام بمهمات الحماية، حيث تتطلب الضرورة أو الحاجة. ولست أدري تماماً ما إذا كان خالد قد عمل في «خط حسين»، لبضعة أشهر قبل أن يتغير اسم هذا الجهاز، أو أنه عمل مباشرة في «خط هاشم»، فلقد التقيت به أول مرة، وتعارفنا عام 1966 في «خط هاشم»، وكنت أنا ورفيقان آخران أعضاءً في لجنة كان هو سكرتيرها في الخط المذكور.
أمثولة «معركة الجزائر»
هذا اللقاء استمر من يومها، إلى لحظة استشهاده في جزيرة سيد أحمد الرفاعي، وهو في حضني، وأنا أصرخ به كي لا يذهب، ودمه يلطخ يدي، ويسيل على دشداشتي وصدري، وقد بقيت لفترة، وأنا أسير في بغداد، أراه أمامي، وأتفحص حتى الآن مواضع غابت، ولم تعد قائمة، وأُخرى لا تزال، يمكن الاستدلال عليها، كانت مواضع مواعيدنا ولقاءاتنا. أتذكربحنان خاص «سينما الخيام»، التي حضرنا فيها فيلم «معركة الجزائر»، حين عرض هناك، وكنا بمنتهى الحماسة، واتفقنا على الإعجاب بشخصية العربي بن مهيدي، وأنا أذكر هذه الواقعة جيداً، لأنني وجدت شارعاً رئيسياً باسم ذلك المقاوم، في مدينة الجزائر العاصمة، حين ذهبت إلى هناك. كذلك فإنني ذهبت إلى حي «القصبة» في العاصمة الجزائرية برفقة المقاومة الجزائرية جميلة بوحيرد عام 1991، ورأيت المكان الذي كان علي لا بوانت يختبئ فيه، وتم تفجيره ونسفه وهو في داخله، بعدما رفض الخروج والاستسلام. استأذنا وقتها من أهل الدار، وحين تعرفوا إلى جميلة بوحيرد، رحّبوا بنا بشدة. كانت الدار ضيقة وصغيرة، وسكانها الحاضرون امرأة ورجلاً كهلاً، يعيشان مع طفلين، ظلا يحيطان بنا بصمت. أشارت جميلة بوحيرد إلى المكان، فأخذني الانفعال وأجهشت، ولم أتمالك نفسي، إلى أن تركنا البيت وصرنا خارج القصبة وأزقّتها الضيقة التي تفوح بروح الاحتشاد الإنساني، والصبر، والعناد، والمقاومة المستمدة من واحدية الجمع النائم في حضن بعضه. لقد كانوا موحدين، هكذا تشعر وأنت تمرّ بين أزقة المكان الضيقة والبيوت المتراكبة والجمع المتحول إلى واحد، يقاوم، ومن المستحيل أن يقهر.
لم تعد سينما الخيام موجودة، ولا تلك الأيام المليئة بالحرارة والأمل الكبير، أو كما قال أحمد خلف في «الحلم العظيم»، التي هي من إيحاءات تلك السنين. لقد تحطم عالم كامل على أعتاب سيرورة قاسية تشبه مسيرة الحياة العظمى وتتناغم معها. لم تعد بغداد هي هي، لا في روحها ولا في معالمها، وتغيّرها أكد لي صحة معتقدي عنها، باعتبارها المدينة التي لا تموت ولا تحيا؛ فهي ليست كالمدن؛ لأنها تعيش على الحافة بين عالمين ومكونين يتقاسمان مصير كيان واحد، هو العراق. ترى، ما الذي منع تلك المدينة من أن تموت وتندثر، مثل واسط أو الكوفة، أو البصرة، مدن الدورة الحضارية الثانية؟ وما الذي جعلها تظل ولا تظل، تتحول، تنهار وتموت، وهي باقية مثل خيال شاحب؟ أليس لأنها كانت موزعة ومقسمة بين ضفتي العراق؟
بغداد والبحث عن آلة «رونيو»
لست أدري لماذا يخطر لي أن هذا المكان هو صرح للاكتشاف، وللمستقبل، وأنه التخطيط الأولي و«الطبيعي» لنمط المدينة المتحركة التي سيعيش فيها البشر لاحقاً. وإذا كان العراق مرشحاً لأن يكون اليوم أيضاً «مكان البدء الثاني»، فإن منطلقه سيكون هذه الخربة التي تعاند القرون.
