العدد ١٤ - ربيع/صيف ٢٠١٦

تَلوينُ الفُصول

النسخة الورقية

نَفتح كتاباً ونقرأ. تأخذنا القراءة، أحياناً، أبعد من الكلمات التي نقرأها. تُشَرّعُ الأبوابُ وتُوَسّع الشُّرُفات.
نقرأ ونخاف. نقرأ ونُحِبّ.
نقرأ ونَرتعش، تَستيقظُ فينا
موسيقى الأعماق.
أيُّ هِبَة هي هذه الهِبَة؟
أيّ سرّ هو هذا السرّ!
الموسيقى طريقُ الصّمت إلى الجهات غيرِ المرئيّة.
كأنّ الكلمات التي أمامي الآن أسماكٌ صغيرة ملوّنة داخل «أكواريوم». تروح وتجيء، تجيء وتروح إلى ما لا نهاية.
هل من وسيلة أخرى لقَول ما يتعذّر قوله غير الصمت؟
الدائرة المرسومة بحِبرٍ فضّيّ مُضيء، كانت مساء اليوم مُثبَتة فوق المِسلّة الفرعونيّة في ساحة «كونكورد»، وكانت هذه المسلّة، الغريبة عن مكانها وزمانها، غير آبهة بالمكان والزمان.
كلّ فردَوس هو، بالضرورة، فردَوسٌ مفقود.
السماءُ بَرقٌ ورَعد، في لوحة تقول عيناها الحائرتان، المحدّقتان في النّقطة المبهَمَة، إنّ الطفل الذي بين يديها هو نحن جميعاً، كما كنّا يوماً، وكما، لا رَيبَ، سوف نكون.
الجرح الذي في رأسها هو جرحُ الجمال نفسه.
النوافذُ في غيابِ الحالمينَ خَواءٌ، و‬‬‬‬‬لا أجنحةَ في الخَواء.
أَوَديعَةٌ هو الفَقدُ
أم عَتَماتٌ تُحاصرُ البَرقَ الملتمِع
خلفَ الأهداب؟
تقول لنا الطبيعة، كلّ لحظة:
ليأكل بعضكم بعضاً.
بعض النصوص تأكل قارئها:
النصوص التي لا تحتمل إلّا قراءةً واحدة.
خرجَ الرَّجُل من فَرج المرأة وادّعى أنّها خرجَت من ضلعه!
صحراء القتل العربيّة تكشَّفَت تماماً. المأدبة مفتوحة أمام الجميع، والوليمة من لحوم البشر.
أين الصمت الذي يُضَمِّدُ الجروح؟
ظلالُنا الغيوم
لستُ أنا الذي يَعيش.
ما أكتبُه الآن، كمثلِ حياتي وموتي، ليسَ صحيحاً
لا ننتظر أن ننتهي حتّى نعرف أنّنا غير موجودين أصلاً.
الذين يولدون ويموتون هم شخص واحد يتكرّر إلى ما لا نهاية.
نحن في حِداد، لأنّنا في
الحياة وحَسب.
لا يعيش المرء إلّا حياتَه المسلوبة.
أن نكون في الحياة:
لماذا نَحرُص على حياة لا تَحرُص هي علينا؟
المجيء إلى الحياة أشبه بالوقوع في مصيَدة.
لا نودّع الموتَ.
ظلالُنا الغيومُ البعيدة بعد أن نَغيب.
لماذا كان الشرقُ الأوسط مهدَ الأديان التوحيديّة، ولم تكن نيوزيلندا، مثلاً، أو أيّ بُقعة أخرى من العالم؟
اللعنة!
سيأتي يوم يهرع فيه الناسُ إلى الملاجئ بمجرّد أن يسمعوا كلمة دين.
من الظواهر العالميّة الغريبة في القرن الحادي والعشرين:
هيئة الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكَر.
الجهل أحد أشكال الاحتلال.
ثمّة صمت يشبه القتل.
الحروب لعبةُ الكائنات التي لم تصل بعدُ إلى مستوى القرود.
ستظلّ البشريّة في هذا الطَور ما دام هناك سيّدٌ وعبدٌ، غنيٌّ وفقير، مستغِلٌّ ومستغَلٌّ.
ستظلّ في طَورها البدائيّ ما دام هناك دُوَلٌ وجيوشٌ وأسلحة، وما دام الإنسان يَقتل ليأكل.
ما دام لم يُدَجِّن خوفَهُ من الموت.
صادفَ أنّني لا أَقتُل.
مُهمّات العَدَم.
أيّ قصاص هو هذا.
الإغواء هو أيضاً ضربٌ من الصَّيد.
الجنس الذي نظنّ أننا نهرب من خلاله إلى مكان آخر غير أمكنة السأم والموت، هو أحد جذور الموت العميقة وفي صُلب كيانه الغامض.
الشّعلة المرتعشة في دِقَّةِ الضَّوء توقظ الفجر.
يأتي الذين لا ننتظرهم، والذي ننتظره لا يأتي.
من مهمّات العدَم أن يأكلَ النجوم، نجمةً تِلوَ نجمة. الثَّقبُ الأسود هو الجانب المرئيّ من الكون.
نمضي حياتنا ونحن نراقب موت الآخرين إلى أن يحينَ موعدنا.
لماذا نرى شيئاً نعرف أنّنا، بعد قليل، سنُحرَم من رؤيته؟
الصورة الفوتوغرافيّة عينٌ مفتوحة على العدَم.
الصورة الفوتوغرافيّة عدّاءٌ يلهث وراء الموت، خدعةُ الأبدية لنفسها قُبالةَ النّهر الذي، فجأةً، لم يعد يتدفّق.
نلتقط الصوَر كصائدي الفراشات.
كلّ شيء يَشيخ، حتى شُعاع الشمس الذي يجدّد صباحاتنا.
غصنُ الشجرة يغتذي مباشرةً من نور الشمس، أما البشر فيعملون ويتقاتلون من أجل كسرَةِ خبز!
لا تدور الأرض بل تَهتزّ، وهي على شَفا سديم.
لا أنتمي إلى دين ولا إلى وطن.
المدمِّرون حولنا، في كلّ مكان، يُمعِنون في التدمير.
عندما أنظر من نافذة الطائرة أو القطار إلى القرى والمدن البعيدة، إلى المنازل المتجاورة، والشوارع المتقابلة والمتقاطعة، أقول في نفسي إنّ البشر لا يستطيعون العيش إلّا بعضهم مع بعض، وهم، في الوقت نفسه، غير قادرين على العيش معاً.
لا يكفي أن نعيش لنكون

 

العدد ١٤ - ربيع/صيف ٢٠١٦

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.