كنا نلتقي في مقهى في نهاية شارع الرشيد لجهة اليمين قبل جسر الجمهورية قرب «البيت العراقي»، حيث تقوم مقهى من أربع ضلفات، تحت المكان المرفوعة فيه اليوم لافتة تشير إلى مقر «حزب العمال الشيوعي». هذه المقهى لم تعد موجودة. كذلك امّحت أيضاً مقهى أخرى في الصالحية، كانت على يمين الذاهب إلى كرّادة مريم، وهي عبارة عن حديقة واسعة، كنا نلتقي فيها في الصباحات أحياناً، كما كنا نلتقي في الأُمسيات، في مقهى في البتاويين، كانت تظل مزدحمة، وموقعها وسطاً في الشارع الموازي لشارعي أبي نؤاس من جهة
والسعدون من جهة. أما المقهى الأهم، فهي التي كانت في شارع الرشيد خلف نادي نواب الضباط، في أول مدخل على يد الداخل للرشيد من جسر الأحرار في سيد سلطان علي. وكانت بالأصل ملهى باسم ملهى «ليالي الصفا». أعتقد أنها لنفس مالكي ملهى «ليالي الصفا» التي تقع في الطرف الآخر من الجسر عند بداية جسر الاحرار من جهة الكرخ. وهذه المقهى لها قصة من الصعب نسيانها؛ فبعد حدوث انشقاق عزيز الحاج حسين الكمر، في 17 أيلول 1967، أي «القيادة المركزية»، قررنا نحن «مجموعة من كوادر الحزب» إصدار مذكرة نعلن فيها رأينا في ما جرى، وكانت مشكلتنا تتمثل في افتقارنا إلى الوسيلة الطباعية، فلم نكن نحتكم على «رونيو»، وقد عرض علينا «أبو هاشم» الأمر، أنا والرفيق شهاب أحمد وهو رفيق كردي، وبعد دقائق، تذكر شهاب أمراً. فقد كان له قريب، يعمل محامياً، صادف أن كان مكتبه في نفس المدخل الموصل بين الرشيد والمقهى، قال إنه يملك رونيو، وإنه يمكن أن يساعد في الأمر. واستأذن منا ليذهب ويتحدث معه. وبعد أن تأكد المحامي من أننا لسنا مع الحزب الرسمي الذي كان قد تركه منذ مدة، وافق على طباعة المذكرة التي كانت بعنوان «من أجل إعادة وحدة الحزب على أُسس مبدئية»، أظن أنها كانت من أربع أو ست صفحات. الأمر الأهم والأطرف، هو كيف أخرجنا تلك المطبوعات؛ فلقد كان بيت المحامي حيث يحتفظ بالرونيو، في منطقة صليخ، القريبة على ما أذكر من منطقة باب الشيخ، وقد أصر هو على أن نأخذ المطبوع في قدور، كأننا نحمل أكلاً، وهذا ما فعلناه بالتتابع. وقد أخذت حصتي من المذكرة يومها، لأذهب بها في اليوم التالي إلى مدينة الحلة والفرات الأوسط، حيث كنت أعرف هناك مجموعة مهمة من الرفاق، كما أوصلناها الى زكي خيري، عن طريق الرفيق «طالب النجار»، العضو الثالث في اللجنة التي تضمني أنا وهو وشهاب، ويديرها خالد، فقد كان مرتبطاً برابطة قربى مع زكي خيري، سهلت له المهمة.
هنالك حدائق عامة كنا نلتقي فيها أحياناً، منها الحديقة التي تقابل المحطة العالمية في الكرخ، قرب مطار المثنى، وبابها يطل على الشارع العام المؤدي إلى الحِلة وكربلاء، على الجهة المقابلة لحديقة الزوراء، وهناك كانت تتم اللقاءات في الحالات الضرورية، مع جماعة الفرات الأوسط، بسبب قربها من كاراجات علاوي - الحلة، التي لم يكن مكانها هو نفسه الحالي تماماً، وإن كان قريباً جداً منه، وكان الرفيق «موسى» بالذات هو أكثر الرفاق الفراتيين أهمية، وقد عقدت له عدة لقاءات بخالد أحمد زكي.
الحديقة الثانية التي التقينا فيها لقاءً مهماً جداً، هي حديقة «القصر الأبيض» قرب مديرية الأمن العامة، وهو لقاء حصل يوم 18/ 9/ 1967، في اليوم الثاني من وقوع انشقاق «القيادة المركزية». ففي اليوم التالي للانشقاق، جاءني خالد إلى البيت، مع الرفيق «طالب»، وأبلغني بأن الانشقاق وقع، وأننا يجب أن نلتقي فوراً. وبالفعل، ذهبنا إلى الرفيق «شهاب»، في مدينة الحرية الثانية، ومن هناك ذهبنا إلى بغداد عبر الكاظمية فالأعظمية مشياً، ثم أخذنا باص مصلحة نقل الركاب، ونزلنا لنسير على الأقدام، إلى أن وجدنا أنفسنا أمام حديقة القصر الأبيض، وقد أخذ منا التعب مأخذاً. وقتها، قررنا الجلوس على الثيل هنالك.
انشقاقات وتحضيرات وتصوّرات
كانت الاجتماعات العادية للجنتنا تجري في بيت الرفيق شهاب، في «الحرية الثانية» على الأغلب. لا بل جرت في بيته حتى بعض التدريبات على الأسلحة، وتجربة بعضها، ومنها مسدسات كاتمة للصوت كنا قد صنعناها محلياً، وأردنا أن نتأكد من مدى صلاحيتها. وقد استمر البيت مقراً للاجتماعات حتى مغادرتنا إلى الأهوار، ومغادرة شهاب الذي التقيته في القاعدة الأولى، وكان من بين العائدين معي بعد تلك الليلة من النقاش بيني وبين أمين الخيون، عبر الناصرية، وافترقنا مع تغيير طرأ في الأشهر الأخيرة، قبل الذهاب إلى الأهوار، هو انتقال خالد أحمد زكي من الإشراف على لجنتنا، بسبب تغير في مهماته؛ إذ أصبح على ما أعتقد مرشحاً في «القيادة المركزية»، وحلولي مكانه سكرتيراً للجنة التي كان هو سكرتيرها، وهو ما كان يعني استمرار علاقتي الحزبية معه. لكن في مجال آخر، دخل هذه المرة في إطار التحضير للعمل المسلح فكرياً وعملياً. وأولى وأهم مهماتي التي اضطلعت بها وأنا في هذا الوضع، كانت الذهاب إلى القاعدة الأولى، وجلب رفاقنا منها، أي إجراء عملية الفصل الصعبة بيننا وبين جماعة أمين الخيون. والمهمة المذكورة كانت في منتهى الدقة والخطورة؛ فأنا كنت وقتها ذاهباً إلى عقر دار جماعة أمين، لكي أُعلِن الانشقاق، وأطلب من أمين الموافقة على سحب رفاقنا. وهو ما تحقق بالفعل، من دون خسائر، ولا توترات لا يمكن تجاوزها، رغم أن الجميع كانوا يضعون أيديهم على أسلحتهم. وهذه حادثة سوف نعود إليها.
هذا المكان هو صرح للاكتشاف، وللمستقبل، وأنه التخطيط الأولي و«الطبيعي» لنمط المدينة المتحركة التي سيعيـــش فيها البشر لاحقاً. وإذا كان العراق مرشحاً لأن يكون اليوم أيضاً «مكان البدء الثــاني»، فإن منطلقه سيكون هذه الخربة التي تعاند القـرون.
خلال الجلسة في حديقة القصر الابيض، بدأ خالد أحمد زكي الحديث، معلناً أن الانشقاق أصبح حقيقة واقعة، وأننا اليوم أمام تجديد للخيارات، فليكن هذا الاجتماع بمثابة تجديد للعلاقة أو فضها، فمن كان يريد العودة إلى تنظيم «اللجنة المركزية»، فليذهب إن شاء، ومن أراد الالتحاق بـ«القيادة المؤقتة» (هكذا كان اسم «القيادة المركزية» بداية) فليذهب، ومن كان يريد مواصلة العمل ضمن اتجاهنا الثالث، فليعلن ذلك الآن بلا أي حرج. ويومها كان هو يعبّر كالعادة عن طبعه المخلص والنزيه؛ فقد كنا في منعطف، وفي المنعطفات، تتجلى الصفات والخصال الأصلية، لقد أسَرَنا مجدداً، بالخيار الذي كنا أصلاً مؤمنين به؛ فقد كنا أعضاءً منذ وقت غير قصير في تكتل «فريق من الكادر اللينيني»، الذي بدأ بوضع تصور، وأنشأ وثيقة تمثل رؤاه خلال عام 1966، وزعت ضمن دائرة محدودة. ومنذ ذلك الوقت، ونحن نعمل في لجنة الاختصاص التي سبق أن تطرقت لها، أي «لجنة هاشم» التابعة رسمياً للحزب، إلا أننا في الحقيقة وفعلياً أعضاء في تكتل «فريق من الكادر اللينيني»، الذي تحول اسمه بعد انشقاق عزيز الحاج/ حسين الكمر، إلى «فريق من كوادر الحزب»، وعرف وقتها باسم «جماعة نجم» تشهيراً. كذلك كنا نطلق على الحزب الرسمي، جماعة عزيز محمد، وعلى «القيادة» جماعة عزيز الحاج.
بعد هذه الفترة بوقت قصير، بدأ التحضير فكرياً لمسألة العمل المسلح، وقد أسهمت في حينه بورقة وضعتها، من بين أوراق أخرى، «حول استراتيجية الكفاح المسلح في العراق»، فيما ألحّت آنذاك نقاشات حول مسائل نظرية، من قبيل الانقلابات العسكرية، وأثر الاختلافات والتباينات التضاريسية لمناطق العراق الجغرافية، ومسألة التكتيكات المختلفة، وكيفية تطبيقها على أوضاع العراق ومناطقه. وجرى ذلك على وجه التعيين، بالضد من آراء «القيادة المركزية»، التي كانت تتحدث عن توجهات هلامية وغير قابلة للتنفيذ، تراوح بين العمل المسلح في المدن، أو الانتفاضة الشعبية، أو المزج بين تكتيكات متعددة، بما فيها الانقلاب العسكري. ولم تكن تلك الموضوعات قد تضمنتها وثيقة صادرة عن «القيادة المركزية»، ويمكن قراءتها ومحاججتها، إلا أنها كان يطرحها كوادر ينتمون إلى القيادة المركزية شفاهاً، ولم يكونوا موحدي الموقف أو الرؤية، ولم أتعرف إطلاقاً على خيار محدد، كانت «القيادة المركزية» تتبناه وقتها، ولكن المؤكد عندي أنها لم تكن قد تبنت خطة مقرّة ومعتمدة تقول بتبني وسيلة «الكفاح المسلح».
وحتى شهر كانون الثاني، عام 1967، كان مثل هذا الموقف بعيداً عن تفكير عزيز الحاج، ولا أتحدث عن «وليد»، أي حسين الكمر. ففي ذلك الشهر، قرأتُ ونحن في الأهوار في القاعدة الأولى رسالة، قال أمين الخيون إنها موجهة إلينا من عزيز الحاج، أتذكر أنها تبدأ بالقول: «أيها الرفاق الأعزاء، لا شك بأن ما تتبنونه من أسلوب للكفاح، قد بدأ يأخذ طريقه للنقاش بين الشيوعيين على أوسع نطاق»، وقد أطلعني أمين الخيون وقتها على الرسالة المذكورة، وأنا في القاعدة الأولى قبل أن نفترق، أو يعرف هو بأنني قادم لكي أنفذ خطة الافتراق. وكان تعليقي على الرسالة هو: إن الجماعة متأخرون كثيراً، وظني أنهم سوف يظلون يناقشون الأمر لفترة أطول مما يسمح به الوقت واللحظة التاريخية.
الغريب أنني خلال اللقاءات المتكررة بيني وبين عزيز الحاج في باريس، لم يخطر لي إطلاقاً أن أسأله عن تلك الرسالة، أو عن حيثياتها ومصيرها، وإذا كانت صحيحة، وبأي غرض أُرسلت.
على العكس، كان تيار «فريق من كوادر الحزب»، حريصاً على أن يضع تصوراً استراتيجياً مكتوباً، لعله كان نابعاً من الشعور بضرورة التميّز. فالعمل المسلح لم يكن وقتها أقل من «سياسة أُخرى»، أي إنه تميّز تام عن «المفهوم اليميني»، وفي النهاية «حزب آخر». وسواء في ما يتعلق بالأجواء العالمية، أو في العراق، فإن مظاهر الانقسام بين وجهتين وتيارين، داخل الحركة الشيوعية والثورية العالمية، كانت قد وصلت حداً يتطلب البلورة التامة، وهذا ما لم يكن وارداً، في تفكير «القيادة المركزية». وعدا عن عزيز الحاج، فإن حسين الكمر، الشخص الثاني والأكثر دهاءً، لم يكن على الإطلاق في وارد «التغيير التام»، ولم تكن دوافعه الانتهازية ولعبه على أكثر من حبل، وميله من طرف خفي، إلى الضغط على قيادة الحزب الرسمي، قليلة، أو معدومة. وقد سمعت من عزيز الحاج في هذا المجال في باريس، ما يؤيد هذا الاعتقاد، هذا مع العلم أن عزيز الحاج يمتاز إلى حد بعيد بالتحفظ وتحاشي كيل الاتهامات والشكوك ضد أي كان.
عصيان، انتفاضة، بؤرة ثورية؟
ولم يكن تيار الكفاح المسلح يخلو من نغمات الارتجال، سواء النابعة من تدني المعرفة والوعي، أو من غلبة روح المغامرة؛ فأمين الخيون على سبيل المثال كان يميل إلى الارتجال وقتها، مع أنني سمعت منه أنه كان قد قدّم مشروعاً مكتوباً إلى «الحزب»، يتضمن خطة انتفاضة، تبدأ عسكرية وتنتهي إلى الكفاح المسلح. وفي النقاش تبيّن لي أن مقترحه لم يكن يولي الكفاح المسلح، بمفهومه المتعارف عليه كحرب عصابات، الأهمية، أو الاعتبار الذي يجعله موضوعاً مركزياً. فخطته كانت تقوم على عصيان تقوم به قطعات عسكرية من الجيش في البصرة. وإذا لم تنجح، فإنها تنتقل إلى الأهوار، وتمارس حرب عصابات. وقد علمت بأنه قدّم المقترح المذكور في أواخر عام 1965 أو بدايات 1966، وهذا يعني أن مسألة الاعتراض واحتدامها، كانت تسير بالتوازي، ومن أكثر من موضع؛ فتيار «فريق من الكادر اللينيني» بدأ تحركاته في تلك الفترة بالذات، وكذا بدايات تحركات «مصباح» التي هي اختصار عن «مكتب لجنة منطقية بغداد»، التي كانت نواة انشقاق «القيادة المركزية»؛ فهذه أصدرت أصلاً في تلك الفترة تقريراً معارضاً لنهج قيادة الحزب الرسمي، وعمّمته على التنظيم، بخلاف رأي قيادة الحزب ولجنته المركزية.
لم أطلع على التقرير الذي تحدث لي عنه أمين الخيون، إلا أنني عرفت منه أنه قد تعرض للتجميد من قبل الحزب، بسبب موقفه أو اقتراحه ذاك. وفي حينه، بدأ هو بتشكيل تكتل «وحدة اليسار»، وهكذا كان الحزب عموماً، يضمّ قبل انشقاق «القيادة المركزية» في 17 أيلول 1967، ثلاثة تكتلات هي: «القيادة المؤقتة» أو «مصباح» و«فريق من الكادراللينيني»، و«وحدة اليسار». الأول يتزعمه عزيز الحاج وحسين الكمر، والثاني يقوده نجم، والثالث الاصغر بقيادة أمين الخيون. إلا أن هذه الكتل الثلاث لم تكن متساوية من حيث اقترابها أو بُعدها عن مبدأ ممارسة الكفاح المسلح، أو نقل الحزب إليه. وإذا كانت «القيادة المركزية» أكبرتنظيمياً، وأوسع سمعة وصيتاً، و«وحدة اليسار» الأكثر جرأة ومغامرة وارتجالية، فإن جماعة «فريق من كوادر الحزب»، التي كانت من قبل تحمل اسم «فريق من الكادر اللينيني»، كانت الأقرب إلى التعامل مع موضوع الكفاح المسلح برويّة وجدية، على قدر ما كانت تستطيع، وبالمقارنة بغيرها، لا باعتبارها قريبة من الكمال، أو حتى من المطلوب.
ولقد وضعت هذه المجموعة الأخيرة، وثيقة «حول الانتقال لممارسة الكفاح المسلح في العراق»، وزعت العمل على مواضع تشمل العراق جغرافياً، وتقسمه إلى مناطق، هي الجنوب كبؤرة بداية وإشعال لفتيل العمل المسلح، تلحقها مناطق الفرات الأوسط والشمال. واعتُبرت بغداد هي القلب، وهدف العمل كله. وانتبهتْ إلى دور القطاعات والقوى الاجتماعية المختلفة، وتعرضتْ لواقع الجيش والنظام، وفي البداية، وضعت مقدمة ومدخلاً، قرأ واقع العراق، ومسارات الارتداد على ثورة تموز 1958، وأوضاع الطبقات المختلفة، العمالية والفلاحية، والطلبة وفئات المجتمع الأُخرى. هذه الوثيقة جرت دراستها في الكونفرانس الذي عقدته الجماعة في بداية عام 1968 في مدينة العامل، وكنتُ وقتها قد حضرت بعد العودة من الجبايش، مع الرفاق الذين انسحبوا معي من القاعدة الأولى التي أقامها أمين الخيون، وكنت قبلها قد قدمت تقريري عن تلك المهمة في اجتماع ضم الشهيد نوري كمال، إضافة إلى الشهيد خالد، ويومها تعرفت إلى الجانب العاطفي من شخصية نوري كمال، الذي نهض من كرسيه داخل الاجتماع، وقبلني من جبيني، بينما أنا أتحدث بتأثر وحماسة.
لا شك في أننا نتحدث عن متغيّر حاسم داخل الحركة الشيوعية العراقية؛ فما كان يحدث وقتها لا يشبه أياً من الانقسامات التي عرفها الحزب خلال تاريخه السابق، سواء في الأربعينات والخمسينات، أو حتى أوائل الستينات. ففي عام 1964، وقع انشقاق داخل الحزب، وعلى جوانبه، هو انشقاق «اللجنة الثورية للحزب الشيوعي العراقي»، قاده المقدم سليم الفخري، غالبيته العظمى من ضباط الصف العسكريين. ولم يكن قد تميز بأي بُعد فكري أوسياسي متقدم، أو يحتوي على أي ملمح يمكن أن يمثل إضافة ما. ومع أن هذا التنظيم كان يضم اناساً بسطاء يقودهم ضابط يطيعونه إطاعة عسكرية شبه تقليدية، إلا أنه يعكس من جانب ما غزارة التعبيرات اليسارية الشيوعية الميالة للخروج على السياسة الشيوعية الرسمية، وشمولية تجليها، وتعدد قواها آنذاك.
التعليقات
لا يهمني سوى سؤال واحد هو
لا يهمني سوى سؤال واحد هو لماذالم يذكر اسم عقيل حبش من ضمن المساهمين في الكفاح المسلح في اهوار الناصريه ضمن المقاله رغم ان عبد الامير قد ذكر عقيل عبد الكريم بموقف هزيل في وليمه لاعشاب البحر لحيدر حيدر
سؤال وجيه قدمه القارئ وهو
سؤال وجيه قدمه القارئ وهو لماذا لم يذكر عبد الامير لعقيل حبش ويمكنني الاجابه عليه اولا ان عقيل فضع موقف عبد الامير بتعاونه مع لجنة التحقيق وسبب هذا الموقف بالقاء القبض على بعض الرفاق ومن ضمنهم نجم ( ابراهيم علاوي ) سكرتير القياده المركزيه سكرتير جماعة الكادر وشارك عقيل بفضح شخصية عبد الامير وتعاونه مع حكومة البعث ومراسلاته مع وزير الداخليه ومدير امن العامه وطلب منهم احتواء التنظيم هبه منه لنظام البعث
إضافة تعليق جديد
تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.